لماذا لا يتدخل معظم الناس إذا تعرض غيرهم للتنمر؟

التنمر يؤثر بشكل خطير على الصحة العقلية والجسدية للضحايا
التنمر يؤثر بشكل خطير على الصحة العقلية والجسدية للضحايا
TT

لماذا لا يتدخل معظم الناس إذا تعرض غيرهم للتنمر؟

التنمر يؤثر بشكل خطير على الصحة العقلية والجسدية للضحايا
التنمر يؤثر بشكل خطير على الصحة العقلية والجسدية للضحايا

تخيل أنك في العمل، وشهدت زميلاً يتنمر بشكل متكرر على زميل آخر. ماذا كنت ستفعل؟ بينما يرغب الكثير منا في الاعتقاد بأننا سنتدخل لإيقافه، تظهر الدراسات الاستقصائية أن معظم الموظفين الذين يشهدون على مواقف لها علاقة بالتنمر، والمعروفين باسم المتفرجين، لا يستجيبون بطرق من شأنها أن تساعد الضحية.
وحسب تقرير نشرته مجلة «The Conversation»، أفاد ما يصل إلى 60 في المائة من الموظفين في بعض الأماكن، بأنهم لا يفعلون شيئاً عند مشاهدة التنمر. لماذا؟ وما هي عواقب ذلك؟
يحدث التنمر في مكان العمل عندما يتعرض الموظف لسلوكيات متكررة من شأنها مضايقة شخص ما أو استبعاده أو التأثير عليه سلباً. قد يتراوح هذا من أعمال العنف الجسدي الواضحة إلى السلوك الأكثر غموضاً، مثل السخرية أو الإهانة أو استبعاد شخص اجتماعياً.
يمكن أن يؤثر التنمر بشكل خطير على الصحة العقلية والجسدية للضحايا، حيث تؤدي الحالات القصوى إلى إيذاء النفس أو الانتحار. في المتوسط، يؤثر التنمر في مكان العمل على نحو 15 في المائة من الناس، على الرغم من أن بعض القطاعات، مثل الرعاية الصحية والتعليم العالي، تشير إلى معدلات أعلى.

تأثير عدم القيام بأي شيء
يُنظر إلى التنمر في مكان العمل تقليدياً على أنه مشكلة بين الضحية والمتنمر - ويتم التعامل مع الأمر وفقاً لذلك. لكن غالباً ما يحدث التنمر أمام الآخرين. تظهر الاستطلاعات أن ما يصل إلى 83 في المائة من الموظفين في بعض المنظمات أفادوا بمشاهدة التنمر في العمل.
هذا مقلق. قد تؤدي مشاهدة التنمر إلى الإضرار بالصحة النفسية للمتفرجين؛ مما يثير الخوف من كيفية معاملتهم في المستقبل.
لكن كيفية استجابة المتفرجين يمكن أن تساعد أو تؤدي إلى تفاقم وضع الضحايا. في الدراسة الأخيرة، طُلب من موظفين في جامعة كبيرة الإجابة عن أسئلة حول تجاربهم في التنمر، كضحية أو كمتفرج.
أظهرت الدراسة، أن ضحايا التنمر تعرضوا لضرر أقل عندما كان لديهم مارة متعاونون يتدخلون بنشاط. وعلى العكس من ذلك، فإن الضحايا في مجموعات من المارة الذين لم يفعلوا شيئاً قد تعرضوا لأضرار أكبر.
السبب في ذلك هو أن الضحايا في هذه المواقف لا يجب أن يتعاملوا مع التنمر فحسب، بل يجب عليهم أيضاً فهم سبب عدم استجابة الآخرين، وهو ما يزيد من الضغط. بدا أن المتفرجين هم مفتاح المساعدة في خلق ثقافة مكافحة التنمر في مكان العمل.
رأى الباحثون، أن ردود المارة تجاه التنمر في مكان العمل يمكن تصنيفها بطريقتين: النشطة مقابل السلبية، والبنّاءة مقابل الهدّامة. يصف الأول مدى استباقية الاستجابة في معالجة موقف التنمر، بينما يوضح الأخير ما إذا كانت الاستجابة تهدف إلى تحسين أو تفاقم وضع الضحايا.
هناك أربعة أنواع من المتفرجين. هناك متفرجون نشيطون بنّاؤون، يسعون بشكل استباقي ومباشر إلى تحسين حالة التنمر عن طريق، على سبيل المثال، الإبلاغ عن المتنمر أو مواجهته. هناك أيضاً متفرجون سلبيون بنّاؤون لا يحلون بشكل مباشر المشكلة، لكنهم يستمعون إلى الضحية أو يتعاطفون معه.
من ناحية أخرى، يتجنب المتفرجون السلبيون التنمر ولا يفعلون شيئاً. في حين أن هذا قد يبدو لطيفاً بالنسبة للبعض، فقد ينظر المستهدفون إلى السلبية على أنها تتغاضى عن أفعال المتنمر. أخيراً، يؤدي المتفرجون المدمرون النشطون إلى تفاقم حالة البلطجة، على سبيل المثال، من خلال الوقوف بشكل علني مع المتنمر أو إعداد مواقف يمكن فيها للمتحرش أن ينتقد الناس. يصبحون فعلياً متنمرين ثانويين.

