هل يصمد الاتحاد الأوروبي بوجه «العاصفة الأوكرانية»؟

أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوضية في بروكسل (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوضية في بروكسل (رويترز)
TT

هل يصمد الاتحاد الأوروبي بوجه «العاصفة الأوكرانية»؟

أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوضية في بروكسل (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوضية في بروكسل (رويترز)

هي حرب عالمية تدور على الأرض الأوكرانية. لا خلاف على ذلك. والأرض الأوكرانية جزء من أوروبا التي لا تكاد تجد سبيلا للاستقرار حتى تهب عليها عاصفة جديدة. هكذا هي الحال منذ القرون الوسطى على الأقل...
بعد الحرب العالمية الثانية «اندلعت» الحرب الباردة، وفي خضمها عمد الأوروبيون الغربيون إلى إنشاء السوق الأوروبية المشتركة التي تحولت إلى الاتحاد الأوروبي، بهدف طيّ صفحة الحروب المدمّرة وفتح صفحة السلام والازدهار... تلك كانت رؤية الألماني كونراد أديناور والفرنسي روبير شومان والإيطالي ألتشيدي دي غاسبيري وسواهم من «الآباء المؤسسين».
بعدما وضعت الحرب الباردة أوزارها، توسع الاتحاد ليضم، خصوصاً، دولاً خرجت من المعسكر الشرقي، على أمل ترسيخ الاستقرار والازدهار. (لا ننسى الإشارة إلى أن بريطانيا التي تأخرت في الدخول، مع أنها دولة غربية كبرى، بكّرت في الخروج).
اليوم يخضع الاتحاد الأوروبي لامتحان كبير ملفوحاً بنيران الحرب الأوكرانية، لأن هذه ليست مجرد أزمة كبيرة ستجد لها حلاً في غضون مهلة معقولة. ومن تداعياتها المؤكدة ضرورة التفكير في تغيير بعيد المدى لمشروع التكامل الأوروبي، خصوصاً أن مواقف اللاعبين الكبار وإمدادت الأسلحة السخية التي «تهطل» على أوكرانيا كالسيل المدرار تنذر بأن الحرب ستطول، وبالتالي لن يستطيع الاتحاد الأوروبي العودة إلى العمل كالمعتاد.
*تصدّعات
صحيح أن الاتحاد تحرك بسرعة في بداية الحرب، والتقى زعماؤه على فرض العقوبات على روسيا ودعم كييف، وتلقّف اللاجئين الأوكرانيين. لكن على الرغم من هذه الوحدة بدأت تصدعات واضحة تظهر، وبمرور الوقت سوف تتعمق الانقسامات. وعندما تنتهي الحرب سيكون على الاتحاد الأوروبي ابتكار سياسة خارجية وأمنية ودفاعية قوية، والبحث عن أسباب وعناصر تحمي هذا البنيان، أقلّه من الآثار الاقتصادية المدمّرة والديون الهائلة التي ستتراكم على أكثرية دوله السبع والعشرين.
ومن التصدّعات الظاهرة، نظرة إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا وتشيكيا، إلى الغزو الروسي لأوكرانيا. فبالنسبة إلى هذه الدول يتعلق الأمر بإعادة رسم خريطة ما بعد الحرب الباردة. وحكامها لا يريدون أن يكونوا تحت وصاية موسكو مجدداً. لذا نراهم يدعمون طلب أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولطالما حذرت هذه الدول شركاءها في أوروبا الغربية من خطأ الاعتماد على النفط والغاز الروسيين، وهي تذكّرهم بذلك الآن.

