إيران تسلم «ملف العراق» لوريث سليماني

السفير الجديد «متشدد يعارض مشروع الصدر»

إيران تسلم «ملف العراق» لوريث سليماني
TT

إيران تسلم «ملف العراق» لوريث سليماني

إيران تسلم «ملف العراق» لوريث سليماني

سفيران جديدان لأميركا وإيران في العراق. كلاهما جاء من خلفية استخبارية وعسكرية، وانخرطا في أزمات المنطقة بمستويات متباينة. فما الذي يعنيه هذا لبلد معطل سياسياً، يعجز عن تشكيل حكومة جديدة منذ انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؟
فطهران أعلنت تعيين محمد كاظم آل صادق سفيراً في بغداد، بدلاً من زميله السابق إيرج مسجدي. وبحسب دبلوماسيين عراقيين، فإن هذا التغيير «لا علاقة له بأزمة تشكيل الحكومة»، لكن كواليس الفاعلين الشيعة ترشح ما يخالف هذا.
أما في واشنطن، فقد استمعت لجنة العلاقات الخارجية، مطلع الشهر الحالي، إلى شهادة السفيرة الجديدة، إلينا رومانوسكي، وكان أبرز ما فيها وصف العراق بـ«حجر الزاوية»، وتحذيرها من نفوذ الفصائل المسلحة.
رومانوسكي، التي أنهت مهمتها سفيرةً في الكويت، في طريقها إلى بغداد بخبرة طويلة في وزارة الدفاع الأميركية ووكالة الـ«سي آي آيه»، وبدوافع لإعادة رسم قواعد الاشتباك مع الإيرانيين، الذين أرسلوا السفير محمد كاظم، ينتظرها في بغداد.
لكن قصة السفير الإيراني لافتة أكثر من نظيرته الأميركية، فسيرته الذاتية خلال السنوات العشر الماضية تفضح ديناميكية الحرس الثوري الإيراني في العراق، ورغبة المرشد الإيراني (علي خامنئي) في معالجة الارتباك الذي لم ينجح فيه إسماعيل قاآني، قائد «فيلق القدس» (الذراع الخارجية للحرس الثوري)، والسفير السابق مسجدي.
محمد كاظم آل صادق من مواليد النجف، ينحدر من عائلة إيرانية - عراقية معروفة بالتزامها الدراسة «الحوزوية»، ربطتها صلات «دراسية» بالعائلات الدينية البارزة خلال سبعينات القرن الماضي، قبل أن يهاجر شقيقه الأكبر، محمد رضا آل صادق إلى إيران مطلع الثمانينات.
الشقيق الأكبر انخرط في كتابة الشعر، وواصل دراسته الدينية في حوزة «قم»، لكن السفير الجديد وجد طريقه إلى مؤسسة الحرس الثوري الإيراني، لينتهي إلى دور فعال في العراق بوصفه أحد أهم الرجال الذين يرافقون الجنرال قاسم سليماني خلال زياراته للبلاد، وقد تبدو إجادته اللهجة العراقية واحدة من أهم مزاياه ليكون رفيقاً لسليماني، لكن علاقاته المتجذرة مع قادة الأحزاب الشيعية جعلته ضالعاً في مسائل عُقدية في الأزمة العراقية، وهيأت له الأجواء ليكون خليفة سليماني المحتمل في المنطقة.
وانتقل العراق، بوصفه ملفاً إيرانياً استراتيجياً، خلال السنوات الماضية بين جهازي الاستطلاعات والحرس الثوري الإيراني، وبذلك الانتقال ناورت طهران بين الإدارة الناعمة بالتزام قواعد الاشتباك، وبين ضرورات الحماية المباشرة لنفوذها في البلاد، وغالباً ما كانت الكفة تميل للحرس الثوري.
وليست ميزة أن تعين إيران عضواً في الحرس الثوري الإيراني، فكل السفراء الذين عيّنتهم إيران في السنوات الماضية كانوا من هذه المؤسسة التي تنشط في بلدان عدة من الشرق الأوسط، لكن شخصية محمد كاظم قد تكون سبباً لتعتقد إيران بأنه سيصنع فارقاً في المعادلة العراقية.
وسألت «الشرق الأوسط» شخصية عراقية مقربة من السفير الجديد منذ 15 عاماً، عما إذا كان تعيينه سيمثل نقطة تحول في السياسية الإيرانية؟ فقال، إن «الهدف هو المزيد من التنظيم لجهود مكتب المرشد؛ ما يعني أن الرجل تسلم رسمياً الملف العراقي».
لكن الشخصية المقربة أضاءت جوانب من شخصية السفير آل صادق، وقال، إنه «معتاد على أن يكون فعالاً في الكواليس، يتصرف بغموض وارتياب، ولا يتمتع بمهارات دبلوماسية»، وأضاف «من يجالسه يشعر بالضيق من طريقة كلامه، وآراءه المتشددة».
سياسياً، سيحاول آل صادق منع زعيم التيار الصدري من تشكيل حكومة تقصي قوى الإطار التنسيقي، ويبدو أن أفضل شخصيتين تراهنان على رجل الحرس الجديد هما زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، وزعيم منظمة بدر، هادي العامري، اللذان تربطهما علاقة ودية مع السفير آل صادق.
ويبدو أن المهمة الأساسية للسفير الجديد ستتركز على إبقاء النفوذ الإيراني قوياً ومتعاظماً في الحكومة المركزية ببغداد، فضلاً عن بقاء المسرح العراقي فعالاً في ضمان الإمدادات المالية واللوجيستية والعسكرية بين مناطق النفوذ الأخرى، في دمشق وبيروت. يقول مصدر مطلع من الإطار التنسيقي، إن تعيين آل صادق سيقدم أنموذجاً إدارياً مختلفاً لتنفيذ السياسة الإيرانية، وقد يؤثر هذا كثيراً على مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة.



