أثار انتشار الدراسات الإعلامية التي تتوقع ازدهاراً لمفهوم «صحافة الحلول» تبايناً وتساؤلات بين خبراء الإعلام، حول تبني مفهوم «صحافة الحلول» في صناعة القصص الصحافية، وهذا في ظل تقارير تشير إلى «ابتعاد الجمهور عن الأخبار السلبية». وبينما تنتشر «صحافة الحلول» على مستوى العالم، فإنها حسب بعض الخبراء «ما زالت تخطو خطواتها الأولى عربياً»، وأن مثل هذه المحاولات لا تزال «خجولة».
وفق تقرير «معهد رويترز» عن الإعلام لعام 2022 فإن برنامجاً تلفزيونياً يحمل عنوان «حُلت أو ضاقت» Solved or Squeezed يُقدم بالشراكة بين معهد الصحافة البناءة في الدنمارك ومحطة تلفزيونية محلية، تقوم فكرته على وضع أحد السياسيين في غرفة مغلقة وعرض مشاكل عليه ليتولى حلها خلال عشرين دقيقة وإلا ضاقت الغرفة عليه. ويقول التقرير إن «هناك تساؤلات بين صناع الإعلام حول الطريقة التلقائية لتقديم الأخبار، إذ يبحث كثيرون منهم الآن عن طرق بديلة لتحقيق مزيد من التفاعل». ويشير إلى أن «الدراسات تقول إن صحافة الحلول تجتذب الشباب. وأن الناس تشعر بأنها أكثر معرفة وقدرة بعد قراءة أو مشاهدة قصص صحافة الحلول».
الدكتورة أروى الكعلي، أستاذة الإعلام في معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس، علقت في لقاء مع «الشرق الأوسط» على تقرير «معهد رويترز»، الذي يتوقع انتشاراً لـ«صحافة الحلول» في المستقبل، فقالت «مثلما أعطت جائحة (كوفيد - 19) دفعة للصحافة العلمية وصحافة البيانات والتدقيق في المعلومات، فإن عالم ما بعد (كوفيد - 19) (إن كانت الجائحة قد انتهت طبعا)ً يحتاج إلى الحلول، وإن ظل الأمر نسبياً، واختلف من بلد لآخر».
وتلفت الكعلي الانتباه إلى أن «ثمة العديد من التقارير التي نشرها معهد (رويترز) من قبل، ذكرت أن الناس يحبون قراءة القصص الصحافية التي تقدم حلولاً. بل إن تقارير أخرى توصلت إلى أنه كلما كانت القصة متكاملة، وفيها أدلة وحدود، اهتم الجمهور بالقصة أكثر». وتوضح الأكاديمية التونسية أن «الانطباع العام الذي يحدثه لدينا الانحياز السلبي في الأخبار من قبيل أننا لا نستطيع فعل شيء حيال الأمر، هو أحد الأسباب التي تدفع الناس إلى تجنب متابعة الأخبار. لذا فإن إقدام الصحافة على تقديم حلول قد يفتح المجال أمام تفاعل الجمهور مع القصص الصحافية بشكل مختلف».
في المقابل، لا يعتقد يوشنا إكو، الباحث الإعلامي الأميركي، وهو رئيس ومؤسس مركز الإعلام ومبادرات السلام في نيويورك ومؤسس موقع «ذا سوليوشن نيوز» The Solutions News أن صحافة الحلول) ستكون هي مستقبل الصحافة، إلا أنه قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنها «ستكون أكثر وضوحا كجزء من الدور المحوري للإعلام في الدول الديمقراطية وفي وضع السياسة العامة».
وفي هذا السياق، يعرف إكو «صحافة الحلول» بأنها «نوع من التقارير الإعلامية يتضمن استجابة قوية لمشاكل المجتمع. وهي صحافة كاملة لا تكتفي بتسليط الضوء على المشاكل، بل تتتبع الأصل من أجل إيجاد حلول، وهذا الشكل من الصحافة ينشط المواطن ويحفز أدوات المحاسبة لإحداث تغيير ذي معنى».
وتضع الشبكة الدولية لصحافة الحلول 4 ركائز أساسية لهذا النوع من الصحافة، وهي التركيز على عرض حلول أو استجابات لمشاكل المجتمع أولاً، وبيان كيف تعمل هذه الحلول، ولماذا لا يتم تفعيلها، وثانياً توضيح ما الذي يمكن تعلمه من هذه الاستجابات، ولماذا هي مهمة لجمهور غرف الأخبار، وثالثاً جمع الأدلة والنتائج الشاملة التي تثبت فاعلية هذه الحلول، وأخيراً رسم الحدود ووضع الحلول في سياقها، وبيان مدى إمكانية تنفيذها ماديا، ومدى ملاءمتها للبيئة.
