طالبت أوكرانيا حلفاءها الغربيين تزويدها بأسلحة أكثر قوة لتعزيز دفاعات البلاد في مواجهة الهجوم الروسي، وذلك فيما كانت كييف تستعد لاستقبال وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين أنتوني بلينكن ولويد أوستن، أمس الأحد. في غضون ذلك، قال مسؤول روسي إن قرية في منطقة بلغورود المحاذية لأوكرانيا تعرضت لقصف عبر الحدود. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده ستتغلب على «الأوقات العصيبة»، وذلك في خطاب من كاتدرائية القديسة صوفيا في كييف، التي ترجع إلى ألف عام، بمناسبة عيد القيامة عند الأرثوذكس، في وقت طغى فيه القتال في الشرق على الاحتفالات الدينية. وكتب بلينكن على تويتر، قبل زيارته إلى كييف: «لقد ألهمنا صمود المسيحيين الأرثوذكس في أوكرانيا في مواجهة الحرب العدوانية الوحشية التي شنها الرئيس بوتين. نحن مستمرون في دعمهم، واليوم نتمنى لهم وللجميع الاحتفال بأمل عيد القيامة والعودة السريعة إلى السلام».
وتُمثل الزيارة التي أعلن عنها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، أرفع زيارة لمسؤولين أميركيين منذ أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن «عملية عسكرية خاصة» في أوكرانيا قبل شهرين. ولم يؤكد البيت الأبيض زيارة بلينكن وأوستن لأوكرانيا، كما امتنعت وزارة الخارجية ووزارة الدفاع (البنتاغون) عن التعليق. ويخطط المسؤولون الأوكرانيون إبلاغ بلينكن وأوستن بالحاجة الفورية لمزيد من الأسلحة، ومنها الأنظمة المضادة للصواريخ والطائرات، فضلا عن العربات المدرعة والدبابات، وفقا لما صرح به إيغور غوفكفا مساعد زيلينسكي لشبكة «إن بي سي نيوز» أمس.
- تجدد دعوات الهدنة
تأتي زيارة بلينكن وأوستن إلى أوكرانيا في وقت تتواصل المعارك العنيفة في شرق البلاد وجنوبها، ما أرخى بثقله على الاحتفالات بعيد الفصح، رغم الدعوات الكثيرة في الأيام الأخيرة إلى إعلان هدنة. وجدد البابا فرنسيس، أمس، دعوته إلى إعلان هدنة ووقف الهجمات ضد «السكان المنهكين». وفي رسالة بمناسبة عيد الفصح لدى الأرثوذكس وهم الأغلبية في أوكرانيا، دعا زيلينسكي لـ«تخليص جميع الأوكرانيين». وأضاف في كلمة بدت على شكل صلاة: «لا ننسى بوتشا وإربين وبوروديانكا وغوستوميل»، معدداً سلسلة أماكن أخرى حيث تتهم أوكرانيا القوات الروسية بارتكاب فظائع حيال مدنيين. وتابع، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية: «قلوبنا ممتلئة بغضب شديد، أرواحنا ممتلئة بكراهية شديدة حيال الغزاة وكل ما فعلوه». وطلب من الله «ألا يسمح للغضب بأن يدمرنا من الداخل (...) وأن يحوله إلى قوة مفيدة لهزم قوات الشر».
من جهته، قال سيرهي غايداي، حاكم منطقة لوغانسك في الدونباس، إن احتفالات عيد الفصح قد تلاشت هناك، حيث ألحقت المدفعية الروسية أضرارا بسبع كنائس في المنطقة. وأضاف أن القصف الروسي تسبب في مقتل عدد غير محدد من المدنيين. وتنفي موسكو استهداف المدنيين، وترفض ما تقول أوكرانيا إنه دليل على أعمال وحشية، قائلة إن كييف لفقته لتقويض محادثات السلام.
