طائرات نقل الركاب.. هل يمكن أن تتعرض للقرصنة الإلكترونية؟

تصاميمها تحتوي على ثغرات أمنية رغم فصل نظم الطيران عن النظم الترفيهية

طائرات نقل الركاب.. هل يمكن أن تتعرض للقرصنة الإلكترونية؟
TT

طائرات نقل الركاب.. هل يمكن أن تتعرض للقرصنة الإلكترونية؟

طائرات نقل الركاب.. هل يمكن أن تتعرض للقرصنة الإلكترونية؟

يعرف كريس روبرتس الكثير عن قرصنة الطائرات، ليس بالطبع لأنه يحاول إسقاطها من السماء، ولكن في واقع الأمر لأن وظيفته كباحث أمني تتطلب منه معرفة كيف يقوم الأشرار بالقرصنة على نظم الكومبيوترات، حتى تتمكن الشركات من إصلاحها.
لكن تغريدة مازحة كتبها روبرتس حول «التلاعب» بنظم الاتصالات المدمجة في الطائرة، أثناء سفره على متن إحدى طائرات شركة «يونايتد إيرلاينز» منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي، سببت له إزعاجات شديدة، إذ خضع لساعات من الاستجواب على أيدي محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد هبوط الطائرة، كما صودر كومبيوتره المحمول والأقراص الصلبة الملحقة. بعد ذلك، وفي عطلة نهاية الأسبوع، مُنع من استقلال أي طائرة أخرى من الشركة ذاتها حينما كان في طريقه للحديث أمام مؤتمر حول القضايا الأمنية.

قرصنة الطائرات

كان روبرتس قادرا على حجز مكان له على متن أي طائرة أخرى في اللحظات الأخيرة. لكن أبحاثه أثارت تساؤلا أكبر: ما مدى تعرض الطائرات التي يعتمد عليها ملايين الركاب حول العالم، للقرصنة؟ أما الإجابة، كما تبين، فإنها لا تزال قيد المناقشة.
تتنوع تصاميم الطائرات لتمنح المسافرين حرية الوصول أكثر إلى الأنظمة الرقمية، وأغلبها للأغراض الترفيهية من خلال شبكة «واي فاي» أثناء الطيران. غير أن ذلك الربط التقني قد يكون له جانب مظلم، ففي منتصف الشهر الماضي أصدر مكتب المساءلة الحكومي الأميركي تقريرا يفيد بأن الباحثين الأمنيين يحذرون من أن ذلك التوجه يقلل من الأمن الذي تتمتع به الطائرات، من خلال توفير «اتصال مباشر» بين الطائرة والعالم الخارجي والذي قد يستفيد منه القراصنة.
ويعتبر الاحتفاظ بنظم الطيران والنظم الترفيهية منفصلة عن بعضها بعضا إحدى الوسائل للحد من وصول القراصنة إلى نظم الطائرة، ولكن لا يبدو أن كل الطائرات يجري تصميمها مع وضع ذلك في الاعتبار. ففي عام 2008، أعربت إدارة الطيران الفيدرالية أن طائرة «بوينغ 787 دريم لاينر» تضم بعضا من البنية التحتية الرقمية، وقالت إن التصميم «قد يؤدي إلى بعض الثغرات الأمنية».
تستخدم الطائرات الحديثة دفاعات رقمية تعرف بالجدران النارية لحماية قمرة القيادة ضد التسللات من أحد الأشخاص المتصلين من خلال أجزاء أخرى من الطائرة، مثل أنظمة الترفيه داخل الطائرة، كما يقول التقرير. لكن بعض خبراء الأمن الإلكتروني يشعرون بالقلق بأن ذلك ليس كافيا، مدعين أنه «نظرا لأن جدران الحماية هي من مكونات البرمجيات، فيمكن تعرضها هي الأخرى للقرصنة مثلا بأي برمجيات أخرى والتحايل عليها»، وفقا للتقرير ذاته. ولكن بعض نقاد التقرير يقولون إنه ربما يبالغ في المخاطر.

