«عمل المرأة»... في الأطباق والدمى يكمن أساس الفن النسوي

معرض يحكي استلهام فنانات معاصرات أفكاراً من القطع المنزلية بالقرون الماضية

سلطانية حساء من البورسلين وأكواب قهوة مزخرفة  -  عمل لباولا هايز من عام 2009  (نيويورك تايمز)
سلطانية حساء من البورسلين وأكواب قهوة مزخرفة - عمل لباولا هايز من عام 2009 (نيويورك تايمز)
TT

«عمل المرأة»... في الأطباق والدمى يكمن أساس الفن النسوي

سلطانية حساء من البورسلين وأكواب قهوة مزخرفة  -  عمل لباولا هايز من عام 2009  (نيويورك تايمز)
سلطانية حساء من البورسلين وأكواب قهوة مزخرفة - عمل لباولا هايز من عام 2009 (نيويورك تايمز)

لم تعد جودي شيكاغو تغضب عندما تتذكر أول رد فعل للنقاد الرجال على عملها وعمل الفنانات الرائدات الأخريات، الذين أبدوا حينها، انتقادات قللت من شأن منحوتة «حفل العشاء» (The Dinner Party)، التي صنعتها شيكاغو عام 1979، والمستوحاة من الرسومات، والتطريز الصيني، من إبداع نساء لامعات في هذا المجال.
في مكالمة هاتفية تلقتها أخيراً، ردت شيكاغو متعجبة بلهجة غاضبة قائلة: «فنون أنثوية؟ ليس مسموح لك أن تصفها بهذا الوصف. ليس فناً. إنه حرفة».
لكن شيكاغو، المرأة الأيقونية ذات الشعر الأرجواني المصبوغ، لا تزال صاحبة الكلمة الأخيرة، بعد أن بات عملها جزءاً أساسياً من الفن النسوي. والآن توشك النماذج الأولية لاثنتين من لوحاتها، أن تصبحا ضيفتين محترمتين في حفلة أخرى. في هذا المعرض ستجد أيضاً قنينة دائرية يعود تاريخها لعام 1893، من تصميم الفنانة ألفيرا كرتيس هوليت. وهناك أيضاً عمل آخر لرأس من الألومنيوم من دون عنوان، غطته الفنانة لويز بورجوا ببعض النسيج في عام 2002، وإلى جواره وسادة من الديباج الحريري صنعتها من قطع النسيج، دوللي ماديسون، السيدة الأولى السابقة.
تعرض تلك المعروضات في قلب معرض «عمل المرأة»، الذي يؤكد كيف أن إبداعات الفنانات المعاصرات مستمد من القطع المنزلية في القرون الماضية، وجميعها من صنع النساء. خلال الفترة من 27 مايو (أيار) حتى 26 سبتمبر (أيلول)، في معرض «ليندثرست مانسون»، وهو متحف منزلي على الطراز القوطي، في منطقة تاريتاون بنيويورك، حيث ستعرض أكثر من 125 قطعة فنية، جميعها تقريباً أميركية، وكل واحدة منها موزعة في مكان حسب حقبتها الزمنية. في هذا السياق، قال هوارد زار، المدير التنفيذي للمتحف، في تلك المساحات الفخمة، التي كانت بمثابة التصميم الداخلي لسلسلة «إتش بي أو» (HBO) الناجحة، التي حملت عنوان «العصر المذهب» (The Gilded Age)، ستكون القطع أشبه بمن «يتجاذب أطراف الحديث». يمكنك فقط تخيل سلطانية حساء البورسلين التي رسمتها سيندي شيرمان يدوياً عام 1990، والتي تحتوي على صورة ذاتية للفنانة، باسم مدام دو بومبادور، وما قد تحكيه لأكواب وأطباق «سيفر» الدقيقة المرسومة يدوياً في أوائل القرن التاسع عشر، وقد وضعت إلى جوارها على طاولة طعام القصر.

دمى قماشية مستوحاة من القصص الخيالية (نيويورك تايمز)

