بحر الصين الجنوبي... «البيئة الأخطر» للمواجهة بين واشنطن وبكين

«عسكرة» متزايدة وسط مصالح متضاربة لدول المنطقة في أكبر معبر للتجارة العالمية

بحر الصين الجنوبي قد يكون بيئة ملائمة لمواجهة صينية - أميركية (رويترز)
بحر الصين الجنوبي قد يكون بيئة ملائمة لمواجهة صينية - أميركية (رويترز)
TT

بحر الصين الجنوبي... «البيئة الأخطر» للمواجهة بين واشنطن وبكين

بحر الصين الجنوبي قد يكون بيئة ملائمة لمواجهة صينية - أميركية (رويترز)
بحر الصين الجنوبي قد يكون بيئة ملائمة لمواجهة صينية - أميركية (رويترز)

على رغم انشغال العالم منذ نحو شهرين بالعواقب المدمرة للحرب التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنها لا تزال تعتبر الصين المنافس الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة التي تكرس حالياً الكثير من الوقت والجهد لمنع الكرملين من تحقيق أهدافه.
يعتقد المسؤولون الأميركيون أن «الفشل الاستراتيجي» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوروبياً سيؤدي إلى «لجم هيمنة» حليفه الصيني شي جينبينغ آسيوياً... انطلاقاً أولاً من بحر الصين الجنوبي.

إذا كان البحر الأبيض المتوسط مساحة استراتيجية لوقوعه بين ثلاث قارات: آسيا وأوروبا وأفريقيا ولكونه ممراً ملاحياً أساسياً للموارد النفطية والتجارية، فإن بحر الصين الجنوبي يعد أهم منطقة مائية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي. يمر من خلاله نحو ثلث التجارة العالمية. وهو أيضاً البحر الأخطر الذي يمكن أن يشهد مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة والصين. تظهر الدلالة الأبرز على هذا الاحتمال في إصرار الولايات المتحدة، ومعها دول أخرى في المنطقة مثل كوريا الجنوبية واليابان والفلبين وفيتنام وغيرها، على اعتبار هذا البحر ممراً ملاحياً دولياً ومفتوحاً، في حين تؤكد الصين باستمرار أنه جزء من أراضيها وبحارها الداخلية، على غرار تعاملها مع تايوان التي تصر على الاستقلال.
هناك من يعتقد أن أي نجاح للرئيس الروسي في أوكرانيا يمكن أن يفتح شهية نظيره الصيني في استخدام القوة العسكرية لـ«إعادة» الجزيرة التي سيادة الوطن الأم. وينذر هذا الاحتمال بمواجهة خطيرة جرى تجنبها حتى الآن بين السفن الحربية الصينية والأميركية التي تتحرك بكثافة في المنطقة، في حين يحذّر الجيش الصيني باستمرار من تحليق الطائرات الأميركية فوق قطعه البحرية. وفي يوليو (تموز) الماضي، أجرت كل من الولايات المتحدة والصين تدريبات بحرية متنافسة في بحر الصين الجنوبي. وفي ظل «التنافس الاستراتيجي المتنامي» بين واشنطن وبكين، يخشى المتابعون شبح وقوع حادث يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية أكبر بين البلدين العملاقين، على الأقل على غرار مواجهتهما خلال الحرب الكورية في الخمسينات من القرن الماضي.