مشاكل أمنية

دافعت شركة «بوينغ» ومنافستها «إيرباص» عن النظم الأمنية لديهما في بيانات خرجت على شبكة «سي إن إن» الإخبارية ردا على تقرير مكتب المساءلة الحكومي، حيث صرحت «بوينغ» بالقول «تساعد التدابير الأمنية المتعددة والإجراءات التشغيلية على متن الطائرة في ضمان أمن وسلامة عمليات الطائرة».
ولكن عبر السنين، حذر الكثير من الباحثين من المشاكل المحتملة - ومن بينهم روبرتس، مؤسس مختبرات «وان وورلد»، والذي تحدث في مناسبات عديدة حول الأمن الإلكتروني للطائرات.
ويقول براد «ريندرمان» هاينز، وهو من الباحثين الذي حققوا في نقاط الضعف المحتملة في نظم تتبع الطائرات، إن الوصول المقيد لنظم الطيران يجعل من الصعوبة خضوعها للتدقيق الشامل. وأضاف «لدينا الكثير من الأبحاث، ولا يمكننا التقدم لأكثر من ذلك لأننا لا نريد إثارة المشاكل - ولكن كل الأدلة تشير إلى وجود مسائل ما زالت من دون تسوية».
ويضيف هاينز أنه يود لو أثبت خطأه، لكن شركات الطيران وشركات صناعة الطائرات تبدو غير راضية عن الباحثين المستقلين الذي يعملون على مراجعة نظمها. ويتابع قائلا «نحاول أن نكون جزءا من الحل، ولا نزال نعاني التجاهل جراء ذلك».
من جهته، يقول روبرتس، في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» جاءت عقب اعتقاله بواسطة المباحث الفيدرالية، إنه اختبر بنفسه النظريات حول مدى وضوح رؤيته لأنظمة الطيران من مقصورة الركاب بالطائرة - فقد أخرج كومبيوتره المحمول وأوصله بصندوق أسفل مقعده 15 إلى 20 مرة في رحلات طيران فعلية - ولقد تمكن من مشاهدة بيانات حساسة من نظم الطيران. ويبدو أن تلك التصريحات، مقترنة مع التغريدة المشار إليها، دقت جرس الإنذار في شركة «يونايتد إيرلاينز».

مطاردة الباحثين

وقد صرح راهسان جونسون، المتحدث الرسمي باسم «يونايتد إيرلاينز»، إلى صحيفة «واشنطن بوست»: «بالنظر إلى مزاعم السيد روبرتس في ما يتعلق بالتلاعب بأنظمة الطائرة، قررنا أنه من مصلحة عملائنا وأفراد الطاقم ألا يُسمح له بالسفر على متن طائرتنا مجددا. ومع ذلك، فإننا واثقون من عدم إمكانية الوصول إلى نظم التحكم بالطيران لدينا من خلال الأساليب التي تحدث عنها».
ولم تستجب المباحث الفيدرالية الأميركية على الفور لطلب التعليق حول موقف روبرتس، ولكن في مقابلة أجريت مع موقع «سيكيورتي ليدجر»، المعني بالأمور الأمنية، قال الباحثون إن مكتب المباحث الفيدرالية بمدينة دنفر طلب منه إيقاف أبحاثه حول الطيران في الشهور الأخيرة. أما مؤسسة «إلكترونيك فرونتير»، الممثلة لروبرتس، فوصفت قرار شركة «يونايتد إيرلاينز» بحظر الأبحاث بأنه «مخيب للآمال ومربك على حد سواء».
وقال نيت كاردوزو، محامي الموظفين في مؤسسة «إلكترونيك فرونتير»: «إن الباحثين الأمنيين هم من الحلفاء وليسوا من المعارضين، وأعمالهم تجعلنا جميعا أكثر أمنا، وليس أقل أمنا. وإننا نخشى أن تصرفات شركة (يونايتد إيرلاينز) سوف تتسبب في رد فعل مربك للغاية، وإنه من غير المرجح مساعدة الباحثين للشركة في تحسين قدراتها الأمنية في المستقبل بناء على رد فعلها المبالغ فيه ضد تصريحات السيد روبرتس». وأضاف أن روبرتس كان مستعدا ولا يزال للعمل مع شركة «يونايتد إيرلاينز» ومع باقي شركات صناعة الطيران لتحسين قدراتها الأمنية.
أما الباحث الأمني هاينز فيقول إنه يشعر، على الأقل، بالارتباك، لكنه يتوقع الاستمرار في أبحاثه. وبعد كل شيء، لديه مصلحة مؤكدة في جعل الطائرات أكثر أمنا.
* خدمة «واشنطن بوست».
خاص بـ{الشرق الأوسط}



«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.