شيشاني بوسطن يستأنف حكم الإعدام

وزيرة العدل: حكم مناسب على جريمة نكراء

شيشاني بوسطن يستأنف حكم الإعدام
TT

شيشاني بوسطن يستأنف حكم الإعدام

شيشاني بوسطن يستأنف حكم الإعدام

بعد عامين من انفجارات ماراثون بوسطن الذي قتل ثلاثة أشخاص، وجرح أكثر من مائتي شخص، وبعد شهرين من بداية محاكمة المهاجر الشيشاني جوهر تسارناييف لاشتراكه في الجريمة، مع شقيقه تمرلان الذي قتل خلال اشتباكات مع الشرطة بعد الانفجارات، حكمت محكمة في بوسطن بالإعدام على جوهر.
وبينما قالت لوريتا لنش، وزيرة العدل الأميركية: «هذا حكم مناسب لجريمة نكراء»، قالت محامية تسارناييف إنه سيستأنف الحكم. بينما انقسم الناس، حتى بعض أقرباء ضحايا الانفجار، حول الإعدام، خصوصا أن الرئيس باراك أوباما كان أمر بوقف الإعدامات بسبب مشكلات دستورية وقانونية. ولأن دستور ولاية ماساتشوستس يمنع الإعدام.
في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، أول من أمس، أعلنت هيئة المحلفين المكونة من 5 رجال و7 نساء قرارها، بعد نصف يوم قضته في المداولات، بعد أن أنهى كل من الاتهام والدفاع تقديم المرافعات والشهود، حسب توجيهات القاضي جورج أوتولي، درس المحلفون 12 سببا للحكم بالإعدام، و21 سببا لتخفيف حكم الإعدام واستبدال السجن المؤبد به.
وفي نهاية المداولات، أدان المحلفون تسارناييف بجملة 30 تهمة، سبع منها تستوجب عقوبة الإعدام.
وأمس، قال بعض محامي تسارناييف إن قرار هيئة المحلفين لا يعني أن تنفيذ الإعدام وشيك. في البداية، سينتظر الجميع إعلانا رسميا من القاضي أوتولي في جلسة لم يحدد موعدها، ويتوقع أن تكون خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وقالت صحيفة «بوسطن غلوب» إن تسارناييف، لحظة إعلان قرار المحلفين «لم يُبدِ أي علامة عاطفية»، وأضافت: «ظل هذا الشاب الغامض صامتا مثلما ظل خلال شهرين من المحاكمة، سوى عندما شهد لصالحه أقربائه الذين جاءوا من الشيشان».
ونقلت الصحيفة تصريحات عدد من أقرباء ضحايا الانفجار، وفيها انقسموا بين مؤيد ومعارض لحكم الإعدام. وقالت كارين براسارد، التي كانت جرحت في الانفجارات: «لا يوجد شيء سار عن إعدام شخص. لكن، هذه نهاية عادلة». وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن تسارناييف سيكون الشخص رقم 62 في قائمة الذين حكمت عليهم محاكم فيدرالية بالإعدام، ولم تنفذ الأحكام بسبب مجادلات دستورية وقانونية. لهذا، لم ينفذ أي حكم على أي مدان فيدرالي منذ أكثر من عشر سنوات.
في العام الماضي، أمر الرئيس باراك أوباما بوقف الإعدامات، بعد أن تعرقلت إجراءات إعدام شخص في ولاية أوكلاهوما.
لكن، في العام الماضي، أعلن اريك هولدر وزير العدل في ذلك الوقت، أن تسارناييف يستحق الإعدام. وها هي لوريتا لينش، وزير العدل الجديدة، تؤيد حكم الإعدام. بعد إعلان حكم المحلفين، قالت كارمين أورتيز، وزيرة العدل في ولاية ماساتشوستس: «ليس هذا يوم فرح. هذا يوم تأمل وفتح صفحة جديدة». وقالت جودي كلارك، رئيسة هيئة محامي تسارناييف، إن المحامين سيستأنفون الحكم بعد أن يصدر رسميا. وأشارت إلى «مشكلات دستورية»، حول عقوبة الإعدام، وحول قانون يمنع الإعدام في ولاية ماساتشوستس.