وفي كنيسة ليمان الأرثوذكسية الصغيرة على خط الجبهة في شرق البلاد، حيث تسقط بشكل منتظم قذائف روسية، تجمع نحو خمسين مدنياً منذ الفجر للمشاركة في القداس في حين كان يُسمع هدير المدفعية. وأكد الكاهن في عظته التي ألقى نفسها جميع الكهنة في كافة كنائس منطقة الدونباس: «إننا إذا قمنا بالخيار السيئ، فستحطمنا الظلمات كما تُدمرنا الظلمات خلال هذه الحرب». ومع عودة الحياة إلى طبيعتها في العاصمة إلى حد ما، عاودت دول عدة فتح سفاراتها في الأيام القليلة الماضية، وعاد بعض السكان الذين فروا من القتال للاحتفال بعيد القيامة.
كما ملأ اللاجئون الأوكرانيون الكنائس في جميع أنحاء وسط أوروبا. وقالت ناتاليا كراسنوبولسكايا، التي تقضي عيد القيامة في براغ، وهي من بين ما يقدر بخمسة ملايين أوكراني اضطروا للفرار من الحرب لوكالة رويترز: «أدعو من أجل توقف هذا الرعب في أوكرانيا قريبا ليتسنى لنا العودة إلى ديارنا».
- فشل إجلاء المدنيين
غداة فشل محاولة جديدة للسلطات الأوكرانية لإجلاء مدنيين من ماريوبول (جنوب شرق)، دعت الأمم المتحدة إلى «وقف فوري» للقتال في هذه المدينة الساحلية الاستراتيجية المطلة على بحر آزوف، بهدف السماح بإجلاء نحو مائة ألف مدني لا يزالون محاصرين فيها. وبات الجيش الروسي يسيطر بشكل شبه كامل على المدينة التي حاصرها منذ مطلع مارس (آذار).
وقال منسق الأمم المتحدة لشؤون أوكرانيا، أمين عوض، في بيان: «يجب السماح بإجلائهم الآن، اليوم. غدا، سيكون فات الأوان». من جانبها، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان أن «كل يوم، كل ساعة تمر لديها ثمن إنساني رهيب». وطالبت اللجنة بإلحاح «بوصول فوري ودون عقبات»، للسماح «بعبور طوعي وآمن لآلاف المدنيين ومئات الجرحى إلى خارج المدينة، بما في ذلك إلى منطقة مصنع آزوفستال» للصناعات المعدنية، جيب المقاومة الوحيد للجنود الأوكرانيين.
وأشارت وزارة الدفاع الأوكرانية في وقت سابق الأحد عبر تلغرام إلى أن القوات الروسية لا تزال تحاصر الوحدات المتحصنة في مصنع آزوفستال. ونقل مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك على تويتر دعوات زيلينسكي إلى إعلان هدنة، وإقامة «ممر إنساني فورا للمدنيين» في ماريوبول. كما اقترح مرة جديدة عقد مفاوضات مع موسكو «ليكون بإمكاننا نقل أو مبادلة عسكريينا»، وهو ما لم ترد عليه موسكو حتى اللحظة.
من جهتها، أعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أنها «قلقة للغاية» إزاء توقيف في أراض أوكرانية انفصالية موالية لروسيا، عدة أفراد من بعثتها لمراقبة وقف إطلاق النار المعلن عام 2014 إثر النزاع الذي اندلع بين هذه المناطق وكييف بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم. وسبق أن أجلت المنظمة المئات من مراقبيها المتحدرين من عشرات الدول منذ بدء الحرب في 24 فبراير (شباط). لكن لا يزال يوجد هناك موظفون أوكرانيون «عدد منهم معتقل في دونيتسك ولوغانسك»، وفق ما أكدت المنظمة في تغريدة، مشيرة إلى «اللجوء إلى كافة القنوات المتاحة لتسهيل تحريرهم».