دول متشاطئة ومصالح متضاربة
يحتل بحر الصين الجنوبي حيز الصدارة في الصين والفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي وتايوان، وهي دول توجد لديها مطالبات متداخلة في هذا البحر الغني بالموارد، والذي يلعب دوراً حيوياً في التجارة الدولية. يشكل هذا البحر مادة رئيسية في المنافسة على الانتخابات الرئاسية الفلبينية الشهر المقبل، إذ يتبارى المرشحان فرديناند «بونغ بونغ» ماركوس جونيور والرئيس رودريغو دوتيرتي في اتخاذ مواقف أكثر حزماً تجاه الصين.
وبالإضافة إلى «الاستفزازات» العسكرية الجوية أخيراً، يثير بناء الصين ثلاث جزر صناعية في بحر الصين الجنوبي مخاوف تايوان حيال ما إذا كان ينبغي عليها تمديد مدرج جزيرة تايبينغ للتعامل مع طائرات حربية أكبر. وقال قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادي جون أكويلينو في أواخر الشهر الماضي، إن الجيش الصيني «أكمل عسكرة الجزر الصناعية الثلاث، وسلّحها بأنظمة صواريخ مضادة للسفن ومضادة للطائرات ومعدات ليزر وتشويش وطائرات مقاتلة».
وكذلك أثارت الاتفاقية الأمنية الموقّعة حديثاً بين الصين وجزر سليمان باسم «إعلان شنغهاي» مخاوف دولية من أن بكين تكثف جهودها للحصول على ما تسميه «الحقوق التاريخية» على بحر الصين الجنوبي بأكمله، علماً بأن ذلك حصل بعد ساعات فقط من إعلان واشنطن أنها سترسل مسؤولين إلى جزر سليمان للتعبير عن المخاوف الأميركية من احتمال إقامة موطئ قدم للصين عسكرياً في هذه الجزر.
وفي موازاة هذه الخطوة، بدأت الصين في إرسال طائراتها المقاتلة «جاي 20» وهي الأكثر تقدماً لديها، للقيام بدوريات في بحر الصين الشرقي. وذكرت صحيفة «غلوبال تايمز» الحكومية الصينية، أن النشر يهدف إلى «حماية أفضل لأمن المجال الجوي الصيني والمصالح البحرية» لبكين.

توتر... في اليوبيل الذهبي
يتزامن التوتر المتصاعد في بحر الصين الجنوبي هذا العام مع إحياء الولايات المتحدة والصين اليوبيل الذهبي لعلاقتهما الحديثة. يستعيد المسؤولون الحاليون التقارب التاريخي الذي حصل بين البلدين عام 1972 حين سافر الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر إلى بكين، حيث اجتمعا مع الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ، وأحدثت هذا الزيارة «زلزالاً جيو - سياسياً». أدى «الأسبوع الذي غيّر العالم»، وفقاً لوصف الرئيس نيكسون نفسه، إلى تجاوز عقدين من العداء بين الصين الشيوعية والولايات المتحدة، علماً بأن جذور العداء بينهما تعود إلى الحرب الأهلية الصينية، بسبب دعم الولايات المتحدة للقوميين المعادين للشيوعية. خسر القوميون الحرب في نهاية المطاف وفرّوا إلى فورموزا (تايوان) عام 1949. ويوضح رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ريتشارد هاس، أن تايوان «بقيت مثار جدل» بين واشنطن وبكين. بيد أن «الدبلوماسية الإبداعية كانت في أفضل حالاتها»، حين اعترفت الولايات المتحدة بمبدأ «الصين الواحدة» من دون التخلي عن حق تقرير المصير للتايوانيين، وبـ«ضرورة التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع».
وعلى رغم التحسن المطرد للعلاقات خلال العقود الماضية، عاد التوتر ليتجلى بين البلدين، ليس فقط بسبب تايوان، بل أيضاً بعدما أصبحت الصين أكثر حزماً في الخارج، بالإضافة إلى ميلها المتزايد إلى «عسكرة» بحر الصين الجنوبي، الذي «يمكن أن يشكل بؤرة لحرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين»، وفقاً لبعض المراقبين الذين يجادلون بأن الجهود لدمج الصين في نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة كان «مجرد خيال غير حكيم».

صيد في «المياه العكرة»
يُعتقد على نطاق واسع أن بحر الصين الجنوبي يشكل حيزاً مهماً للاصطياد في «المياه العكرة» بين الولايات المتحدة والصين. ينقل الباحث والمؤرخ الأميركي دانيال يارغين عن الدبلوماسي السنغافوري الذي قاد المفاوضات لإنشاء اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تومي كوه أن «المواجهة حول بحر الصين الجنوبي لها مستويات عديدة من التعقيد. لا يتعلق الأمر فقط بجسم مائي واحد، أو حدود واحدة» لأن «بحر الصين الجنوبي يتعلق بالقانون، والسلطة، والموارد، والتاريخ». يذكر في كتابه «الخريطة الجديدة» مَن وصفهم بأنهم «أربعة أشباح» لرجال رحلوا منذ زمن طويل، لكن ظلهم بقي في هذا البحر؛ لأنهم من الشخصيات التاريخية التي صارت رمزاً لـ«الخلافات حول السيادة وحرية الملاحة، وتنافس القوات البحرية، وكذلك الحرب وتكاليفها». وهؤلاء ألهموا قائد البحرية الصينية المتقاعد الأميرال وو شينغلي الذي شغل هذا المنصب بين عامي 2006 و2017 بعدما تولى مهمات أخرى بالغة الأهمية وأشرف على تطوير البحرية الصينية لتمكينها من منافسة البحرية الأميركية.
أما الأشباح التاريخية الأربعة، فهم: أعظم ملاح في الصين، ومحام هولندي صاغ الملخص القانوني الذي يدعم الآن الحجة الأميركية ضد مزاعم الصين، وأميرال أميركي قدمت فلسفاته أساساً لتوسع كل من البحريتين الأميركية والصينية، وكاتب بريطاني جادل بأن تكاليف النزاع باهظة للغاية حتى بالنسبة إلى الذين سينتصرون.

الأشباح الأربعة
تمثل رحلات تشينغ هي، وهو اسم أعطي له بعد جلبه إلى الصين من بلاد المسلمين قبل أكثر من 600 عام قبل أن يصير أعظم بحّار لديها، التجسيد العظيم «للنشاطات الصينية في بحر الصين الجنوبي» ومطالبات بكين التاريخية المبنية على إرثه الباقي فيما يسمى الآن «خط الفواصل التسع» لهذا البحر.
ويظهر الشبح الثاني في المحامي الهولندي هوغو غروتيوس الذي قدم سردية معاكسة، واضعاً الأسس القانونية لمفهوم حرية المرور عبر محيطات العالم، ليجسد «سيادة القانون» في مقابل إرث التاريخ. ومن المفارقات المهمة أن «أبي قانون البحار» فعل ذلك قبل نحو ستة قرون أيضاً، بعدما هاجمت السفن الهولندية سفينة برتغالية في بحر الصين الجنوبي انتقاماً للهجمات البرتغالية على السفن الهولندية عبر العالم. وكان هذا بمثابة بداية صراع عالمي بين البرتغال والهولنديين للسيطرة على المستعمرات في جنوب شرقي آسيا.
أما الشبح الثالث، فهو شخص استثنائي برز في عهد الرئيس الأميركي تيودور روزفلت الذي سعى حين كان مساعداً لوزير البحرية عام 1897 من أجل بناء قوة بحرية أميركية أقوى. وهو تأثر بالأميرال ألفريد ثاير ماهان الذي تهيمن أفكاره على خلافات اليوم حول بحر الصين الجنوبي واصطدام القوة البحرية الأميركية والصينية. وعندما توفي ماهان عام 1914، كتب روزفلت «لم يكن هناك أي شخص آخر في فصله، أو في أي مكان قريب منه». وبعد عقود، لاحظ الخبير الاستراتيجي إدوارد ميد إيرل، أن «قلة من الأشخاص يتركون بصمة عميقة على الأحداث العالمية مثل تلك التي تركها ماهان». وهذه البصمة واضحة اليوم في الصين، وبخاصة في بحر الصين الجنوبي.
وبرز الشبح الرابع في الكاتب البريطاني الحائز جائزة نوبل للسلام نورمان أنجيل الذي كان يجادل في الثلاثينات من القرن الماضي بأن الحرب بين ألمانيا وبريطانيا يجب ألا تكون حتمية. وأثبتت العواقب الكارثية للحرب أنه كان على حق لأن التكاليف الدائمة تفوق بكثير كل ما كان يمكن ربحه في معركة معينة. وهذه الرسالة تطارد التوترات المتصاعدة اليوم بين الولايات المتحدة والصين في بحر الصين الجنوبي.

السجال القانوني الحالي
في محاولة لتأكيد سيادتها، لا تكتفي الصين ببناء قواعد عسكرية وجزر صناعية في المياه الضحلة لبحر الصين الجنوبي، بل تضمن مناهجها الدراسية خرائط تظهر أن حدود الصين تلامس سواحل الدول الأخرى. ويتعلم أطفال المدارس الصينية منذ عقود أن حدود بلادهم تمتد لأكثر من ألف ميل حتى ساحل ماليزيا. وتستند بكين في ادعاءاتها الرسمية إلى أن «النشاطات الصينية في بحر الصين الجنوبي تعود إلى أكثر من ألفي عام»، وبالتالي فإن لها «أساساً في القانون الدولي، بما في ذلك القانون العرفي للاكتشاف والاحتلال والمسمى التاريخي». وترد الولايات المتحدة رسمياً بأن بحر الصين الجنوبي، بموجب القانون الدولي، هو مياه مفتوحة يُطلق عليها اسم «المشاع البحري لآسيا»، أي لجميع الدول. وتوافقها في ذلك دول مثل أستراليا وبريطانيا واليابان. وتؤكد وزارة الخارجية الأميركية، أن الصين «ليس لديها أي أساس قانوني» في مطالبها التي «تشكل أكبر تهديد لحرية البحار في العصر الحديث».

أي مقاربة؟
يتوافق الباحثان الأميركيان إيلي راتنر وهيو وايت في فهمهما لاستراتيجية الولايات المتحدة الرافضة للسيطرة الصينية على بحر الصين الجنوبي. يعتقدان أن إدارة الرئيس بايدن «لم تأخذ بعد خطورة التحدي الصيني على محمل الجد». غير أنهما يختلفان حيال ما إذا كانت الولايات المتحدة «تستطيع وينبغي أن تفعل أي شيء لوقف الانزلاق نحو مجال النفوذ الصيني في آسيا». يرجح وايت أن دول جنوب شرقي آسيا لن تقبل المساعدة الأميركية لتحصين جزرها، وأن الحلفاء الإقليميين الآخرين، مثل أستراليا أو اليابان، لن يكونوا مستعدين للقيام بالأدوار المطلوبة منهم. لكن راتنر يعتقد أن الخوف الإقليمي من انتقام الصين يشكل «حافزاً» لإجراءات إضافية غير عسكرية، بما في ذلك مشاركة الولايات المتحدة في اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي، أو بعض المبادرات الطموحة بالقدر نفسه بشأن التجارة والاستثمار التي تقدم للدول الإقليمية بديلاً عن الاعتماد الاقتصادي المتزايد على الصين. ويرفض القول إنه «لا توجد الآن طريقة للرد بشكل فعال ضد الصين في بحر الصين الجنوبي دون وجود مخاطر وقوع حرب كبيرة»، معتبراً أن الخوف من عدم الانزلاق نحو الهيمنة الصينية في جنوب شرقي آسيا يشكل «خطراً أكبر على أمن الولايات المتحدة وازدهارها»؛ لأن الإقرار بالهيمنة الصينية هو أكبر تهديد يواجه الولايات المتحدة (ودولاً أخرى مثل أستراليا والفلبين واليابان) في آسيا».
وعلى رغم إصرار الرئيس شي جينبينغ على «المصالح الأساسية» للصين، تشير التجربة إلى أنه يمكن إجبار الصين على «نهج أكثر اعتدالاً» في بحر الصين الجنوبي، وهذا «لن يحصل إلا إذا واصلت الولايات المتحدة سياستها الحازمة في المنطقة». ومن هذا المنطلق، يدعو راتنر إلى «سياسة أميركية أكثر قوة». لكن وايت يقول، إن «هذه مهمة صعبة» وتستوجب «التزاماً حقيقياً لمنع الهيمنة الصينية على بحر الصين الجنوبي».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».