إيران تلمح لإمكانية التخلي عن السلاح النووي بشروط

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
TT

إيران تلمح لإمكانية التخلي عن السلاح النووي بشروط

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

في حين كانت إيران تُصعد ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ألمحت إلى إمكانية التفاوض بشروط مختلفة مع الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترمب.

وتبنّت الوكالة الدولية، الخميس الماضي، قراراً ينتقد طهران بسبب عدم تعاونها بما يكفي في إطار برنامجها النووي.

وقال علي لاريجاني، مستشار المرشد علي خامنئي: «إن إيران وأميركا دخلتا في وضع جديد فيما يتعلق بالملف النووي»، وأضاف في منشور على منصة «إكس»: «إن الإدارة الأميركية الجديدة إذا أرادت ألا تمتلك طهران سلاحاً نووياً فعليها قبول شروطنا، مثل تعويض الخسائر، ومنح امتيازات أخرى للوصول إلى اتفاق جديد».

وأوضح لاريجاني، أن «أميركا ألغت الاتفاق السابق وخرجت منه، وبهذا تسببت في خسائر لإيران». وأضاف أن «إيران بدأت تخصيب اليورانيوم، ورفعت درجة نقاوته إلى أكثر من 60 في المائة».

علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي (وسائل إعلام مقربة من «حزب الله»)

وتنص «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي، على تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على طهران مقابل ضمانات بعدم سعيها لتطوير أسلحة نووية، لكن الاتفاق تراجع تدريجياً بعد انسحاب الولايات المتحدة منه أحادياً عام 2018، في ظل رئاسة دونالد ترمب، الذي أعاد فرض عقوبات شديدة على طهران.

وردّاً على ذلك، زادت إيران مخزوناتها من اليورانيوم عالي التخصيب بشكل كبير، ورفعت عتبة التخصيب إلى 60 في المائة، لتقترب بذلك من نسبة الـ90 في المائة اللازمة لصنع قنبلة نووية. وقد حدّدت «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي فشلت مفاوضات في إحيائها عام 2022، معدل التخصيب الأقصى عند 3.67 في المائة.

