نظرة إلى «دبلوماسية الديون» الصينية في جنوب آسيا

المشكّكون بنيّات بكين يعتبرونها فخاً

نظرة إلى «دبلوماسية الديون» الصينية في جنوب آسيا
TT

نظرة إلى «دبلوماسية الديون» الصينية في جنوب آسيا

نظرة إلى «دبلوماسية الديون» الصينية في جنوب آسيا

تحت أعباء مديونية غير مسبوقة، وجدت سريلانكا، الدولة الجزيرة الواقعة إلى جنوب الهند في المحيط الهندي، نفسها أمام أزمة كارثية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. ما دفع حكومتها إلى إعلان حالة طوارئ عامة في عموم البلاد. فقد أثار نقص السلع الطبية والغذاء واستفحال أزمة الطاقة، حالة سخط واسعة النطاق وصلت إلى الشوارع. ومع استمرار المظاهرات ألقى المتظاهرون اللوم في الأزمة المعيشية الحادة على حكم رئيسي الحكومة والجمهورية «الشقيقين» ماهيندا وغوتابايا راجاباكسا، في حين ثمة تخوف من اندلاع أزمة دستورية في سريلانكا، ولا سيما بعدما لجأ النظام إلى نشر الجيش وتكليفه التعامل مع المظاهرات، بالتوازي مع استقالة مجلس الوزراء بأكمله تحت وطأة التطورات المتلاحقة.
أعلنت الحكومة السريلانكية
خلال الأسبوع الماضي، أنها بصورة مؤقتة، وللمرة الأولى في تاريخها بمجال الاقتراض، ستعجز عن سداد دين خارجي. واليوم، تعيش سريلانكا فعلياً على الدعم المالي الذي تقدمه لها الهند، بعد رفض الصين إعادة جدولة ديونها، واكتفائها بعرض دين جديد قد يدفع سريلانكا إلى بيع مزيد من الأصول الوطنية.
ما الذي دفع سريلانكا إلى هذه الحالة، وهي التي كان من المتوقع لها أن تحقق تعافياً طيباً بعد ثلاثة عقود من الصراعات العرقية؟ ويرى الكثير من المحللين، أن سريلانكا انزلقت إلى هذه الأزمة بسبب انجرارها وراء حلم الازدهار الصيني من خلال مبادرة «الحزام والطريق» وما تنطوي عليه من مشاريع بُنى تحتية. ويقال إن الصين قدمت على مدار السنوات لسريلانكا 12 مليار دولار أميركي.
مبادرة «الحزام والطريق»
كما هو معروف، سعت بكين وتسعى إلى توسيع نطاق نفوذها عالمياً من خلال «مبادرة الحزام والطريق»، التي خصصت لها مليارات عدة من الدولارات، وتقوم على فكرة تعزيز الاتصال بين مجموعة الدول المشاركة عبر سلسلة من مشاريع البُنى التحتية.
أعلنت بكين «مبادرة الحزام والطريق» عام 2013، وسرعان ما أصبحت البصمة المميّزة للرئيس الصيني شي جينبينغ على صعيد السياسة الخارجية. وعام 2017، أدمجت المبادرة في دستور الحزب الشيوعي الصيني، ووافقت 138 دولة و30 منظمة دولية على المشاركة فيها، مع الإعلان عن استثمارات لربط آسيا وأفريقيا وأوروبا.
من ناحية أخرى، أصدرت مؤسسة «إيد داتا» البحثية المعنية بشؤون التنمية الدولية تقريراً حديثاً خلص إلى أن إجمالي القروض الصينية في الخارج بلغت 843 مليار دولار، منها 385 مليار دولار «ديون لم يعلن عنها أو جرى التقليل من قيمتها».
على ذلك، يطلق المشككون بنيات بكين «دبلوماسية فخ الديون». وتوصلت الدراسة إلى أن 42 دولة تدين بأكثر عن 10 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي للصين. وحقاً، وقّعت ستة من أصل ثمانية دول بمنطقة جنوب آسيا ـ هي باكستان، وسريلانكا، وبنغلاديش، وأفغانستان، ونيبال، والمالديف ـ مذكرات تفاهم مع الصين بخصوص «مبادرة الحزام والطريق». إلا أنه في غضون سنوات قلائل، تحولت هذه الاستثمارات إلى مثال نموذجي لكيف يمكن أن تتخذ استثمارات ضخمة مساراً خاطئاً للدول المستضيفة.
في هذا الصدد، قال سيشادري تشاري، المحرّر الصحافي السابق «لسنوات، حاولت الصين كسر هيمنة الهند في المنطقة. ومنذ بداية الألفية الجديدة، حاولت إنجاز ذلك من خلال إغداق أكثر عن 80 مليار دولار على دول المنطقة - ما يعادل قرابة عشر إجمالي الإنفاق الذي أوردته بيانات (إيد داتا)».
في حين قال الكاتب الصحافي تريديفيش سنغ مايني معلقاً «يمكننا النظر إلى حدثين في جنوب آسيا: الأزمة الاقتصادية في سريلانكا وسقوط حكومة حركة الإنصاف الباكستانية بقيادة عمران خان في باكستان. وعند إمعان النظر إلى هذين الحدثين يتضح لنا أنه مع اقتراب الدولتين أكثر من الصين - كحال دول أخرى - فإن ثمة تداعيات بدأت سلبية تترتّب على الاعتماد المُفرط على بكين. مع العلم أن الدولتين تعرضتا، كغيرهما، لانتقادات على إفراطهما في الاعتماد على الصين، ما أسقطهما فيما أطلق عليه مسمى (فخ الديون). وهو أمر تتجاوز مخاطره الإفراط في الاتكالية الاقتصادية جراء الديون المتراكمة، بل تصل أيضاً إلى إملاء بكين خياراتها السياسية على الدول الأخرى».
حلم «الرخاء» الصيني
واقعياً، يرى كثيرون أن الأزمة الاقتصادية الراهنة في سريلانكا ليست سوى نتاج دبلوماسية «فخ الديون» التي تمارسها الصين، عبر الديون التي قدمتها إلى سريلانكا. وتبعاً لصحيفة «ساوث إيجان تريبيون»، فإن سريلانكا بعد خروجها من فترة الحرب الأهلية عام 2009، كانت متلهفة لاستعادة عافيتها الاقتصادية. وفي المقابل، سارعت بكين إلى محاولة استغلال هذه الفرصة، خاصة في ظل المساعدات العسكرية التي تقدمها لسلطات كولومبو.
وبالفعل، وفّرت الصين سياسياً الحماية لسريلانكا داخل الأمم المتحدة. واقتصادياً، تكشف الأرقام أنها بين عامي 2005 و2017 أمدت سريلانكا بمساعدات بلغت قيمتها 15 مليار دولار، بينها مجموعة من مشاريع البنى التحتية. أما تمويل معظم هذه المشاريع فسار على النهج الصيني الاستثماري المعتاد المتمثل بالاعتماد على قروض مرتفعة الفائدة ومقاولين وعمالة وتكنولوجيا صينية. وعليه، أصبحت الصين المصدر الأول للواردات السريلانكية، مع توجيه تمويل صيني لأكثر عن مشروع على مستوى سريلانكا.
من جهته، قال ساجيث بريماداسا، زعيم المعارضة المحافظة داخل البرلمان السريلانكي، في تصريحات صحافية، إنه «في ظل رئاسة ماهيندا راجاباسكا عام 2005، طمحت الحكومة لتحويل سريلانكا إلى سنغافورة جديدة من خلال بناء بنية تحتية وموانئ على أحدث الطراز. ونجحت الصين في إغواء سريلانكا بالمال من أجل إيجاد موطئ قدم لها داخل هذا البلد الذي كثيراً ما ينظر إليه باعتباره الفناء الخلفي للهند». وأردف «لقد حصلت سريلانكا على قروض من دول مختلفة، ما أدى لارتفاع هائل في الديون، وراهناً تأتي الصين في المرتبة الثانية بين أكثر الجهات إقراضاً لسريلانكا. وبحلول عام 2019، كان أكثر عن 10 في المائة من الديون الخارجية لسريلانكا من نصيب الصين».
