«سوبيا»... مشروبات تاريخية على مائدة الإفطار في السعودية

تتصدر القائمة إلى جانب التمر هندي والكركديه

محل كلاي في جدة يشهد إقبالاً كبيراً قبل غروب الشمس (الشرق الأوسط)
محل كلاي في جدة يشهد إقبالاً كبيراً قبل غروب الشمس (الشرق الأوسط)
TT

«سوبيا»... مشروبات تاريخية على مائدة الإفطار في السعودية

محل كلاي في جدة يشهد إقبالاً كبيراً قبل غروب الشمس (الشرق الأوسط)
محل كلاي في جدة يشهد إقبالاً كبيراً قبل غروب الشمس (الشرق الأوسط)

في شهر رمضان تتغير البوصلة الغذائية لدى المجتمع السعودي في مختلف مدنه، ويكون التغير مرتبطاً بذكريات وحنيناً للماضي الذي جاد بمأكولات ومشروبات تزين بها السفر الرمضانية قبل عشرات السنين وتحمل طابعاً خاصاً في الشهر المبارك.
ومن المشروبات التي تلقى رواجاً على مدار 30 يوماً، السوبيا بشقيها (الحمراء، والبيضاء) ورغم الاختلاف على مرجعها إلا أنها تظل سيدة السفرة الرمضانية المكية حيث يعتبر المشروب الشعبي الأول لأهالي منطقة مكة والمدينة، فيما يأتي عصير «التمر هندي، والقمر الدين، وعرقسوس والكركديه» من المشروبات التي تشهد كذلك إقبالاً عليها وتقدم على المائدة باردة لتروي عطش الصائم بعد يوم حافل من العمل.
واختلف تقديم هذه العصائر مع التغيرات والتقدم، إذ كانت تباع في «أكياس» وبمقدار يحدده البائع وكان سعرها لا يتجاوز الريالين فما أن يهل رمضان حتى ينتشر باعة السوبيا في عدد من الأحياء والطرقات طيلة الشهر المبارك، ويعمد باعتها على وضع كميات من الثلج على الأكياس المعدة للبيع كي تكون باردة وحتى لا تتلف بفعل الحرارة.
ويقول خالد ناجي الذي يعمل في إعداد السوبيا منذ قرابة الـ40 عاماً إن الطلب المتزايد على المشروب الرمضاني بات بازدياد في الوقت الحالي مع معرفة الناس به، مشيراً إلى أن بدايته كانت في صناعة السوبيا مع والده خلاله عمله مع الشيخ محمد وجيه بازرعه والملقب بـ«كلاي» (رحمه الله).
وبين ناجي أن «كلاي» يعد من أقدم صانعي المشروب الرمضاني «السوبيا» في جدة حيث عمل بها منذ قرابة الـ6 عقود من الزمن، مشيراً إلى أنه (أي كلاي) كان يبيع السوبيا بأكياس في سوق باب مكة، قبل أن يقوم بافتتاح محله لإعداد وبيع مشروب السوبيا في المنطقة التاريخية قبل 38 عاماً، منوهاً بأنه منذ تلك اللحظة بات المشروب الرمضاني متاحاً للجميع طوال أيام السنة.
وأشار ناجي إلى تعلم صناعة السوبيا أثناء مرافقته لوالده «رحمه الله» وهو في عمر مبكر لا يتجاوز الـ11 عاماً قبل أن تصبح مهنته الحالية.
وأكد أن تحضير السوبيا تتطلب 24 ساعة للتخمر وفي اليوم الثاني تتم تصفيتها ووضع الثلج عليها قبل طرحها في منفذ البيع، وعن طريقة تحضيرها قال: «نضع الشعير والسكر والقرفة والهيل في برميل واحد ونغلق عليه ليوم كامل، وفي اليوم التالي نضع الثلج في الفترة الصباحية ونصفيها بالشاش قبل وضعها في عبوات من لتر ونصف ثم نضعها في الثلاجة لتبرد لبيعها». مبيناً أن قيمة عبوة السوبيا ذات لتر ونصف لا تتجاوز الـ10 ريالات.

                                                                  إقبال شبابي على السوبيا (الشرق الأوسط)

وأشار إلى أن «شهر رمضان يعد الموسم الخاص بالسوبيا حيث يتزايد الطلب على المنتج الذي يكاد لا يخلو بيت في جدة أو في مكة والمدينة منه خلال شهر رمضان». منوهاً: «الساعة الثانية عشرة ظهراً يتم طرح المشروب الرمضاني في منفذ البيع وبعد ساعتين فقط يتم الانتهاء من بيع المخزون اليومي المحدد قبل الإفطار فيما يتبقى الجزء المعد للفترة المسائية لطرحه بمنفذ البيع أمام المحل لزوار المنطقة التاريخية».
وأوضح ناجي: «ما يميز السوبيا من محل إلى آخر هي طريقة الإعداد والتصفية والإضافات من نكهات، وهناك أسماء متعددة وباتت معروفة في إعداد المشروب الرمضاني إلى جانب تلك الأسماء التي يعود تاريخ وجودها منذ عقود من الزمن».
وتشير العديد من الكتب التاريخية إلى أن ظهور مشروب السوبيا كان في آخر الدولة الأيوبية وبداية عصر المماليك، أي منذ قرابة الـ800 عام، فقد كان يتم تحضيرها بالقليل من الدقيق الأبيض وجوز الهند والسكر والماء.
وانتقل مشروب «السوبيا» إلى جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة، وحملت اللمسة السعودية؛ حيث تصنع من الشعير أو الخبز المجفف أو الشوفان أو الزبيب وتضاف لهذه المكونات بعد تصفيتها مقادير من السكر وحب الهال والقرفة، ويضاف الثلج لها وتقدم بألوان مختلفة، فيما تتميز السوبيا باحتوائها على العديد من العناصر الغذائية المفيدة للجسم بحسب الأنباء المتداولة، حيث تعمل على تقليل الشعور بالعطش أثناء الصيام، وتحتوي على العديد من الفيتامينات المفيدة لتقوية الجهاز المناعي والتخلص من آلام القولون وتسهيل عملية الهضم.
وبالعودة للمشروبات المنافسة للسوبيا، يأتي عصير «التمر هندي» في المرتبة الثانية لما يحتويه من مكونات ويعود أصله للهند وشرق أفريقيا، وفي عصر المماليك، ارتبط هذا المشروب برمضان لقدرته على التخفيف من حدة العطش، وظل التمر الهندي أحد المشروبات الرمضانية.
فيما يصنع قمر الدين من شرائح فاكهة عن طريق تجفيف عصير تلك الثمار، ثم سكبه في صحون كبيرة ويترك ليجف في الشمس ثم يقطع إلى قطع مستطيلة أو مربعة، ويصنع المشروب بنقع قمر الدين في الماء المغلي لمدة ساعة تقريباً قبل أن يتم وضعه في خلاط ويضاف إليه السكر حتى يذوب ويصب في الأكواب ليقدم على المائدة الرمضانية.



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.