وفي مقابلة، قال السيد زار، إن فكرة معرض «عمل المرأة» قد خطرت على باله، بعد طرد هيلين مولسورث من منصبها، رئيسة أمينة لمتحف الفن المعاصر في لوس أنجليس في عام 2018، بسبب ما وصفه القائمون على المتحف بأنه «اختلافات إبداعية». (أكد البعض في عالم الفن أنها طردت بسبب دعمها القوي لفنانات من الأقليات.) وقد استوحى المزيد من الإلهام من منحوتة «بيت المرأة» (Womanhouse)، وهي منحوتة عامة صنعت عام 1972 لفنانات نسويات في قصر فيكتوري في هوليوود، نظمته جودي شيكاغو، وميريام شابيرو، التي تعمل هي أيضاً في معرض «ليندهورست».
واستطرد السيد زار قائلاً: «هذا المعرض الجديد، هو بمثابة نقاش لما فعلته هؤلاء النساء، وما هو الثوري فيه، وما هو الجميل فيه». وهذا المعرض مصمم، ليس فقط لتسليط الضوء على كيفية صقل عمل الفنانات المعاصرات، وإعادة تفسير التقنيات التقليدية، بل أيضاً لإثبات أن تلك الحرف اليدوية المبكرة، هي أكثر من مجرد عمل نسائي. ففي كثير من الأحيان كان فناً راقياً في حد ذاته. فهذا العمل كان وسيلة ثمينة للتعبير عن الذات وتوفير الدخل المادي المستقل لهن أيضاً.
وفي السياق ذاته، قالت نانسي كارلايل، كبيرة أمناء المجموعات في معرض «هيستوريك نيوإنغلاند»، وهي منظمة تراثية في «ماساتشوستس» تضم مقتنيات تعود إلى الحقبة الاستعمارية، عندما «لم يكن لدى النساء عائلة لرعايتهن، كان عليهن إيجاد طريقة للبقاء على قيد الحياة». نظمت كارلايل معرض «عمل المرأة» بالتعاون مع بيكي هارت، المنسقة المستقلة للفن المعاصر التي تقاعدت أخيراً من «متحف دنفر للفنون».
تساعد اختياراتهن في إنقاذ شخصيات غامضة مثل أديل ويبر، إحدى فنانات البوب الأوائل، وكذلك النساء التاريخيات مثل إليزابيث آدامز، التي ستعلق نسختها من الصورة الذاتية لرسامة البلاط الفرنسية، إليزابيث لويز فيجي لوبرون، في معرض صور قصر «ليندهورست». وأشارت كارلايل قائلة: «كان لدى آدامز ميزة الرفاهية وحب العزوبية، لذا كان بإمكانها أن تتعلم كيف تكون رسامة».
لكن بعض النساء في المعرض، لا يزلن مجهولات الهوية، مثل مبتكرة دمية الخرقة السوداء، التي تعود لأوائل القرن العشرين والتي يعتقد أن مربية أميركية من أصل أفريقي، صنعتها لطفل أبيض. ستشغل الدمية إحدى غرف نوم المتحف مع تمثال «بريندا»، وهي منحوتة من إنتاج فيث رينغولد تعود لعام 1976، لامرأة سوداء ترتدي ملابس أنيقة.
ستشمل غرفة نوم المتحف هذه أيضاً، دمى قماشية مستوحاة من القصص الخيالية، من تصميم كيكي سميث التي تجمع بين أشكال الفن الشعبي من القرن التاسع عشر ورسوماتها الخاصة. وقالت كيكي: «أقدر جداً إبداعات الماضي، ولكن لكي تعيش، عليك إعادة تزيينها أو تنشيطها، أو بث الحياة فيها بشكل ما».
تعمل بعض القطع، سواء بمهارة أو بشكل صارخ، على تشويه وربما تخريب سابقاتها التاريخية. ففي مكتبة القصر، قد تبدو الصور الظلية في كتاب كارا ووكر لعام 1997 بعنوان «الحرية: حكاية»، مجرد عمل لسيدات فيكتوريات لطيفات، لكنها في الواقع تضمنت سرداً للاضطهاد العنصري. تعرض رينغولد مفاجأة مماثلة في «سلسلة نسوية: اثنين من إعاقاتي رقم 10»، وهي جزء من تسلسلها الذي يمتد لعقود من الزمن على النمط «التبتي الثانغكاسي». ورغم ذلك، فإن حروفه العمودية المخيطة لا تبدو كخط تيبتي.
وكتبت رينغولد في رسالة بالبريد الإلكتروني تقول: «فوق هذه المناظر الطبيعية المرسومة، طبعت عبارات مطلية بالذهب، أدلت بها نساء سوداوات، تعود إلى فترات العبودية حتى زمننا الحاضر». تحتوي هذه الصورة على كلمات من شيرلي تشيشولم، أول عضو في الكونغرس الأميركي، من أصل أفريقي، تقول، «من بين إعاقاتي، أنني أنثى، والأمر هذا يضع عقبات في طريقي أكثر من كوني سوداء».
اللافت أن حتى أصغر شيء في معرض «عمل المرأة»، يعرض تعليقات كبيرة. هناك علبة مجوهرات تحمل نقشاً من القرن التاسع عشر، مع صورة أثيرية أنسوية، إلى جانب نسخة خام وواقعية لكاثرين أوبي. وستشمل المعروضات أيضاً، طقم «مجموعة مجوهرات بوكاهونتاس»، الذي يعود لعام 2014، وخاتم وقلادة وأقراط من صنع فنانات أميركيات الأصل، مثل كيري أتومبي، وجيمي أوكوما، اللتان استلهمتا من اللوحات الاستعمارية للسيدة أتومبي التي يطلق عليها «الأنثى الأيقونية الأصلية». ربما يأتي النقد الأكثر حدة من فيديو المعرض لعام 1966، لعرض يوكو أونو بعنوان «قطع قطعة» (Cut Piece)، التي دعت الجمهور للصعود على المسرح، واحداً تلو الآخر، وقصت القليل من ملابسها بينما ظلت جالسة وصامتة. تعتبر السيدة هارت هذا العمل، بمثابة تصوير «لتاريخ من العنف ضد أجساد النساء»، وسيكون له صدى بشكل خاص في بيئة فيكتورية مزينة بشكل واضح. واستطردت قائلة: «أعتقد أن عرض يوكو أونو هذا، يختصر نوعاً ما، كل ذلك بطريقة لا يفعلها أي عمل آخر في العرض».

- خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».