وسائل التواصل الاجتماعي تقتل متعة جمعات الأهل والحواري أيام رمضان في جدة

مشاهد أصطحاب الأطباق لإفطار الصائمين أندثرت بعد أن نقشت على جدران الحارة القديمة

مدفع رمضان بات يشكل جزءاً من الذكريات الجميلة (واس)
مدفع رمضان بات يشكل جزءاً من الذكريات الجميلة (واس)
TT

وسائل التواصل الاجتماعي تقتل متعة جمعات الأهل والحواري أيام رمضان في جدة

مدفع رمضان بات يشكل جزءاً من الذكريات الجميلة (واس)
مدفع رمضان بات يشكل جزءاً من الذكريات الجميلة (واس)

تظل ذكريات شهر رمضان المبارك عالقة في أذهاننا رغم التطور المتسارع التي تشهده جوانب الحياة المتعددة والتي أسهمت في غياب عدد من المظاهر الرمضانية بفعل دوران عجلة الحضارة في الوقت ظلت الأخرى صامدة أمام تلك المتغيرات طوال عقود من الزمن.
وتدفعنا الحياة في كثير من الحالات، بفعل متطلباتها وظروفها إلى الخروج من الدوائر القديمة وما فيها من ذكريات وموروث لا يعود إلا كالطيف لنستذكر خلالها عادات وطقوساً نقشت على جدران القرية أو الحارة القديمة التي أصبحت معلماً للزائر وشيئاً من الذكريات يُحييها من كان أبوه أو جده سجل حضوراً في تلك الأماكن وأزقتها.
أموراً متعددة يذكرها من أدرك رمضان في جدة القديمة داخل السور وما بعده، فالصبية يُحيون بالألعاب التقليدية ليلتهم، وعلى طرف الشارع يتسامر شبيبة الحارة وكبارها بكثير من الحكايات والروايات، ويسردون قضاياهم لمناقشتها، ويدخل الحرفيون والصناع المشهد دونما مقدمات وهم يصنعون الفاخر بأيديهم، وبنفس الأداء يبرز مشهد «السقا» وهو يحمل على كتفيه جوالين التنك «عبوات» الماء ليوصلها إلى وجهتها، ومع هذه الحركة المتناسقة يدخل الصبية في المشهد وهم يركضون، لينتهي اليوم مع ظهور بطلها «المسحراتي»، وهو يطلق أجمل النغمات أثناء عبوره بالأزقة والحواري.
ورغم أن التلفزيون والإنترنت ووسائل التواصل لعبت دوراً كوسائل ممتعة لجيل اليوم، فإن هناك من كبار السن يجدون أن المتعة كانت تغمرهم في السابق أكثر، باجتماع العائلة شبه اليومي وقضاء الوقت مع أبناء القرية أو الحي الذي يقطنه، إلى جانب ذكريات جميلة تختزلها ذاكرتهم عن مدفع رمضان لإعلان موعدي الإفطار والسحور وكذلك للإعلام عن حلول العيد ومرور المسحراتي في الحارة ليوقظهم لتناول وجبه السحور.
يقول الشيخ صالح باهويني، الذي يعمل منذ عقود في خدمة الحجاج والمعتمرين منذ عقود أن الاختلاف فيما يتعلق بالشهر الفضيل بين الماضي والحاضر، هو أمر طبيعي بحكم الأجيال المتعاقبة والتطور الكبير التي شهدته مناحي الحياة المتعددة مع ظهور وسائل متعددة انشغل الناس بها، منها على سبيل المثال الإنترنت ووسائل التواصل وخلاف ذلك.
وأضاف: «شهر رمضان ثابت لم يتغير، بل نحن من تغيرنا حيث حالت مشاغل الحياة دون الاجتماعات الأسرية والالتقاء بالأقارب والجيران، ناهيك عن تحول الكثير إلى السهر والجلوس أمام الفضائيات التي تجتهد في تقديم المسلسلات والبرامج، وتتنافس فيما بينها لعرض كل ما هو جديد، بالإضافة للموائد التي انتشرت وانتشر الإسراف بالطعام بها وهذا تناقض مع شهر الصيام والقيام كونه شهر عبادة وليس شهراً للتبذير والإسراف».
