الحوثيون وراء ارتفاع أسعار السلع في اليمن إلى 560 %

باعة جائلون يدفعون عربات محملة بالفواكه على طول شارع غمرته المياه بعد هطول الأمطار في صنعاء (إ.ب.أ)
باعة جائلون يدفعون عربات محملة بالفواكه على طول شارع غمرته المياه بعد هطول الأمطار في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون وراء ارتفاع أسعار السلع في اليمن إلى 560 %

باعة جائلون يدفعون عربات محملة بالفواكه على طول شارع غمرته المياه بعد هطول الأمطار في صنعاء (إ.ب.أ)
باعة جائلون يدفعون عربات محملة بالفواكه على طول شارع غمرته المياه بعد هطول الأمطار في صنعاء (إ.ب.أ)

ارتفعت أسعار السلع الأساسية في اليمن بنسبة وصلت إلى 85‎ في المائة خلال هذا العام مقارنة بما كانت عليه في العام السابق، في حين تجاوزت نسبة الزيادة في الأسعار 560 في المائة مقارنة بالأسعار التي كانت سائدة في عام 2015، قبل اندلاع الحرب التي فجرتها ميليشيات الحوثي، وهي الحرب التي تسببت أيضاً في خفض فرص العمل في القطاع الزراعي بنسبة تصل إلى 50 في المائة عما كانت عليه عند اقتحام الميليشيات للعاصمة اليمنية والانقلاب على الشرعية عام 2014 حيث لم تتجاوز مساهمة هذا القطاع سوى 15 ‎‎في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفق تقرير أممي حديث.
التقرير الخاص بتوقعات الأمن الغذائي في اليمن خلال الأشهر الستة الممتدة من مارس (آذار) إلى سبتمبر (أيلول) القادم ذكر أنه وإلى ما قبل الحرب في أوكرانيا، كانت أسعار المواد الغذائية ترتفع بسبب انخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار الوقود في جميع أنحاء البلاد، حيث ارتفعت كلفة الحد الأدنى من سلة الغذاء بنسبة 12 في المائة من فبراير (شباط) إلى مارس (آذار) الماضيين، لتصل إلى مستويات أعلى بنسبة 85 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي، و560 في المائة أعلى من الأسعار في فبراير (شباط) عام 2015 وفقاً لبيانات منظمة الفاو.
وذكر التقرير أنه خلال الشهر الماضي ارتفعت أسعار السلع الغذائية الأساسية، بنسبة تصل إلى 38 في المائة مقارنة بأوائل الشهر ذاته، حيث سجل دقيق القمح والزيوت النباتية أكبر الزيادات في المناطق الريفية التي كانت الأكثر تضرراً. ويُعزى هذا إلى النقص الحاد في الطاقة وارتفاع الأسعار العالمية.
ووفق ما جاء في التقرير فإن حجم إنتاج المحاصيل الغذائية انخفض على مر السنين بسبب هوامش الربح المنخفضة نسبياً وتأثيرات تآكل الأراضي بسبب الفيضانات، ومع ذلك فإن الزراعة لا تزال مهمة للاقتصاد وسبل العيش، وتوفر بعض الأغذية الموسمية المحدودة الدخل للأسر العاملة في الزراعة، حيث ساهمت في عام 2019 بنحو 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، ووفرت فرص عمل لحوالي 25 في المائة من القوة العاملة، لكن هذه النسبة تقل بأكثر من نصف النسبة التي كانت موجودة في عام 2014 عند وقوع الانقلاب، إذ كان القطاع الزراعي يوفر فرص عمل لحوالي 41 في المائة من القوة العاملة في البلاد.
التقرير الذي استند إلى بيانات منظمة الفاو والبنك الدولي والبنك المركزي ووزارة الصناعة والتجارة اليمنية قال إنه من المحتمل أن يدعم موسم إنتاج الفاكهة والخضراوات مستوى الدخل في مناطق الأراضي المنخفضة، وفي المرتفعات، وفي الحصول على الغذاء والدخل، لكنه نبه إلى الآثار طويلة المدى للحرب على حجم إنتاج المحاصيل، إذ لا يزال العديد من المزارعين يواجهون تحديات حادة لسبل عيشهم بسبب الصراع النشط ونقص الوقود وارتفاع تكاليف المدخلات.
وغالباً ما يكون المزارعون المتأثرون غير قادرين على حصاد أو تسويق محاصيلهم في الوقت المحدد - بحسب التقرير - ما يؤدي إلى خسائر كبيرة في المحاصيل، في حين أن المزارعين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة كانوا الأكثر تضرراً بشكل عام، كما حدث في أواخر عام 2021، إذ لم يتمكن العديد من المزارعين في محافظة مأرب من جني محاصيلهم من البرتقال أو تسويقها بسبب إغلاق الطرق نتيجة المعارك التي اندلعت هناك عند مهاجمة ميليشيات الحوثي جنوب المحافظة.
وطبقاً لما أورده التقرير فإن إنتاج البرتقال في مأرب انخفض بنحو 30 في المائة، ما أدى إلى خسائر في دخل العديد من الأسر الزراعية، وفي الوقت نفسه، وفقاً لمعلومات رئيسية، حقق مزارعو البصل في أبين أيضاً انخفاضاً في الأرباح هذا الموسم بسبب الإفراط في الإنتاج وانخفاض الأسعار، في حين استمرت الأسعار العالمية المرتفعة للحبوب الأساسية وزيوت الطهي في دفع زيادات كبيرة في الأسعار في البلاد حيث عمل التجار على الحصول على هذه السلع من الأسواق البديلة بأسعار أعلى. وبين التقرير أن إنتاج اليمن من القمح لا يغطي سوى أقل من 10 في المائة من الاحتياجات ولهذا تتم تغطية معظم الإمدادات الغذائية الأساسية من خلال الواردات التجارية، وهو ما جعل البلاد «شديدة التأثر بإمدادات الغذاء العالمية وصدمات الأسعار».
وقدر التقرير أن مخزونات حبوب القمح في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة كافية لتغطية ما يقرب من أربعة أشهر من الاحتياجات، أما في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي فإنه وإلى جانب توقعات بوصول كمية إضافية من القمح ستكون كافية لتغطية الاحتياجات لما يقرب من ستة أشهر.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.