ومنذ عام 2021، قيَّدت إيران تعاونها مع الوكالة بشكل كبير، فقامت بفصل كاميرات مراقبة، وسحبت اعتماد مفتشين ذوي خبرة.

في الوقت نفسه، يواصل برنامجها النووي اكتساب الزخم، الأمر الذي يُثير قلق المجتمع الدولي، رغم إنكار طهران رغبتها في تطوير قنبلة نووية.

وأخيراً، صعَّدت إيران مواجهتَها ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ أعلنت أنَّها ستضع في الخدمة مجموعة من أجهزة الطرد المركزي «الجديدة والمتطورة»، وذلك ردّاً على قرار الوكالة الدولية.

وتستخدم أجهزة الطرد المركزي في تخصيب اليورانيوم المحوّل إلى غاز، من خلال تدويره بسرعة كبيرة، ما يسمح بزيادة نسبة المادة الانشطارية «يو-235» لاستخدامات عدة.

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

أقوال غروسي... وأفعاله

وما إن صدر القرار، ظهرت تلميحات في طهران بشأن «دور مزدوج» لمدير الوكالة الدولية رافاييل غروسي، إذ قال رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إبراهيم عزيزي: «إن ما قاله في طهران لا يتطابق مع أفعاله في فيينا».

ونقلت وكالة «مهر» الحكومية عن عزيزي: «على غروسي أن يضع جانباً التناقض في خطابه في طهران وفيينا، وأن تكون تصريحاته في طهران متسقة مع تصريحاته في فيينا، وهذه المعاملة المزدوجة غير مناسبة».

وأشار عزيزي إلى أن «الوكالة الدولية طلبت في قرارها الأخير الامتناع عن إنتاج الأسلحة النووية. ورداً على ذلك، ينبغي القول إن إيران أعلنت منذ سنوات أنها ليس لديها أي خطط لإنتاج أسلحة نووية».

وأضاف عزيزي: «رغم أننا نتحرك دائماً على أساس مصالح الأمن القومي، فإن الأمر الواضح هو أن إيران لم تسعَ مطلقاً إلى امتلاك الأسلحة النووية خلال هذه السنوات، وهو ما يُظهر في حد ذاته عبثية هذا القرار».

وجاء قرار الوكالة الأخير في سياق خاص، مع وجود فجوة بين الموقف الغربي وموقف رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي.

وخلال زيارته إلى إيران، حصل غروسي من طهران على موافقة لبدء الاستعدادات لوقف توسيع مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب.

صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها رافاييل غروسي في مستهل اجتماعها الفصلي في فيينا

اليورانيوم عالي التخصيب

وخلافاً لما يقوله عزيزي، الذي نفى خطط إنتاج السلاح النووي، فإن طهران لم تكن ترغب أساساً في تجميد تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة.

وتُقدِّر الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إنتاج سلاح نووي واحد يتطلب نحو 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة نقاء 60 في المائة، إذا جرى تخصيبه لاحقاً إلى درجة نقاء 90 في المائة.

وقال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمال وندي: «إنه كان من المقرر أن يأتي المفتشون فور انتهاء اجتماع مجلس المحافظين لتقييم قدراتنا، مع بقاء تلك القدرات لمدة شهر دون أي توقف في التخصيب بنسبة نقاء 60 في المائة».

ونقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن كمال وندي أن «الضغوط الناجمة عن قرار الوكالة الدولية تأتي بنتائج عكسية، أي أنها تزيد من قدرتنا على التخصيب».

وأضاف كمال وندي: «حالياً، ليس فقط أننا لم نوقف التخصيب، بل لدينا أوامر بزيادة السرعة، والعمل جارٍ على ذلك تدريجياً».