وأشار باهويني إلى المشقة الكبيرة التي كان يعاني الصائم في الماضي من خلال العمل والتجول لقضاء الالتزامات وسط أجواء حارة، خلاف ما هو الآن من توفر العديد من الوسائل المريحة، مضيفاً: «إن ما يميز رمضان في أعوام سابقة كانت جمعة الأهل والأقارب والجيران بشكل شبه يومي لتجاذب أطراف الحديث والتي قلت الآن، وتسيدت (التقنية) المجالس، حيث تجد العديد ممن حولك منهمكاً على جواله متصفحاً مواقع التواصل الخاصة به ومتحدثاً لأصدقاء لا يعرفهم جيداً وقل تواصله مع الجمع الحاضر سواء في منزل العائلة أو مع أصدقائه المقربين».
إلى ذلك، قالت السيدة فايزة أحمد، وهي أم لخمسة أبناء ولديها عدد من الاحفاد عن الأمور التي تذكرها في رمضان: «كنا نجلس بعد الإفطار لساعات طويلة نتابع التلفاز ونتناول المعجنات، أما اليوم الكل منشغل بمواقع التواصل الاجتماعي ويصعب خلق الحوار بين أفراد العائلة نتيجة اهتماماتهم المختلفة وعندما أستذكر رمضان في الماضي تنتابني الحسرة، والفرق واضح وكبير، فلقد كانت الأجواء الرمضانية مفعمة بالحيوية تسودها الألفة والذكر والروابط الوثيقة مع الجيران، خلاف ما هو عليه الآن نجد البعض لا يعرف حتى جاره الذي يقطن بجانبه وآخرون لا تجمعهم ببعض سوى السلام خلاف ما كان في السابق من تبادل لأطباق الطعام، والجلوس لصلاة العشاء والتراويح سوياً وتبادل أطراف الحديث والذكر والسهر سوياً، قبل التوجه لإعداد وجبة السحور للعائلة».
وأشارت السيدة فايزة: «كثيرة هي الذكريات المرتبطة برمضان في الحارة، والتي نستذكرها في بعض الأوقات بالتوجه للمنطقة التاريخية بجدة لمعايشة الليالي الرمضانية والتي كانت لا تحلو أطباق المائدة إلا من أيدي الأمهات رغم بساطة العيش آنذاك، فما أحوجنا لهذه الأيام حيث بات اعتماد البعض على الخادمات».
ولفتت العمة فايزة «في السابق لم يكن هناك وجود لواقع بعض الشباب والشابات اليوم، حيث يقضون وقتهم بالنوم، بل كان الشاب يتجه بعد صلاة الفجر إلى عمله سواء في مجال البحر أو الزراعة أو التجارة ومزاولة الأعمال المهنية، والمرأة كذلك تذهب للقيام بواجباتها في المنزل أو مساعد رب الأسرة، ليمضي نهار رمضان وسط عمل دؤوب خلاف ما يحصل الآن من نوم أغلب فترات الصباح».
وأضافت: «قبيل آذان المغرب يتوجه الرجال مصطحبين معهم الأطباق التي قمنا بإعدادها للمشاركة بها في السفرة الرمضانية بالمساجد، ويؤدون صلاة المغرب ويعود الرجال إلى منازلهم لتناول العشاء ثم يعودون للمسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح وتعقبها تبادل الأحاديث مع الجيران والاستذكار قبل العودة لتناول وجبه السحور والنوم، وفي المقابل كانت التجمعات الشبابية والفرق الأهلية في ذلك الوقت تتنافس فيما بينها في المسابقات الثقافية والدينية في نهار رمضان وتجد المساجد ممتلئة بالحضور وبالليل ترى مختلف المسابقات الرياضية ورغم أنها لا تزال موجوده إلى الآن، فإنها كانت في السابق أكثر انتشاراً وإقبالاً»



الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
TT

الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)

أفصح مختصون في نشاط صناعة واستيراد الشماغ السعودي عن بلوغ هذا الزي التقليدي الرسمي أعلى مواسم البيع السنوية، مسجلاً مبيعات تُقدَّر بنحو 900 مليون ريال سنوياً، كاشفين عن توجهات المستهلكين الذين يبرز غالبيتهم من جيل الشباب، وميلهم إلى التصاميم الحديثة والعالمية، التي بدأت في اختراق هذا اللباس التقليدي، عبر دخول عدد من العلامات التجارية العالمية على خط السباق للاستحواذ على النصيب الأكبر من حصة السوق، وكذلك ما تواجهه السوق من تحديات جيوسياسية ومحلية.
ومعلوم أن الشماغ عبارة عن قطعة قماش مربعة ذات لونين (الأحمر والأبيض)، تُطوى عادة على شكل مثلث، وتُلبس عن طريق وضعها على الرأس، وهي لباس تقليدي للرجال في منطقة الخليج العربي وبعض المناطق العربية في العراق والأردن وسوريا واليمن، حيث يُعد جزءاً من ثقافة اللبس الرجالي، ويلازم ملابسه؛ سواء في العمل أو المناسبات الاجتماعية وغيرها، ويضفي عليه أناقة ويجعله مميزاً عن غيره.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، الرئيس التنفيذي لـ«شركة الامتياز المحدودة»، فهد بن عبد العزيز العجلان، إن حجم سوق الأشمغة والغتر بجميع أنواعها، يتراوح ما بين 700 و900 مليون ريال سنوياً، كما تتراوح كمية المبيعات ما بين 9 و11 مليون شماغ وغترة، مضيفاً أن نسبة المبيعات في المواسم والأعياد، خصوصاً موسم عيد الفطر، تمثل ما يقارب 50 في المائة من حجم المبيعات السنوية، وتكون خلالها النسبة العظمى من المبيعات لأصناف الأشمغة المتوسطة والرخيصة.
وأشار العجلان إلى أن الطلب على الملابس الجاهزة بصفة عامة، ومن ضمنها الأشمغة والغتر، قد تأثر بالتطورات العالمية خلال السنوات الماضية، ابتداءً من جائحة «كورونا»، ومروراً بالتوترات العالمية في أوروبا وغيرها، وانتهاء بالتضخم العالمي وزيادة أسعار الفائدة، إلا أنه في منطقة الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، فإن العام الحالي (2023) سيكون عام الخروج من عنق الزجاجة، وسيشهد نمواً جيداً مقارنة بالأعوام السابقة لا يقل عن 20 في المائة.
وحول توجهات السوق والمستهلكين، بيَّن العجلان أن غالبية المستهلكين للشماغ والغترة هم من جيل الشباب المولود بين عامي 1997 و2012، ويميلون إلى اختيار التصاميم والموديلات القريبة من أشكال التصاميم العالمية، كما أن لديهم معرفة قوية بأسماء المصممين العالميين والماركات العالمية، لافتاً إلى أن دخول الماركات العالمية، مثل «بييركاردان» و«إس تي ديبون» و«شروني 1881» وغيرها إلى سوق الأشمغة والغتر، ساهم بشكل فعال وواضح في رفع الجودة وضبط المواصفات.
وأضاف العجلان أن سوق الملابس كغيرها من الأسواق الاستهلاكية تواجه نوعين من المشكلات؛ تتمثل في مشكلات جيوسياسية ناتجة عن جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، ما تسبب في تأخر شحن البضائع وارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع الأسعار بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، بينما تتمثل المشكلات المحلية في انتشار التقليد للعلامات العالمية والإعلانات المضللة أحياناً عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.
من جهته، أوضح ناصر الحميد (مدير محل بيع أشمغة في الرياض) أن الطلب يتزايد على الأشمغة في العشر الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، ويبدأ الطلب في الارتفاع منذ بداية الشهر، ويبلغ ذروته في آخر ليلتين قبل عيد الفطر، مضيفاً أن الشركات تطرح التصاميم الجديدة في شهر شعبان، وتبدأ في توزيعها على منافذ البيع والمتاجر خلال تلك الفترة.
وأشار الحميد إلى أن سوق الأشمغة شهدت، في السنوات العشر الأخيرة، تنوعاً في التصاميم والموديلات والماركات المعروضة في السوق، وتنافساً كبيراً بين الشركات المنتجة في الجودة والسعر، وفي الحملات التسويقية، وفي إطلاق تصاميم وتطريزات جديدة، من أجل كسب اهتمام المستهلكين وذائقتهم، والاستحواذ على النصيب الأكبر من مبيعات السوق، واستغلال الإقبال الكبير على سوق الأشمغة في فترة العيد. وبين الحميد أن أكثر من نصف مبيعات المتجر من الأشمغة تكون خلال هذه الفترة، مضيفاً أن أسعارها تتراوح ما بين 50 و300 ريال، وتختلف بحسب جودة المنتج، والشركة المصنعة، وتاريخ الموديل، لافتاً إلى أن الشماغ عنصر رئيسي في الأزياء الرجالية الخليجية، ويتراوح متوسط استهلاك الفرد ما بين 3 و5 أشمغة في العام.