هنا توضح الكعلي أنه «حتى نصنف قصة على أنها في (صحافة حلول) يجب أن يكون الحل هو أساس السرد من جهة، وأن يتم احترام منهجية محددة، وأن تتضمن القصة الأدلة والبراهين على نجاعة الحل، والحدود، وإمكانات إعادة تطبيق التجربة، وإلا ستتحول إلى ريبورتاج دعائي أو قصة انطباعية». وتشير إلى أن «الصحافي ليس هو من يقدم الحل، أو يتوصل إليه؛ بل ينقل نجاح تجربة ما، ومدى إمكانات إعادة تطبيقها، حتى وإن كانت الحدود ستجعل القصة أقل جاذبية، ولكنها ستكون عملية». وتؤكد أن «(صحافة الحلول) غير مكلفة، ولا تتطلب مهارات إضافية، مثل (صحافة البيانات) ولكنها تتطلب تدريباً، وتوجيها، وأيضا مرونة لتطبيقها في غرف التحرير، أو إقناع رؤساء التحرير بطرح جديد للقصة».
في هذا الإطار تقول الشبكة الدولية لصحافة الحلول إنه «جرى إنتاج 13 ألف قصة صحافية من صحافة الحلول بواسطة 6 آلاف صحافي يمثلون 1600 وسيلة إعلامية من 187 دولة». وتشير في دراسة نشرتها منتصف العام الماضي إلى أن «79 في المائة من المبحوثين يؤكدون أهمية تقديم معالجات صحافية تتضمن حلولا للمشاكل، وأن القصص الصحافية التي تتضمن حلولا تجتذب عددا أكبر من الجمهور وتخلف انطباعات إيجابية، وأن 83 في المائة يثقون في قصص صحافة الحلول، مقابل 55 في المائة يثقون في القصص التي تقدم مشاكل المجتمع».
فتحي أبو حطب، الخبير الإعلامي المصري، يوضح أن «الهدف من صحافة الحلول هو الضغط لإيجاد حلول للمشاكل بطرح أفكار جديدة، وهو أمر مختلف عن الترويج للمشاريع الذي تتبعه بعض الصحف». ويوضح أبو حطب لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن أحد أسباب نفور الناس من متابعة الصحف هو طرحها للمشاكل طوال الوقت. ومن هنا جاءت فكرة صحافة الحلول كوسيلة إيجابية لطرح المشاكل مع الحلول... وبالتالي، صحافة الحلول هي وسيلة للنقد والاعتراض لكن بطرح حلول واضحة».
على صعيد ثانٍ، أفادت دراسة نشرها «مركز المشاركة الإعلامية» بجامعة تكساس بأن «صحافة الحلول تستطيع مواجهة مشاكل كثيرة تعاني منها غرف الأخبار، لا سيما تلك المتعلقة بانطباعات الجمهور عن مدى سلبية الأخبار، وتراجع نسب قراءة ومتابعة الأخبار». وأفادت الدراسة بأن «كثرة من المؤسسات الإعلامية تعمل حالياً على تحقيق موازنة الأخبار السلبية، عبر تقديم تقارير إيجابية عن قصص نجاح، وأبطال يصنعون فرقاً في مجتمعهم».
عربياً، لفتت الكعلي، إلى «وجود بعض التجارب المتخصصة بصحافة الحلول في المنطقة العربية، مثل «إيجاب»، إضافة إلى تجارب أو محاولات تقدم قصص نجاح، أو جوانب إيجابية للأخبار، مثل بعض البرامج الإذاعية في تونس التي تدرج فقرات تقدم فيها نظرة إيجابية للأمور، أو حلولا لبعض المشاكل». وتضيف أن «بعض هذه التجارب قد لا تندرج بالضرورة ضمن صحافة الحلول، لكنها قد تكون محاولات أولى».
وحسب أروى الكعلي «في العالم العربي انطباع بأننا نحتاج إلى الصحافة التقليدية القائمة على نقل المشاكل وتسليط الضوء عليها، وذلك لكثرة التحديات والمشاكل التي نواجهها... وهنا قد تبدو صحافة الحلول، أو المقاربة الإيجابية في الأخبار، أمراً ثانوياً». ومن ثم تشدد على أن «صحافة الحلول يجب أن تقوم على جمع المعلومات، وإبراز نجاعة الحل، وتقديم الأدلة على ذلك... والأهم حدود هذا الحل وكيفية إعادة تطبيقه». أما أبو حطب فقال عن تجربة صحيفة «المصري اليوم» الخاصة في مصر مع هذا النوع من الصحافة إن «الصحيفة كانت تتعاون مع مؤتمر صحافة الحلول لنشر صفحات سنوية مع صحف أخرى في العالم، لكن الأمر لم يتخط ذلك، ولم يتحول إلى أسلوب صحافي مستقر في الصحيفة»، مشيراً إلى أن «الصحف العربية تتعامل مع صحافة الحلول كأسلوب للنشر ليس إلا».
«صحافة الحلول»... محاولات عربية «خجولة» تواجه تحديات
«صحافة الحلول»... محاولات عربية «خجولة» تواجه تحديات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة