شاشة الناقد

مشهد من «حمّام سخن»
مشهد من «حمّام سخن»
TT

شاشة الناقد

مشهد من «حمّام سخن»
مشهد من «حمّام سخن»

- حمّام سخن
- ★★★
فيلم منال خالد الأول، بعد سنوات عدة من العمل مساعد مخرج، يُدين بجودته إلى رهافة المخرجة الجديدة في التقاط اللحظات الإنسانية، وإلى تصوير جيد من طارق حفني ومحمود لطفي وكمال سمير. وهو مؤلف من ثلاث حكايات بسيطة الأفكار والتأسيس. الحكايات لا عناوين منفصلة لها، وهو أمر جيد كونها جميعاً تقع في أيام قليلة خلال ثورة يناير (كانون الثاني) سنة 2011.
في مطلع الفيلم نشاهد امرأة من المتظاهرات (ريم حجاب) وهي تدخل محل بيع هواتف صغيراً لتحتمي من الأمن الذي كان يعتقل المتظاهرين. يدرك صاحب المحل حاجتها إلى الاحتماء ولا يشي بوجودها لدى الضابط الذي يدخل عليه باحثاً عنها ثم طالباً بعض الخدمات الخاصّة. الحكاية هنا هي كيف قضت المرأة الليل وهي جالسة على أرض الغرفة بينما التزم صاحب المحل (أسامة أبو العطا) بمكانه. عند الصباح ومع بداية حركة الشارع تشكر المرأة ذلك الرجل على ما فعل وتترك المكان.
في الحكاية الثانية، امرأة أخرى هاربة تدخل عمارة سكنية ثم تفاجأ بأن رجال الأمن وضعوا قفلاً على الباب بحيث لم تعد تستطيع الخروج. تصعد الطوابق طارقة أبوابها فلعل أحدهم يساعدها في الخروج من المكان. لسبب ما لا يبدو أن هناك أحداً في هذه العمارة إلا منزلاً كانت الأم تركت ابنتها الصغيرة فيه ولم تعد. تتبادل المرأة والطفلة الكلام من خلال نافذة الباب (كون الأم أقفلته قبل خروجها) ما يجعل كلتاهما حبيسة مكانها. حين تتصل المرأة بأم الفتاة الصغيرة المفترض بأنها تعمل ممرضة في أحد المستشفيات يأتيها الجواب بأنها لم تأتِ للعمل.
الحكاية الثالثة هي دخول امرأتين هاربتين من الوضع ذاته حمّاماً شعبياً تديره امرأة لا تتوقف عن النقد والشكوى. الوقت يمر في تبيان ملامح كل امرأة (خمسة في المجموع) وحاجتها المختلفة (العودة للعمل، أو البيت أو الرغبة في البقاء) في تلك الليلة. إحدى النساء امرأة محجبة والأخريات يساعدنها على أخذ حمّام.
هناك ألفة وقضية أنسوية - أنثوية في هذه الحكاية التي هي أقل الحكايات أهمية أو إثارة لأي شعور يتجاوز المعروض مباشرة. لم أكترث كثيراً لما يحدث (ولا شيء مهماً يحدث فعلاً) على عكس الحكايتين السابقتين اللتين تدمجان الوضع الخاص بخلفية الوضع العام من خلال مواقف أفضل كتابة وإخراجاً.

- ‪The City and the City ‬
1-2
- ★★
تجربة يهود مدينة ثيسالونيكي اليونانية لم تكن أفضل من تلك التجارب التي عانى فيها اليهود في المدن الأوروبية المحتلّة خلال الحرب العالمية الثانية. قُبض عليهم. أهينوا. عانوا. ضُربوا وأعدم بعضهم، ثم تم زج الغالبية في القطارات المتوجهة إلى معسكرات الاعتقال النازية. لكن فيلم سيلاس تزومركاس الذي عُرض في مهرجان برلين هذه السنة ثم انتقل إلى مهرجان ثيسالونيكي ذاته قبل أسابيع قليلة، لا يكتفي بعرض معاناة اليهود في هذه المحنة، بل ينتقل منها إلى التاريخ البعيد.
حسب الفيلم، كان اليهود في تلك المدينة بحلول 1933 يقدّر بـ55 ألف نسمة. لكن نزوح مسيحيين قادمين مما يُعرف بآسيا الصغرى خفض النسبة الغالبة لليهود. تبع ذلك انتشار «المعاداة للسامية» على أساس أن الوقت حان لليهود - وكما يذكر الفيلم في بطاقة تتداخل وكثير غيرها وسط المشاهد - «فعل شيء آخر بأيديهم عدا عد المال». حتى قبل ذلك كان هناك نزوح إسلامي من بلغاريا وتركيا وأرميني من تركيا عبر عصور سابقة جعلت نسبة تواجد اليهود في تلك المدينة يرتفع وينخفض حسب الفترات المتقلّبة وصولاً إلى دخول النازيين وتعاون اليونانيين معهم.
معظم ما سبق والكثير سواه، توفره تلك البطاقات التعريفية التي تأخذ حيّزاً طويلاً من فيلم كان عليه أن يشتغل على البصريات أساساً. ليس أن المخرج تزومركاس خال من موهبة التنويع؛ إذ إن هناك الكثير منه فعلاً.
يبدأ «المدينة والمدينة» بشاشة سوداء ثم يفتح على مشاهد كلوز أب ملوّنة لبعض الشخصيات التي تبدو قلقة. لا يسعى الفيلم لا هنا ولا في أي مكان آخر لمنح هذه الشخصيات وجوداً درامياً، بل يعمد إلى سرد متقاطع ما بين الماضي والحاضر وبين الدراما والوثائقي وبين الأبيض والأسود. ليس هناك من حكاية ذات حبكة، بل موضوع يوفر له المخرج وجهة نظر في أحداث تلتقي والعديد من أفلام الهولوكوست التي لا تفتأ السينما تقديمها.
واحد من المشاهد التي تشكّل حضوراً متكرراً هو ذلك الذي نجد فيه أسرى يهوداً يقفون في صفوف متوالية ينفّذون أوامر الضباط النازيين فيما يشبه التمارين الرياضية باستثناء أنها ليست إلا أنها حركات لإجبار المحتجزين على أوضاع بدنية مؤلمة ومهينة أكثر مما فيها من ممارسات رياضة. نرى كيف يقترب الضباط النازيون من الأسرى ويكيلون لهم الصفع والضرب. بعد هذا الشرح المنفّذ درامياً يستعين المخرج بمشاهد وثائقية تؤكد ذلك، نرى خلالها ما تم عرضه.
هذا الإصرار على تأكيد حدث هو بحد ذاته مُشين يجعل الفيلم من تلك الأنواع التي تُعالج عنف الحدث بعنف العرض ما يزيد من ثقل المَشاهد من دون أن يؤدي إلى التأثير المنشود بين المشاهدين. ما يؤدي إليه هو توفير صفحة شبه مجهولة من تاريخ. وميزة الفيلم الأولى هو التنفيذ الحر انتقالاً بين الفورمات والألوان، وكذلك بين مراحل وفصول مختلفة من الماضي.

- ‪Father Stu ‬
- ★★
يتعرّض ستيوارت (أو ستو، كما في العنوان) لحادثتين: الأولى خلال مباريات الملاكمة والثانية تمنعه من مزاولة الرياضة التي يحبها، والثانية حادثة تقع وهو على دراجة نارية تؤدي به إلى أن يسأل نفسه ما الذي عليه القيام به ليملأ فراغ حياته. سيجد أن اللجوء صوب الكنيسة ليصبح راهباً كاثوليكياً هو الرهان الصحيح فيفعل ذلك وسط ردّات فعل تتفاوت بين التشجيع والشك في أنه سيستطيع النجاح في مشوار حياته الجديدة.
«الأب ستو» من بطولة مارك وولبيرغ الذي يميل إلى ديانته المسيحية كما عدد من الممثلين الآخرين بينهم مل غيبسون الذي يشاركه البطولة. والفيلم بذاته ديني التوجّه ويعبّر عن وجهة نظره بجدّية. مأخوذ عن شخصية واقعية تم تحويلها إلى فيلم قد لا يحمل جديداً على مستوى الترفيه، لكنه لا يحمل جديداً أيضاً على مستوى فني. عوض هذا وذاك تتوقف حسنات الفيلم عند حدود الإيمان المطلق لصانعيه (بينهم المخرجة والكاتبة روزيلاند روس) برسالته. المشكلة هي أن هناك وقتاً طويلاً يمر قبل أن يجد ستو ضالته.
إلى ذلك، هناك كليشيهات السينما الأميركية العاطفية وتلك التي يُقصد بها تلميع الشخصيات عوض سبر غور أعماقها على نحو بعيد عن التقليد.

ضعيف ★ وسط ★★ جيد ★★★
ممتاز ★★★★ تحفة ★★★★★


مقالات ذات صلة

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.