ماكرون أم لوبن... فرنسا تواجه الاختيار الصعب لمنصب الرئيس

المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين ماكرون ولوبن (أ.ف.ب)
المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين ماكرون ولوبن (أ.ف.ب)
TT

ماكرون أم لوبن... فرنسا تواجه الاختيار الصعب لمنصب الرئيس

المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين ماكرون ولوبن (أ.ف.ب)
المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين ماكرون ولوبن (أ.ف.ب)

بدأ الناخبون في فرنسا الإدلاء بأصواتهم، اليوم (الأحد)، في الجولة الثانية والحاسمة من انتخابات الرئاسة التي ستقرر ما إذا كان الرئيس إيمانويل ماكرون المنتمي لتيار الوسط والمؤيد للاتحاد الأوروبي سيحتفظ بمنصبه أم ستطيح به مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن والذي قد يكون بمثابة زلزال سياسي.
وأظهرت استطلاعات الرأي في الأيام القليلة الماضية تقدم ماكرون على منافسته بفارق لا بأس به، وقال محللون إن لوبن ما زالت غير مستساغة بالنسبة لكثير من الناخبين على الرغم من جهودها لتحسين صورتها والتخفيف من حدة بعض سياسات حزب التجمع الوطني الذي تتزعمه.

لكن لا يمكن استبعاد أن تحقق لوبن فوزاً مفاجئاً بالنظر إلى العدد الكبير من الناخبين الذين لم يحسموا موقفهم أو غير متأكدين مما إذا كانوا سيصوتون أصلاً في الجولة الثانية من الانتخابات، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.
ولا يمكن لأي مرشح وفقاً لاستطلاعات الرأي أن يعول فحسب على المؤيدين الملتزمين، لذا سيتوقف الكثير على مجموعة الناخبين الذين يوازنون بين تداعيات اختيار رئيس من اليمين المتطرف وبين الغضب من سجل ماكرون منذ انتخابه في عام 2017.
وإذا فازت لوبن فمن المرجح أن يثير ذلك نفس الشعور بحالة الاضطراب السياسي التي أعقبت تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي أو انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة في عام 2016.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1517152929240690691
وفُتحت صناديق الاقتراع في الساعة الثامنة صباحاً (06:00 بتوقيت غرينتش) وتُغلق عند الثامنة مساء (18:00 بتوقيت غرينتش). ومن المنتظر أن تظهر التوقعات الأولية فور إغلاق الصناديق.
وحذر ماكرون (44 عاماً)، الذي فاز في الجولة نفسها قبل خمس سنوات، من «حرب أهلية» إذا فازت لوبن التي تشمل سياستها حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة. ودعا ماكرون الديمقراطيين من جميع الأطياف إلى دعمه في مواجهة اليمين المتطرف.
أما لوبن (53 عاماً) فقد ركزت حملتها على ارتفاع تكاليف المعيشة في سابع أكبر اقتصاد في العالم، إذ يقول الكثير من الفرنسيين إن تكاليف المعيشة زادت بصورة كبيرة مع ارتفاع أسعار الطاقة العالمية. وركزت أيضاً على أسلوب ماكرون في قيادة البلاد والذي تقول إنه يُظهر ازدراء النخبة لعامة الناس.
وقالت في تجمع حاشد في بلدة أراس بشمال فرنسا، يوم الخميس الماضي: «السؤال يوم الأحد بسيط... ماكرون أم فرنسا؟». ولاقت رسالة لوبن صدى لدى الكثير من الناخبين.

وبعد ذلك التجمع قالت إريكا هيربين، وهي حارسة بأحد السجون والتي يبلغ عمرها 43 عاماً: «إنها قريبة من الناس ويمكنها حقاً منح القوة الشرائية للناس وجعلهم يبتسمون».
ولا يتفق آخرون، مثل جيسلين مادالي (36 عاماً) مصففة الشعر في أوزير بوسط فرنسا، مع لوبن. وأوضحت أنها ستصوّت لصالح ماكرون خشية ما ستكون عليه رئاسة لوبن. لكنها قالت إن كثيرات من زبائنها سيصوتن لصالح لوبن لأن ماكرون لا يعجبهن.
وقالت مادالي التي تعود جذور عائلتها إلى المغرب عن لوبن: «أجد ذلك (التصويت لها) كارثياً لأنها عنصرية... أنا قلقة على نفسي وعلى أبنائي».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1516529571524333570
وترفض لوبن، التي انتقدها ماكرون أيضاً بسبب إعجابها في الماضي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتهامها بالعنصرية. وقالت إن خططها لإعطاء الأولوية للمواطنين الفرنسيين في الإسكان الاجتماعي والوظائف وإلغاء عدد من مزايا الرعاية الاجتماعية للأجانب، ستفيد جميع الفرنسيين بغضّ النظر عن دينهم أو أصولهم.
وإذا فاز ماكرون فسيواجه فترة ثانية صعبة في الحكم، ومن المرجح استمرار الاحتجاجات على خطته لمواصلة الإصلاحات التي تهدف لتشجيع بيئة الأعمال التجارية، بما في ذلك رفع سن التقاعد من 62 إلى 65 عاماً.
وإذا تمكنت لوبن من الإطاحة به فسوف تسعى إلى إجراء تغييرات جذرية في سياسات البلاد المحلية والدولية، ويمكن أن تبدأ احتجاجات في الشوارع على الفور. وسيصل صدى الصدمة إلى جميع أنحاء أوروبا وخارجها.
وبغضّ النظر عمّن سيفوز، سيكون التحدي الرئيسي الأول هو الفوز في الانتخابات البرلمانية في يونيو (حزيران) لتأمين أغلبية يمكنها مساندة تنفيذ برنامجه.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