كاندنسكي... رسالة إلى شاعر الفاشية الإيطالية «مارتينيتي»

السنوات الباريسية لمؤسس التجريدية المعاصرة

من أعمال كاندنسكي
من أعمال كاندنسكي
TT

كاندنسكي... رسالة إلى شاعر الفاشية الإيطالية «مارتينيتي»

من أعمال كاندنسكي
من أعمال كاندنسكي

في صالات القصر التاريخي «روفيريلا» بمدينة روفيكو الإيطالية، افتتح معرض الفنان الروسي الأصل فاسيلي كاندنسكي (1866 - 1944)، ويستمر المعرض حتى نهايات شهر يوليو (تموز) المقبل. وتصحب المعرض الذي يشمل 200 عمل فني زيتي ومائي وتخطيطي، مجموعة من الوثائق والرسائل والكتابات النقدية التي كتبها كاندنسكي أثناء فترة وجوده في باريس، من عام 1934 حتى عام 1944، إضافة إلى الكتاب الوثائقي الذي وضعته زوجته «نينا» ونقل إلى اللغة الإيطالية.
كان كاندنسكي، الذي يعتبر أحد رواد الفن التجريدي المعاصر، يعمل على هدف واحد شغله طيلة حياته، وهو الهم الحداثي، حتى لو أدت «الحداثة» هذه إلى قطع الحبل السري الذي يربط الفن بالواقع الإنساني. وهكذا كانت رحلته الفنية موغلة في بناء الشكل المجرد الذي لا تحكمه حقائق العلاقات الإنسانية بالقدر الذي تحويه اختيارات هي بمجملها إشارات وتكوينات تنتمي إلى وسط ما وراء خطوط الرؤية. إنها عوالم لأنظمة لونية ترتسم على سطوح اللوحات بأشكال تصميمية زخرفية تستند إلى حد كبير على الاستخدام الفيزيائي وتفسيراته للخامات الأولية للرسم. حاول بعد هجرته من بلده روسيا، تقصي حركة اللون والشكل على سطوح اللوحات لجعل العالم المختفي عالماً منظوراً من خلال ما سمّاه بـ«الضرورة الداخلية» التي تقلب بشكل نهائي نظام العالم التصويري وتجعل اللامرئي مرئياً.