- تعثر المفاوضات
لا تزال مفاوضات السلام متعثرة، في وقت تستعر المعارك في شرق البلاد وجنوبها. وبحسب هيئة الأركان الأوكرانية، فإن القوات الروسية تواصل أيضاً عرقلة خاركيف جزئياً (شمال شرق) عبر قصف القوات الأوكرانية والبنى التحتية الرئيسية. وقالت هيئة الأركان إن (القوات الروسية) «كثفت هجماتها» في حوض الدونباس (شرق) المؤلف من منطقتَي دونيتسك ولوغانسك، وفق ثلاثة اتجاهات: سيفيرودونستيك العاصمة بحكم الأمر الواقع لمنطقة لوغانسك الخاضعة لسيطرة الأوكرانيين، وبوباسنا وتقع على مسافة نحو خمسين نحو الجنوب، وكوراخيكفا القريبة من دونيتسك.
كما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية عن معارك دائرة عند مدخل بلدة كوروفيي يار في شمال الدونباس، حيث تمركز الروس منذ السبت. وكانت دبابات ومدرعات أوكرانية تساند الهجوم المضاد وتغطي محاولة إجلاء 30 مدنياً.
- تقدم ومقاومة
أما على الجبهة الجنوبية في المنطقة الواقعة بين خيرسون الخاضعة بالجزء الأكبر لسيطرة الروس وميكولاييف، لم يذكر الجيش الأوكراني حصول تغيرات مهمة. وكانت كييف قد تحدثت في اليوم السابق عن تقدم القوات الروسية في شمال منطقة زابوريجيا التي يسيطر الروس على جزئها الجنوبي الذي يحد بحر آزوف. من جانبه، أعلن الجيش الروسي أمس شن ضربات صاروخية على تسعة أهداف عسكرية أوكرانية، بينها أربعة مستودعات ذخائر في جنوب منطقة خاركيف. وقالت موسكو أيضاً إنها شنت ضربات جوية على 26 هدفاً و423 ضربة مدفعية دون تحديد أهدافها.
وأفاد تحديث عسكري بريطاني صدر أمس، بأن أوكرانيا صدت العديد من الهجمات الروسية على طول خط التماس في دونباس في الأيام الماضية. وذكرت وزارة الدفاع البريطانية في نشرة دورية أنه رغم تحقيق روسيا لبعض المكاسب على الأرض، كانت المقاومة الأوكرانية قوية في جميع المحاور وكبدت القوات الروسية خسائر كبيرة. وأضاف التحديث أن «تراجع الروح المعنوية الروسية والوقت المحدود لإعادة تشكيل القوات وتجهيزها وتنظيمها بعد هجمات سابقة يعوق الفاعلية القتالية الروسية على الأرجح».
من جهة أخرى، نقلت وكالة «تاس» الروسية عن مسؤول محلي أن قرية في منطقة بلغورود المحاذية لأوكرانيا تعرضت لقصف عبر الحدود. وقال فلاديمير بيرتسيف إن القصف لم يتسبب في إصابات أو أضرار بعد أن سقطت قذيفة في حقل، وفقا لما نقلته عنه تاس.
- جهود السلام
دبلوماسيا، يُفترض أن تتحدث رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن الحياد الذي أبدته نيودلهي بشأن الحرب على أوكرانيا، أثناء زيارة بدأتها أمس إلى الهند حيث ستلتقي اليوم رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فيزور الاثنين تركيا التي تحاول لعب دور في الوساطة لإيجاد حل للنزاع في أوكرانيا، وذلك قبل توجهه إلى موسكو وكييف.
لكن زيلينسكي انتقد السبت قرار غوتيريش «غير المنطقي» زيارة موسكو الثلاثاء قبل المجيء إلى كييف. وقال: «من الخطأ الذهاب إلى روسيا أولا ومن ثم إلى أوكرانيا»، مبديا أسفه «للانعدام التام للعدالة والمنطق في هذا الترتيب». وبحسب الأمم المتحدة، فإن عدد اللاجئين الفارين من الغزو الروسي يقترب من 5.2 مليون. وفر أكثر من 7.7 مليون شخص من منازلهم لكنهم ما زالوا في أوكرانيا.