علم النفس وراء التفهم
لماذا يفشل الكثير من الناس في التدخل عندما يرون شيئاً يعلمون أنه خاطئ أو ضار؟ أشهر نظرية لشرح هذه الظاهرة والمعروفة باسم تأثير المتفرج، مستوحاة من مقتل كيتي جينوفيز. كانت كيتي شابة في نيويورك في الستينات تعرضت للطعن حتى الموت خارج مبنى شقتها بينما كان 38 ساكناً يشاهدون من نوافذهم. في البداية، تم الإبلاغ عن عدم تدخل أي شخص أو استدعاء الشرطة.
ومع ذلك، يبدو أن التأثير يستمر في المواقف الأكثر غموضاً، مثل التنمر، والتي لا ترقى إلى مستوى حالة طبية طارئة. يفسر تأثير المتفرج تصرفاتهم من خلال اقتراح أن الأفراد تقل احتمالية مساعدتهم عند وجود أشخاص آخرين. هذا يجعلنا نشعر بمسؤولية أقل على المستوى الشخصي للتصرف، خاصة في المواقف الغامضة.
يجب أن يدرك الموظفون أن الضحية لا تستحق ما يحدث لهم. علاقات العمل معقدة وفي بعض الحالات، على سبيل المثال عندما يكون أداء المجموعة أمراً أساسياً، قد لا يوافق الموظفون على ارتكاب الآخرين للأخطاء أو إزعاجهم وقد يرون أن سوء المعاملة لها ما يبررها.
أخيراً، يجب أن يدرك الموظفون أنهم قادرون على التدخل بفاعلية. هناك العديد من الحالات التي يرغب فيها الموظفون في التصرف ولكنهم لا يشعرون بالقدرة على ذلك، مثل ما إذا كان المتنمر مشرفاً أو إذا فشلت المحاولات السابقة للتدخل.

التدخل
بينما لا يوجد حل واحد يناسب الجميع لتشجيع تدخل المتفرج، هناك أشياء تساعد على فهم موقف الضحية بشكل أفضل. تشير الأبحاث إلى أن تبني منظور، أو محاولة رؤية الأشياء من خلال وجهة نظر أخرى، يمكن أن يكون مفيداً.
أظهرت التجارب أن المشاركين الذين يُطلب منهم أخذ وجهة نظر الجاني هم أقل عرضة للاتفاق على أن سوء السلوك قد حدث من المشاركين الذين يُطلب منهم أخذ وجهة نظر الضحية.
تلعب المنظمات دوراً رئيسياً في إيقاف التنمر، ومن الناحية المثالية، يجب أن يكون لديها سياسات لمكافحة التنمر يمكن للموظفين الوصول إليها بسهولة. يجب أن تحدد هذه السياسات بوضوح ما هو التنمر وأن تحتوي على عمليات شفافة وسرية للإبلاغ عن الحوادث التي تم اختبارها أو مشاهدتها بشكل مباشر.
يجب أن تحظى السياسات ومبادرات مكافحة التنمر بتأييد الإدارة العليا. هذا من شأنه أن يساعد الموظفين في النهاية على الشعور بالأمان في التحدث علانية.
الأهم من ذلك، يجب على المنظمات محاولة العثور على الأسباب الجذرية للتنمر، وإذا كان هناك أي شيء يمكنهم تغييره للحد منه. على سبيل المثال، قد يساهم عبء العمل الكبير وضعف التواصل في ثقافة التنمر.


مقالات ذات صلة

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».