في سياق متصل، بعث وزير التعليم السريلانكي السابق والعضو البرلماني عن الحزب الحاكم، واجياداسا راجاباكشي، يوم 3 يناير (كانون الثاني) 2022، خطاباً إلى الزعيم الصيني شي جينبينغ اتهم فيه الصين بدفع سريلانكا إلى هوة الإفلاس من خلال تقديم قروض ضخمة بمعدلات فائدة تجاوزت 6 في المائة مقارنة بقروض متاحة من كيانات دولية بأسعار فائدة تتراوح بين 0.01 في المائة و1 في المائة. هذا، ولدولة تعتمد بشدة على الواردات من إمدادات الطاقة والحبوب والسلع الأساسية والأدوية، فإن وجود احتياطي فيدرالي بقيمة 2.31 مليار دولار فقط يعد بمثابة كابوس. وبالتالي، تتعرض سريلانكا حالياً إلى ضغوط شديدة لسداد ديونها الخارجية البالغة 45 مليار دولار، منها 8 مليارات لحساب الصين، أي ما يعادل قرابة سدس إجمالي الديون الخارجية. وما زاد الوضع سوءاً، رفض الصين تقديم أي تنازلات فيما يتعلق بسداد الديون.
في هذا السياق، يرى المحلل برابهاش كيه. دوتا، أنه «لطالما كانت دبلوماسية الديون الصينية وسيلة لكسب نفوذ سياسي وأمني في مواجهة الهند وتأمين مصالحها داخل منطقة المحيط الهندي، الذي يمر من خلاله القدر الأكبر من إمدادات الطاقة الصينية». ويضيف «المعتقد أن آلام سريلانكا الاقتصادية ستسهم في فتح أعين أي دولة جنوب آسيوية لا تزال تظن أن مبادرة (الحزام والطريق) الصينية والقروض الضخمة يمكن أن تقودها إلى الرخاء. لقد تنامت المخاوف بشدة داخل سريلانكا إزاء القروض الصينية، خاصة في ظل إجبار البلاد في وقت سابق على وضع مشاريع استراتيجية، مثل ميناء هامبانتوتا، تحت السيطرة الصينية على سبيل الإيجار بسبب عجز سريلانكا عن سدد القروض».
ويُعد ميناء هامبانتوتا، في جنوب، ثالا كلاسيكيا على عبء الديون الصينية. وللعلم، فإن مدينة هامبانتوتا هي معقل الرئيس غوتابايا راجاباكسا ورئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا الذي كان رئيس البلاد عندما وقعت مع الصين عقد استئجار ميناء المدينة عام 2007، وبلغت تكلفة مشروع الميناء عدة مليارات وفّرت من خلال قروض من جانب الصين. وجرى تمويل المشروع من خلال منح عقود لتطوير الميناء لمقاولين صينيين. لكن سريلانكا عجزت عن سداد الفائدة والديون، ما أجبرها على الموافقة على منح شركة «تشاينا ميرتشانتس» المملوكة للدولة، إدارة ميناء هامبانتوتا بناءً على عقد إيجار لمدة 99 سنة مقابل مزيد من القروض.
«الممر الاقتصادي» الصيني الباكستاني
دولة أخرى داخل الجوار الهندي، هي باكستان، وقّعت اتفاقاً مع الصين بخصوص مشروع «الممر الاقتصادي الصيني ـ الباكستاني»، الذي تولّت الصين تحت مظلته تمويل مشاريع بنى تحتية ضخمة. وهكذا انزلقت باكستان إلى أزمة اقتصادية، وتمرّ معها بحالة من الفوضى السياسية في الوقت الراهن. ويقدر إجمالي استثمارات الصين في مشروع «الممر الاقتصادي» بينها وبين باكستان، بـ64 مليار دولار أميركي. ويذكر، أن أقل عن ثلث مشاريع «الممر الاقتصادي» المعلن عنها، أنجزت بالفعل خلال السنوات الثماني الأخيرة، وفق الحكومة الباكستانية.
على صعيد ثانٍ، بينما تروّج الصين لمشروع «الممر الاقتصادي» باعتباره محاولة من جانب الرئيس شي جينبينغ لتعزيز الروابط الصينية - الباكستانية، فإن دلالاته الاستراتيجية تبدو واضحة: إذ ستيسر هذه الاستثمارات الوجود العسكري الصيني داخل باكستان وبحر العرب، حيث يمكنه تهديد واردات الهند من النفط والغاز الطبيعي. ثم إنها ستمنح الصين وباكستان الفرصة للعب دور أكبر داخل أفغانستان خاصة، وآسيا الوسطى عامة، ما قد يضر بالمصالح الاستراتيجية والاقتصادية الهندية على المدى الطويل.
في الوقت الحاضر، تعمد بكين إلى توريط إسلام آباد في مصيدة الديون من خلال معدلات الفائدة المرتفعة وشروط السداد الصارمة وغياب الشفافية. وقد أعلن البنك المركزي الباكستاني عن تدفق مبلغ ضخم بقيمة 2.9 مليار دولار على البلاد، وفق صحيفة «دون». كذلك أعلن البنك عن تراجع احتياطيات النقد الأجنبي إلى 12.047 مليار دولار خلال مارس (آذار) بسبب إجراءات سداد كبرى لديون صينية. وأوضح البنك «هذا التراجع يعكس سداد ديون خارجية، بينها قرض كبير من الصين. وفي هذا الشأن، كان صندوق النقد الدولي قد ذكر أخيراً أن باكستان تدين بـ18.4 مليار دولار أو خمس ديونها الخارجية للصين، في حين تقدر إسلام آباد الرقم بنحو 14 مليار دولار.
في أي حال، قال المعلق الباكستاني قمر شيما «أصبحت إسلام آباد معتمدة على نحو متزايد على الصين خلال السنوات الأخيرة - خاصة نتيجة تردي علاقات إسلام آباد مع واشنطن، وكذلك مشروع (الممر الاقتصادي الصيني ـ الباكستاني)». أما نموذج القروض الصيني فبسيط: تتودد الصين من بلد مضطرب وتعرض عليه المال ليس على سبيل المساعدة، وإنما كقرض تجاري، وتذهب العقود إلى شركات صينية، ويتحمل بلد يعاني ظروفاً اقتصادية صعبة عبء الديون، ويجري وضع المال في حساب أوفشور تملكه الصين، وإذا تعذّر سداد الفائدة أو تسديد الدين، تستحوذ الصين على الأصول، كما حدث مع الكثير من الطرق والمطارات وعدد من الأصول المهمة الأخرى جرى رهنها للصين.
ومع ذلك، فإنه بفضل الدروس المستفادة من انهيار اقتصادي سريلانكا ونيبال، اللذين تهيمن عليهما الصين، ألغت حكومة شهباز شريف الباكستانية الجديدة «هيئة مشروع الممر الاقتصادي»، سعياً لوقف انزلاق باكستان نحو مصير مماثل. ومن المقرر حاليا إعادة هيكلة «الهيئة» التي يهيمن عليها الجيش الباكستاني، ودمجها في وزارة التخطيط والتنمية.

تجاوب سريع للهند إزاء التطورات
> تحركت الهند بسرعة كبيرة، وأيضاً بحذر، لإنقاذ الدول المجاورة لها المطلة على المحيط الهادي والتي تحمل أهمية استراتيجية كبيرة لها.
عام 2018، واجهت المالديف أزمة اقتصادية حادة والآن في عام 2022، تشهد سريلانكا وضعاً مشابهاً. ولقد جاءت الهند لإنقاذ المالديف من المحنة، وقدمت على الفور حزمة مساعدات اقتصادية بقيمة 1.4 مليار دولار في شكل دعم للميزانية، واتفاقيات مبادلة العملات، وخطوط ائتمان ميسّرة. وحول ما هو حاصل صرح المحلل الأمني الهندي براكاش مينون بأن «المالديف تمثّل أهمية استراتيجية للهند، فبينما يُعدّ المحيط الهندي الطريق السريعة الرئيسية للتجارة العالمية وتدفق الطاقة، فإن جزر المالديف تقف فعلياً كبوابة رسوم. بالإضافة إلى ذلك، تعد المالديف شريكاً مهماً في دور الهند كعنصر أمان الشبكة المحيطة بالهند في منطقة المحيط الهندي».
وبالنسبة لسريلانكا، وسعياً للمساعدة في التخفيف من الوضع الاقتصادي المتأزم، قدمت الهند لها مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار أميركي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، منها 1.9 مليار دولار في شكل قروض وخطوط ائتمان ومقايضات عملة. كذلك سعت سريلانكا للحصول على خط ائتمان آخر بقيمة 500 مليون دولار للوقود، وأرسلت الهند إلى «جارتها» سفناً محملة بالسكر والأرز والقمح. وعلاوة على ذلك، حثت الحكومة الهندية صندوق النقد الدولي على تقديم مساعدة مالية عاجلة لسريلانكا من أجل مساعدتها على التعامل مع أسوأ أزمة اقتصادية عاشتها منذ عقود. وهنا يشرح سيشداري شاري قائلاً «من مصلحة الهند مساعدة جيرانها. خطر الديون الصينية قد يؤدي إلى انهيار الآلية الدستورية وسيادة القانون، ويحرك العناصر المعادية للمجتمع التي يمكن أن تخدم قوى معادية للمصالح الأمنية للهند في المحيط الهندي. وقد تتسبب الأزمة الاقتصادية في حدوث نزوح جماعي من الناس إلى الهند، ويمكن أن يتطور هذا التدفق إلى طوفان من اللاجئين الذين سيتعين إيواؤهم بناءً على اعتبارات إنسانية».

بعد درسي سريلانكا وباكستان... انسحابات إقليمية بالجملة
> بسبب الأزمة التي بدأت تتكشف ملامحها في باكستان وسريلانكا، بدأت دول مثل المالديف ونيبال وبنغلاديش تعبد النظر في القروض الصينية لمشاريع البنى التحتية ومسألة المشاركة في «مبادرة الحزام والطريق». وكانت نيبال والصين قد وقّعتا اتفاق تعاون تحت مظلة «مبادرة الحزام والطريق» عام 2017 وسط مساعي نيبال لأن تصبح من بين الدول ذات الدخل المتوسط بحلول عام 2030. ويذكر أن نيبال - الواقعة بين الهند والصين وكثيراً ما تجد نفسها في قلب حروب النفوذ بين البلدين - عاينت سخاءً خاصاً من جانب بكين في السنوات الأخيرة.
وخلال زيارة رئيس الوزراء النيبالي شير باهادور ديوبا الأخيرة للهند هذا الشهر، تحدث بصورة غير رسمية عن زيارة وزير خارجية الصين لنيبال أواخر مارس (آذار). وأبلغ رئيس الوزراء النيبالي الوزير الصيني، بأن بلاده لن تقبل سوى المنح من بكين، وليس القروض الموجهة لمشاريع البنى التحتية.
أما بنغلاديش، فكانت قد أقرّت وجودها في «مبادرة الحزام والطريق» عام 2016، أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لها. وتعد الصين راهناً الشريك التجاري الأكبر لبنغلاديش. ومن المقرر أن تستقبل بنغلاديش استثمارات صينية تتجاوز 40 مليار دولار أميركي في ظل الشراكة بين البلدين. لكن اللافت أن بنغلاديش أبدت حذراً واضحاً تجاه الاقتراض وتجنبت الاعتماد المفرط على القروض الصينية من خلال محاولة تحقيق توازن من خلال الاستعانة بدعم مالي هندي وياباني وخبرتهما بمجال التشييد والبناء. بخلاف الحال مع باكستان وسريلانكا، حرصت بنغلاديش على إدارة اقتصادها بحرص كي تتجنب السقوط في «فخ الديون» الصيني. وبذا لم تسمح للاستثمارات الصينية بدخول موانئ عميقة تصلح مستقبلا لوجود قطع من البحرية الصينية، وألغت مشروع «سوناديا” في أعماق البحر تحت مظلة «مبادرة الحزام والطريق»، وكانت الصين حريصة للغاية على إنجازه، وكما كان من المفترض تمويل المشروع بالاعتماد على قروض صينية وأن تبلغ قيمة الاستثمارات به 14 مليار دولار.
وأما عن المالديف، وبينما تدين سريلانكا بأكثر عن 10 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي لديها للصين، ترتفع هذه النسبة في هذه الدولة - الأرخبيل الصغيرة على نحو هائل لتصل إلى 40 في المائة. وتشير بعض التقديرات إلى أن المالديف تدين للصين بما يتراوح بين 1.1 مليار و1.4 مليار دولار، ما يعد مبلغاً هائلاً بالنسبة لها. جدير بالذكر، أن إجمالي الناتج الداخلي للمالديف يبلغ قرابة 4.9 مليار دولار أميركي. وإذا اعتمدنا على الأرقام الرسمية، فإن هذا يعني أن الديون تتجاوز نصف الإنتاج الاقتصادي السنوي للبلاد.



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.