                                                                        فاسيلي كاندنسكي
فراغات وكتل هندسية يلعب بها اللاشعور دور المظهر الخرافي إزاء مشكلات التوازن الإنساني. إن الإنسان عند كاندنسكي يمثل الغياب، بل إنه تحول إلى خطوط منحنية، وحروف متلاصقة، ومتقوسات شكلية مجردة عن وظائفها، ترتكز على مهارات في الصنعة وبناء السطح بحس جمالي أخاذ، إلا أنها تظل مهارات سهلة تمتلك خاصية التمركز حول الذات.
وقد قال كاندنسكي في إحدى رسائله المعروضة: «شخصياً لا تحملني الدهشة مطلقاً عندما يفسر أحد أشكالي التي يتجرد بها الشكل، بكونها عملية انحلال وقسر». لقد كان هذا الفنان بكل أعماله الفنية التي سخّر لها حياته يؤكد على مفاهيم السيطرة الروحية بتقنياتها الأسلوبية وتكراراتها الآلية. وقد كان مستعداً لعمل كل شيء من أجل ذلك، حتى بخلق التقارب الكاذب، والتزلف الدعيّ مع مؤسس المستقبلية الإيطالية الشاعر الفاشي «مارتينيتي» الذي كان متنفذاً سلطوياً، وأحد النماذج الفاشية في تلك الأعوام التي شهدت صعود الفاشية وتسلمها للسلطة.
في كل أعماله، كان كاندنسكي يركز على عملية البحث عن الضرورة الداخلية ليكون من وراء ذلك كله الرسام التجريدي والمنظم الحاذق الأول للتجريدية، التي اعتُبر نتاجها الفني منذ بدايات صعود النازية متخلفاً، ومُنع كثير من أصحابها على يد المؤسسات الرسمية الألمانية من ممارسة الرسم في عموم ألمانيا، ووصل الأمر إلى إبعاد الفنانين التجريديين الذين اتهموا بتحوير وتشويه الطبيعة، عن مراكز التعليم في المعاهد والمدارس الفنية، كل ذلك من أجل تحويل الفن إلى أداة إعلامية تخدم مصالح البرنامج الثقافي للرايخ الثالث، الذي عبّر عن رؤيته بشعار ديماغوجي «الفن للشعب» وهو شعار يتعارض مع الاتجاه اللاموضوعي الذي نهجته التجريدية. في مدينة ميونيخ كان كاندنسكي قد انكب على إيجاد أساسياته الروحية بتنقية الشكل. وفي كتابه «نقطة - خط - لقطة» عرض الطرق المختلفة التي يمكن الانتقال بها من الشكل البسيط إلى الشكل المعقد، وقد ظلت سمات الفنان النظري عند كاندنسكي مرتبطة بشكل داخلي ومنسجمة في أغلب أعماله، فالخط الفاصل لا يقع بين التشخيصية واللاتشخيصية، إنما حسب رأيه بين «نظام التصوير وبين ما هو خارجه». لقد سعى نظرياً لتخطي العراك الدائر الذي يجعل من الفن نقيضاً للطبيعة.
ما نريد قوله بمناسبة معرض كاندنسكي، هو أن قيمة أي عمل فني، مهما بلغت شهرة منتجه، ترتبط دائماً بما يعبر عنه من آمال عصره، وبما يحمله من تطلعات نحو المستقبل، وأن ارتقاء هذه القيمة يرتبط أساساً بكل ما يمكن تقديمه للرؤية الجديدة، وهو بكل هذا يستطيع التكفل بالحرية الكاملة في التعبير التي تستند على جميع الاتجاهات والمدارس الفنية. على أن عملية الدخول إلى عوالم النزعة الذاتية المقفلة، والمجردة عن كل ما هو إنساني، واعتبارها الوسيلة الوحيدة الملائمة لتصوير «الحداثة»، تعّد إلى حد ما تجاهلاً مريراً ومتشائماً لقوانين التطور الإنساني، ويعد أيضاً حماية للذات بطرق تضيق مجالات الرؤية، وإن امتلك الفنان موهبة متميزة، وإن احتلت أعماله الصدارة في ظروف تاريخية معينة.
لقد عاش كاندنسكي 10 سنوات في مدينة باريس بعد رحيله من ألمانيا عام 1933 التي غرقت بالوحل النازي، وكان اختياره لهذه المدينة من أجل الإقامة الدائمة بسبب معرفته المسبقة أن اسمه قد أصبح من الشهرة بما يكفي لأن يتمكن من «شراء الخبز وترميم لوحاتي» كما ذكر بإحدى رسائله المعروضة، وقد كانت باريس آنذاك محطة للجميع؛ بيكاسو، وجاكوميتي، وبراك، الذين كان كاندنسكي ينظر إليهم بعين الشك والريبة، كما كان هناك الفنان «ليجيه» الذي اعتبره «أكثر شرفاً من الآخرين»، وأيضاً الفنان «دالي» الذي وصفه بأنه «رغم كل شيء فهو رسام حقيقي»، وإضافة إلى هؤلاء كان هنالك «موندريان» و«جان ميرو» و«ألبيرتو مانيللي» و«جان راب» و«مان راي» و«ماكس أرنيست» وعشرات غيرهم ممن تشبثوا بمفاهيمهم المحطمة لقشرة الفن التي سادت طويلاً، فكانوا بمواقفهم المتراوحة غير منفصلين عن حضارة عصرهم، وما حملته من انحلال وتفكك داخلي وتعاسة، ترافقت مع نمو المشروعات الحرة وسيطرة الاحتكارات وبروز ظاهرة تقسيم العالم، وظهور النزعات الفاشية والعنصرية وهيمنتها على دول كثيرة. لكن كل الذين جيء على ذكرهم سابقاً لم يمتدحوا الفاشية بوصفها النموذج الفكري للعلاقات الثقافية والسياسية، التي مثّلها في حقل الفن «مارتينيتي» الفاشي الذي أسس المستقبلية.
ولإلقاء ضوء أوسع على علاقات كاندنسكي بـ«الفاشية الفنية» نورد هنا نصاً لإحدى رسائله إلى شاعر الفاشية الإيطالية «مارتينيتي» بعث بها إليه في 23 يوليو عام 1932 من ألمانيا حيث كان يقيم ويدرسّ في مدرسة «الباوهاوس». يقول كاندنسكي: «إن مدرسة الباوهاوس كانت قبل مدة من الزمن تحت إدارة مدير سويسري الأصل، كان يسعى باستمرار من أجل تقديم تعاليم تحمل بعض آثار الاتجاهات الماركسية، وكان يفعل ذلك بصورة متخفية وغير مباشرة، حتى اكتشف أمره، وأبعد عن المدرسة. ومن طريقته لم يبقَ أي أثر، إذ رجع الأمر للقدامى، وأصبح كل شيء مضموناً بصيرورته الأولى.
لربما قرأتم في بعض الصحف قبل 3 أو 4 أشهر عن إدارة جديدة، وهي (ديساو)، وهي ذات توجهات فاشية تحمل في أعمالها إعجاباً كبيراً بالطرق السياسية الإيطالية في اتباعها المثال نفسه.
وفي الوقت ذاته، فإن قائدكم الدوتشي (موسوليني) قد افتتح معرضاً للمعمار الحديث، وتحدث بألفاظ حماسية جداً حول الأساليب الجديدة المعاصرة، أما بالنسبة لنا فإن المسؤولين قرروا إغلاق مدرستنا، وبذلك سوف يهدمون كل جهد بذلناه، إنهم يتحدثون عن الماركسية، والمذهبية في التوجهات الشكلية بأعمالنا الفنية، وكذلك يتحدثون عن خصومة، ومجابهة لـ(الألمانية) الحقيقية... واتهام (الباوهاوس) بأن بها ماركسياً، أو تابعاً للشرق، وعدواً للألمانية، في الوقت الذي لا يوجد أي ماركسي، ولا يهودي. إنني حقاً خائب، وتحيطني فكرة واحدة يائسة حول هذه المدرسة الوحيدة في العالم، إذ علينا الاختفاء والتلاشي في ضوء ما قدمه أحد الأشخاص من الذين لا يفقهون شيئاً.
إنني متأكد جداً بهذا الخصوص، فبالنسبة لي شخصياً، فإن الحكومة الإيطالية الفاشية لن تسمح بارتكاب مثل هذا الخطأ، ومع هذا فيا حضرة السيد (مارتينتي) منذ اللحظة التي تعارفنا فيها منذ أكثر من 20 عاماً، فإنه من الطبيعي أن ألتمس منكم أن تقوموا بدور الوساطة إزاء هذه التراجيديا المهمشة، ولكن بأي طريقة؟ أنا أعتقد أن قراراً استنكارياً يمكنه أن يستفز ويخلق قوة تأثير، ويمكن الحصول من خلاله دون شك على نتائج محسومة ونهائية. إنكم تستطيعون أن ترسلوا برقية بهذا الخصوص لي أو لمديرنا».



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم (السبت)، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطعاً لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

ونعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».