ترجمة انفعالات نفسية تشكيلياً على مخلفات الزجاج

مخلفات زجاجية تحولت إلى منتجات فنية
مخلفات زجاجية تحولت إلى منتجات فنية
TT

ترجمة انفعالات نفسية تشكيلياً على مخلفات الزجاج

مخلفات زجاجية تحولت إلى منتجات فنية
مخلفات زجاجية تحولت إلى منتجات فنية

من خلال شفافية الزجاج، نستطيع أن نرى الوجه الآخر من العالم؛ ومن خلاله أيضاً يمكننا أن نستمتع بالعديد من القيم الجمالية والبصرية.
بهذه الرؤية؛ يأخذنا معرض «شفاف زي الإزاز»، للفنانة المصرية ابتسام أسامة فهمي، إلى عالم الرسم على الزجاج، حيث تتغير معالم قطع الزجاج على يديها لتبدو أكثر أناقة وجمالاً، بما تعكسه من جماليات فنية خلفها، ما يسمو بشفافية المُشاهد لها وصفاء روحه.
يضم المعرض، الذي تستضيفه قاعة زياد بكير في المكتبة الموسيقية بدار الأوبرا المصرية، 20 عملاً فنياً تتنوع بين الزجاج والأكريليك، تعكس حالة إبداعية، كون هذا الفن من الفنون الجذابة التي تعمل على الإحساس بالراحة النفسية.
تنقل أعمال المعرض تجربة ذاتية للفنانة التي عشقت هذا النوع من الفن، رغم أن دراستها الأكاديمية وتخصصها يأتيان على النقيض، إذ تتخصص في مجال الكيمياء الحيوية. تقول، «اقتحمت عالم الرسم على الزجاج منذ طفولتي، ورغم صعوبته إلا أنني أجد نفسي فيه، وأشعر أنه جزء مني، يعكس دوماً إحساسي ومشاعري وحالتي النفسية، فمن خلال الزجاج أترجم انفعالاتي، أو ما أشعر به من ضغوط حياتية، فراحتي النفسية أجدها عندما أغلق عليّ باب غرفتي وأبدأ في الرسم، لذا تأتي أعمالي عاكسه لهذا التأثر».
وتستطرد أسامة: «أيضاً الزجاج يمكن تطويعه لكي يعكس قيماً جمالية وحسية تكون نتائجها مدهشة لمن يراها، ولأنه شديد التأثر فهو يعطي حالة من الشفافية، لذا جاء عنوان معرضي (شفاف زي الإزاز)».
تجد صاحبة المعرض العديد من الصعوبات التي تواجهها في الرسم على الزجاج، فهو فن يحتاج إلى مجهود بدني وذهني، وحرص كبير عند التعامل مع الزجاج واستخدام الأدوات الحادة لتقطيعه، وكذلك الدقة عند استخدام قلم «الريليف» مُحدد الرسم على الزجاج، إلى جانب ما تتطلبه عملية الرسم من هدوء وثبات انفعالي، نهاية بالتلوين.
تمتد الحالة الإبداعية للفنانة إلى الرسم على ألواح الأكريليك، الذي يُعطي أيضاً الشفافية، إلى جانب ميزته في أنه يتسم بالقوة والصلابة والمرونة وغير القابلية للكسر.
أفكار اللوحات لدى فهمي تكون في الغالب أسيرة لحالتها النفسية، أو ما تحلم بتحقيقه، فنجدها ترسم الأزهار والأشجار إذا اشتاقت للطبيعة، أو مع تأثرها بالتجربة اليابانية في التنمية والتعليم والابتكار، نجدها تميل إلى رسم ملامح من الحياة في اليابان.
وتوضح أسامة: «أحاول دوماً تطوير نفسي في مجال الرسم على الزجاج، سواء في اختيار أفكار جديدة بصعوبات أكبر، مثل رسمي للطاووس، الذي يحتوي على تفاصيل كثيرة، ما يجعله بمثابة تحدٍ لي، كما أقوم بالتعرف على أساليب وطرق جديدة في الرسم، مثل استخدام قلم (ريليف) أكثر دقة، وكذلك طرق تلوين جديدة، فدائماً أحاول تثقيف نفسي في هذا الفن واكتساب خبرات جديدة».
يضم المعرض أيضاً مجموعة من أعمال إعادة تدوير بعض الأعمال الزجاجية والمرايات، التي تعد نتاج مشروع تتبناه الفنانة بعنوان «الفن اللذيذ»، الذي يهدف إلى تحويل المخلفات و«الكراكيب» إلى منتجات فنية.
وعن فكرة مشروعها، تقول: «بدأت فكرة هذا المشروع عندما قرأت أن اليابان صنعت 4 آلاف ميدالية ذهبية وفضية وبرونزية، في دورة ألعاب طوكيو بالكامل من المعادن المعاد تدويرها من النفايات الإلكترونية ومخلفات أجهزة الكومبيوتر المحمولة وأجهزة الألعاب والكاميرات الرقمية، فجذبتي الفكرة، وقررت تنفيذها فيما يخص الفنون، وذلك بتحويل المخلفات لأعمال فنية، من خلال الرسم على بقايا الزجاج والمرايات والزجاجات الفارغة، وكذلك كسر السيراميك، وبدأت حالياً في اتخاذ خطوات على أرض الواقع لتحويل تلك الفكرة إلى مشروع مشهر خاص بي، يتضمن تدريب الأطفال وطلاب المدارس على كيفية إعادة تدوير المخلفات، وإخراج مواهبهم من خلالها».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».