غير أن كلارك لم تقنع المحلفين كما كانت أقنعت محلفي المغربي الفرنسي زكريا موساوي الذي أدين بالسجن المؤبد، وليس بالإعدام، لدوره في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001.
مع نهاية مرافعات الدفاع، ركز الدفاع على خلفية تسارناييف الشيشانية، وخصوصا الحروب المستمرة بين الشيشان وروسيا.
قدم الدفاع د. ألكساندر نيس، الطبيب الذي عالج والد تسارناييف قبل عشرة أعوام تقريبا. قال الطبيب إن الوالد كان مصابا باضطرابات بعد الصدمة (بي تي إس دي) التي أصيب بها عدد من الجنود الأميركيين الذين عادوا من حروب أفغانستان والعراق والإرهاب. لكن، أصيب الوالد بالمرض بسبب قتاله ضد القوات الروسية في الشيشان في تسعينات القرن الماضي، وبسبب اعتقاله وتعذيبه من قبل القوات الروسية في ذلك الوقت. وقال الطبيب: «كان رجلا مريضا».
بعد الطبيب، شهد مايكل رينولدز، أستاذ التاريخ الروسي في جامعة برنستون، الذي أعطى المحكمة صورة مفصلة عن تاريخ منطقة القوقاز، في جنوب روسيا، بما في ذلك قرون من الحروب والنزاعات مع روسيا. وعن صلة ذلك بما فعل تسارناييف، قال: «توجد في العائلات الشيشانية أبوية قوية جدا. وبعد الأب، يأتي الأبناء، ثم البنات في الأهمية داخل العائلة. ويأتي الأكبر قبل الأصغر».
وأضاف: «في غياب الأب، يملك الابن الأكبر دورا واضحا في صناعة القرارات بالنسبة لجميع أفراد العائلة». هذه إشارة إلى تركيز الدفاع على أن تمرلان، شقيق جوهر الأكبر، الذي قُتل خلال مطاردات مع الشرطة بعد الانفجارات أثّر كثيرا على الشقيق الأصغر.
أثناء استجواب الاتهام للأستاذ الجامعي، قال الاتهام إن الشقيقين جاءا إلى الولايات المتحدة وهما صغيران في السن. وكان عمر جوهر 8 سنوات فقط عندما انتقلت العائلة إلى الولايات المتحدة. وقال الاتهام إن جوهر «كان يدخن السجائر، ويتعاطى الماريجوانا، ويشرب الكحول رغم تحذيرات تمرلان (مما يدل على عدم قوة تأثير تمرلان عليه)».
قبل هذه الشهادات بيوم، قدم الدفاع صهر جوهر، وكان يتحدث من جمهورية كازاخستان، وهو ميرزا خوشوغوف، زوج الينا تسارناييف. وكانت عائلة تسارناييف انتقلت من الشيشان إلى داغستان، ثم إلى جمهورية كريغزستان، ثم إلى كازاخستان، ثم هاجرت إلى الولايات المتحدة. في الأسبوع الماضي، قدم الدفاع عمات وخالات جوهر. وفي واحدة من المرات، ولأول مرة، حسب صحيفة «بوسطن غلوب»، أظهر تسارناييف عواطفه عندما سالت دموع من عينيه خلال شهادة خالته، باتيمان سليمانوفا (فاطمة سليمان) التي جاءت من الشيشان للشهادة. وكانت هي التي بدأت تبكي (عمرها 64 عاما) وهي تنظر إلى ابن أختها (عمره 21 عاما) على مسافة عشرة أقدام فقط. وتطور البكاء إلى شهيق، ولم تقدر على أن تواصل كلامها. خلال هذا الوقت، مسح تسارناييف دموعا سالت من عينيه.
وعلقت صحيفة «بوسطن غلوب»: «هذا يوم مثير، يوم تصرفات عاطفية. أول مرة، بدا تسارناييف وكأنه يبكي.. خلال كل جلسات محاكمته، جلسات ما قبل الإدانة، ثم الآن جلسات إصدار الحكم، ظل صامتا، وكأنه لا يملك عواطف».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.