المستشار الألماني أولاف شولتس (إ. ب. أ)
لكن كيف يقنع هؤلاء ألمانيا – الدولة الصناعية الكبرى – بالاستغناء عن الغاز الروسي السهل الوصول والأقل كلفة؟ والواضح أن هذا الواقع الاقتصادي ينعكس خلافاً سياسياً بين الدول يترجَم حالياً بطبيعة الدعم العسكري الذي يجب تقديمه لأوكرانيا. لذا نرى المستشار الألماني أولاف شولتس متحفظاً جداً عن تقديم أسلحة هجومية بدعوى أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التصعيد، فيما تقدّم دول أوروبية شرقية إلى كييف دبابات وصواريخ هجومية وحتى مقاتلات نفاثة ضمن حدود قدراتها...
وإذا تحدثنا عن إيطاليا مثلاً، نرى رئيس حكومتها ماريو دراغي، وهو الخبير الاقتصادي المحنّك، داعماً كلامياً كبيراً لأوكرانيا، لكنه في الحقيقة يتخوف كثيراً من الآثار الاقتصادية لهذه الحرب. فإذا قرر البنك المركزي الأوروبي – على سبيل المثال – رفع الفوائد لجماً للتضخم المتصاعد، كيف ستتمكن إيطاليا من تحمل أعباء دينها العام الذي يفوق 2500 مليار يورو تمثل نحو 140 % من ناتجها المحلي الإجمالي؟
وإذا سقطت إيطاليا في دوامة أزمة اقتصادية ومالية هل سيكون الاتحاد الأوروبي في منأى عن شظاياها، وتحديداً هل ستسلم عملته الموحّدة اليورو؟
رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي (إ.ب.أ)
*فرنسا والقيادة
لا يمكننا هنا إلا أن نتحدث عن فرنسا، الدعامة الثانية الكبرى للاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا. فها هو إيمانويل ماكرون يبقى في قصر الإليزيه لخمس سنوات أخرى. إلا أن هذا النصير الكبير لفكرة التكامل الأوروبي يطل من شرفته على مشهد مختلف عما كان عليه في خمسيته الأولى. فالقارة العجوز تمر بتحوّل جذري في وقائعها الجيوسياسية يجعل مواقف الشركاء الأوروبيين تقف عائقاً دون أفكار الرئيس الفرنسي ورؤاه التي حددها في «خطاب السوربون» بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2017.
السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو: كيف سيتعامل ماكرون مع الحرب الأوكرانية التي تدل كل المؤشرات على أنها ستطول؟ وماذا سيكون موقف الرجل من السياسة الأمنية والدفاعية للاتحاد الأوروبي وهو الذي لطالما دعا إلى إنشاء جيش أوروبي يتيح تخفيف الاعتماد على حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فيما نرى الآن الحلف يستعيد «بريقه» ويوسع حضوره بالعديد والعتاد في مختلف الدول الأوروبية المجاورة لروسيا؟ بل إنه يستعد لضمَ السويد وفنلندا إلى حضنه بعد طول انتظار، وهي خطوة سيكون لها وقع زلزالي يستحق بحثاً مستقلاً ومعمقاً.
كذلك يجدر السؤال: كيف سيتصدى ماكرون لأزمة الطاقة التي ستقع حتماً بدءاً من الخريف المقبل مع توقف إمدادات الغاز الروسي، سواء بقرار من موسكو أو من خصومها؟ واستطراداً كيف ستجد فرنسا، بالتكافل والتضامن مع ألمانيا، حلولاً للأزمات الاقتصادية التي نشأت وستتفاقم بالتأكيد في ظل الحرب الأوكرانية، لا سيما في الدول الأوروبية غير المقتدرة؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (إ.ب.أ)
وهنا نورد مثالاً غير حصري: قدّرت «وحدة الإيكونوميست للمعلومات» أن الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا البالغ 164 مليار دولار عام 2021 سينخفض إلى النصف تقريبًا هذا العام. فهل سيترك الاتحاد الأوروبي الدولة الطامحة إلى نيل عضويته تتخبط في أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة عندما تنتهي الحرب؟
وعندما نتحدث عن نهاية الحرب التي ستأتي يوماً ما، نسأل ايضاً: كيف سيتعامل الاتحاد الأوروبي مع روسيا بوجود بوتين على رأسها أو بوجود سواه؟ هل ستحصل مصالحة؟ تباعد؟ قطيعة؟...
في ولايته الثانية يجد إيمانويل ماكرون نفسه بحكم الأمر الواقع يمسك بدفة القيادة في الاتحاد الأوروبي، بعدما فقد بتقاعد المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل شريكه القوي في القيادة. فهل سيتمكن من التصدي للقضايا المصيرية ومن معالجة التباينات والخلافات داخل عائلة بروكسل؟
خلاصة القول إن أوروبا برمّتها تدفع ثمن الحرب في أوكرانيا لا هذه وحدها. وكذلك تدفع روسيا ثمناً كبيراً... أما الذين يحاربون بالنظارات فمهمتهم هي الأسهل.


مقالات ذات صلة

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ريتشارد غرينيل الذي شغل منصب مدير المخابرات الوطنية (أ.ب)

ترمب يدرس تعيين مدير مخابرات سابق مبعوثاً خاصاً لأوكرانيا

يدرس الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب اختيار ريتشارد غرينيل الذي شغل منصب مدير المخابرات الوطنية مبعوثاً خاصاً للصراع بين روسيا وأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (ا.ب)

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (السبت)، أن بلاده تتوقع أن الآلاف من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)
TT

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد القوات الأوكرانية، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر وزير الدفاع الأميركي أن هناك نحو 10 آلاف عنصر من الجيش الكوري الشمالي موجودين في منطقة كورسك الروسية المتاخمة لأوكرانيا والمحتلة جزئياً من جانب قوات كييف، وقد تم «دمجهم في التشكيلات الروسية» هناك.

وقال أوستن للصحافة خلال توقفه في فيجي بالمحيط الهادئ «بناءً على ما تم تدريبهم عليه، والطريقة التي تم دمجهم بها في التشكيلات الروسية، أتوقع تماماً أن أراهم يشاركون في القتال قريباً» في إشارة منه إلى القوات الكورية الشمالية.

وذكر أوستن أنه «لم ير أي تقارير مهمة» عن جنود كوريين شماليين «يشاركون بنشاط في القتال» حتى الآن.

وقال مسؤولون حكوميون في كوريا الجنوبية ومنظمة بحثية هذا الأسبوع إن موسكو تقدم الوقود وصواريخ مضادة للطائرات ومساعدة اقتصادية لبيونغ يانغ في مقابل القوات التي تتهم سيول وواشنطن كوريا الشمالية بإرسالها إلى روسيا.

ورداً على سؤال حول نشر القوات الكورية الشمالية الشهر الماضي، لم ينكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك، وعمد إلى تحويل السؤال إلى انتقاد دعم الغرب لأوكرانيا.

وقالت كوريا الشمالية الشهر الماضي إن أي نشر لقوات في روسيا سيكون «عملاً يتوافق مع قواعد القانون الدولي» لكنها لم تؤكد إرسال قوات.