بطل وحيد يصارع الحضور بالغياب

منصورة عز الدين في «أطلس الخفاء»

بطل وحيد يصارع الحضور بالغياب
TT

بطل وحيد يصارع الحضور بالغياب

بطل وحيد يصارع الحضور بالغياب

لا يبدو أن بطل رواية «أطلس الخفاء» - دار «الشروق» المصرية - صفحة، يشكو من غياب البشر في حياته، بل يبدو أنه حرص على هذا الغياب طيلة عمره، وكأنه في حالة إخلاص ممتدة لوحدته وذاته، دون شكوى من أنه «مقطوع من شجرة» كما يصف نفسه، فالاستماع للناس عنده عبء، ونظراتهم فضول. إنه يتمنى أن «يعيش ويتحرك في عالم لا صوت فيه: لا أحاديث أو همهمات أو صراخ، لا قرقعات ولا ضجيج ولا نباح».
تُشيّد الكاتبة المصرية منصورة عز الدين في أحدث رواياتها عالمين متوازيين لبطل أوحد، طالما كان الغرق في العمل هو همّه الوحيد الذي يستغرقه، فهو يكره أيام العطلات لأنه ببساطة لا يعرف كيف يقضيها، لذلك «تخيفه الإجازات»، مما جعل وصوله لسن التقاعد أكبر هواجس حياته التي لم يعد لها من مفر، حيث الإجازة مفتوحة، والعالم مكشوف على العدم.
في عالمه العاطفي المُتقشف، حيث انقطعت سُبله في العائلة والحب، المطبخ والشرفة وغرفة المعيشة هي العالم، يستسلم مراد أمام موجات هاربة من الذكريات والأحلام، التي يُطلق عليها «الاستبصارات»، تلك التفاصيل التي «برقت في السماء الغائمة لذاكرته بلا مقدمات»، فتُغرقه في عالم بديل يوازي عالمه الساكن، وتُدخله في رحلة ذهنية ممتدة، مفتوحة على فضاءات الطفولة، والشباب، حيث الجدة، والأم، والأخت، والحبيبة الأولى، يُطلون في شرفات ذاكرته فيؤنسون بإشراقاتهم شقوق أيامه.
- بطل أم بطلان؟
وظفت الروائية ضميري المتكلم والغائب، في بناء عالم مراد المُنقسم بين واقع فقير وخيال طليق، كأننا في رحلة تواكب مسار بطلين منفصلين، مُتصلين في الوقت نفسه: «فمراد المُستبصر لا يشبه شخصه الضعيف الفاني».
في المسار الواقعي، لا يتعدى تجوّل مراد حدود منطقته السكنية، ومحيطها القريب، حيث المكتبة والمقهى والشوارع المجاورة ومقر العمل، ولا يبدو أن تجوله محاولة للاقتراب من بشرها، فهو في حالة تفادٍ مُتعمد لفضول الآخرين والاقتراب من حياته، وزيارته لمكتبة قريبة من البيت هي الزيارة الوحيدة على مدار الرواية، وهي تنطلق بدافع من شغف خاص، إذ إنه يبحث عن دفتر يشتريه، ولا يلفت نظره سوى دفتر بشكل مُحايد ولون رمادي، يُحضره إلى بيته ويحيطه بأقلام حبر مُلونة، لتبدأ رحلته في استعادة استبصاراته الآفلة، وتدوينها في فقرات منفصلة على الورق: «أمسك بالقلم الأخضر وبدأ في الكتابة وقد عزم على أن يحكي تجلياته بضمير الغائب لا المتكلم. وسرعان ما غيّر رأيه، وقرر الكتابة بضمير المتكلم، فلا مسافة تُذكر بين حالين للشخص نفسه، وإشراقاته ينبغي نسبها له وحده».
بواسطة ضمير المتكلم، يضبط مراد مدار استبصاراته، التي تغلب عليها رهافة اللغة الحلمية، فيبدو السرد مُوزعاً بين حركته المحدودة التي تُروى بضمير الغائب في تماهٍ لغوي مع فكرة غيابه الوجداني عن عالمه المُحيط، وبين مقاطع يُدّونها في دفتر استبصاراته، تسودها شذرات من قرية طفولته، وعالمه الصغير المتحرك الذي كان قبل ما تتحجّر حياته حتى بلغ سن التقاعد.
- ترحال فانتازي
لا يُدوّن البطل حياته بصورة تسجيلية، بل ينطلق في دروب عالم موازٍ لم يعشه، فتصير الإشراقات ترحالاً في حد ذاتها، تأخذه إلى حيث لم تطأ قدمه، حيث الجغرافيا أرض مفتوحة تأتيه، هو الذي لم يرَ جبلاً قط في حياته، ولم يشاهد البحر سوى مرة واحدة. يسعى لخلق أواصر بهذا العالم الذي لا يعرفه، في نزهة خيالية يُدونها داخل دفتره: «سائراً على حافة جرف جبلي أجرد، خُيّل لي أنني أشُم رائحة بحر في الجوار، أجلتُ البصر حولي فلم ألمح أي مسطح مائي».
وهكذا تترع في خيالاته الأشجار، التي تظهر في السرد بأسماء لا نهائية، بعضها معروف كالسرو، والمانجو، والصمغ، ومنها أشجار فانتازية نمّت في فضاء خيالاته التي يجد نفسه يتجوّل داخلها ككائن مرئي، بقدرات شفيفة على الرؤية والشعور بخفة العبور إلى حلم: «وجدت نفسي في حفرة زجاجية، نظرت إلى الأعلى صوب المكان الذي بدأت منه مسيري، فاكتشفت أنه استحال زجاجاً بدوره. انعكست أشعة شمس ما على أشجار كريستالية خضراء وحمراء وزرقاء».
تبدو الأحلام والاستبصارات والخيالات والومضات والذكريات، أطلس بديلاً يمضي مراد في التجوّل بين بساتينه، وكوابيسه كذلك، وتظهر في الخلفية حكايات الجدة التي تمنحنا خلفية عن التركيبة الحكائية والخيالية التي شبّ عليها مراد في طفولته، كحكاياتها عن جنيّات النيل، وهي الجدة التي يبدو أن صوتها بات ينبعث من المستقبل لا الماضي، كما يقترب من القرية التي نشأ بها، ورائحة العُزلة التي سيّجتها، وسيّجته معها.
لكن استسلام مراد لرحلته الذهنية الحُرة والشاحذة لخيالاته تجاه العالم، لا يبدو أنها استطاعت أن تُحرره من عزلته وغربته، فهو يحّن إلى عمله الذي تقاعد منه، وطريقه اليومي الذي يقطعه إليه وهو يشاهد العالم والناس، ولو من وراء حائطه الزجاجي المنيع، وكأن طنيناً مكتوماً يُغلّف عالمه، فيبحث في الفضاء المفتوح ووجوه الناس، عن نقطة اتزان يبدأ في فقدها كلما لامس في تدويناته ذكريات ألمه المُقيم، الذي لم يستطع التحرر من قبضته، كحادث ضياع أخته وموتها، ليتركه في جحيم تأويلات الغياب، والفقد والغربة الكاملة.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.