«الميتافيرس» الصيني... مستقبل واعد لأجيال التواصل الاجتماعي

وسائل التطوير ومراكز الحوسبة الخارقة ستدعم النمو الاقتصادي وتجتذب المواهب

«الميتافيرس» الصيني... مستقبل واعد لأجيال التواصل الاجتماعي
TT

«الميتافيرس» الصيني... مستقبل واعد لأجيال التواصل الاجتماعي

«الميتافيرس» الصيني... مستقبل واعد لأجيال التواصل الاجتماعي

تعدّدت توصيفات «الميتافيرس» منذ ظهوره، وأبرزها وصفه بأنه الثورة المقبلة في عالم التواصل الاجتماعي، وبأنه التصميم الذي سيكون خطيراً، وأنه يمثل مستقبل الإنترنت، إضافةً إلى اعتباره فرصة تجارية غير مسبوقة. لا شكّ في أنّ هذه التوصيفات ستتغيّر باستمرار، ولكنّ الشيء الوحيد الأكيد في الميتافيرس، سواء كان المستقبل فعلاً أم مجرّد موضة عابرة، هو أنّ الصين لن تفوّت فرصة تشكيل هذه البيئة الجديدة.

{ميتافيرس صيني}
وها نحن نشهد اليوم على ولادة ميتافيرس بمواصفات صينية قد يتحوّل في نهاية المطاف إلى سوق بقيمة 8 تريليونات دولار.
يستثمر اللاعبون الصينيون أموالهم اليوم في عوالم افتراضية بسرعة توازي تلك التي يتمتّع بها وادي السيليكون. فقد جمعت هذه العوالم 16 ألف طلب لعلامات تجارية مرتبطة بالميتافيرس، بالإضافة إلى استثمارات عمالقة التقنية في البرامج والأجهزة والبنى التحتية الأساسية المطلوبة لبناء الميتافيرس. وقد أعلنت شركة «تينسنت» مثلاً عن مشروع استثماري مشترك مع منصّة «روبلوكس» عام 2019، وهي تعمل منذ ذلك الوقت على تأسيس محفظة قوية عن الميتافيرس تغطي كلّ شيء من التواصل الاجتماعي إلى ألعاب الفيديو والحوسبة السحابية. بدورها، عمدت شركة «علي بابا» إلى الاستثمار في الواقعين المعزز والافتراضي منذ عام 2016، بينما أطلقت «بيدو» عالم «تشي رانغ» الافتراضي، وعزّزت «بايت دانس» قدراتها في تطوير وصناعة الأجهزة والأدوات الخاصة بالميتافيرس بالإضافة إلى استحواذها على «بيكو»، صانعة إكسسوارات الرأس المعزز بتقنية الواقع الافتراضي. وهذا ليس إلّا بعض أمثلة صينية كثيرة تستكشف الفرص التي يخبّئها هذا العالم الجديد.
ولكنّ موقف بكين من فكرة الميتافيرس لا يزال غامضاً؛ فعلى الرغم من وجود إشارات متوجسة ولجان تابعة للحكومة تحذّر من مخاطره على الأمن القومي، يرى القادة الصينيون في الميتافيرس تقنية مبتكرة تستحق الدّعم. وكما هو الحال غالباً في الصين، تحصل التجارب المهمّة في البلاد على المستوى الحكومي. ففي أواخر 2021، وليس بعد مضيّ وقتٍ طويل على تغيير اسم فيسبوك إلى «ميتا»، أعلنت حكومة شانغهاي أنّ الميتافيرس سيكون جزءاً من «خطة السنوات الخمس» الرابعة عشرة لتطوير صناعة المعلومات الإلكترونية، وواحداً من أربعة مجالات جديدة للاستكشاف. بعدها، سارعت أربع حكومات محلية أخرى منها مقاطعتا ووهان وخبي إلى الالتحاق بشانغهاي، وتعكف بلديات كثيرة أيضاً على تنظيم ندوات ومناقشات تتمحور حول تطوير الميتافيرس.
يُجمع الخبراء على أنّ المكاسب التي سيعود بها دعم فكرة الميتافيرس الصيني ستكون أكبر بكثير من المخاطر على اختلافها، خصوصاً أنّ تطوير البنى التحتية الضرورية للميتافيرس، كتكتّلات التطوير ومراكز الحوسبة الخارقة، سيكون له تأثيرات توسعية تطال صناعات محلية أخرى، بالإضافة إلى دعم النمو الاقتصادي وجذب المواهب –وكلّ هذا سيحصل في ميتافيرس ستبنيه الصين وفقاً لشروطها بدل السماح للآخرين بالسيطرة عليه.

جيل افتراضي جديد

تسير الأمور في هذا المجال بسرعة كبيرة لأنّ الميتافيرس طوّر علاقة وطيدة مع المستهلكين الشباب في الصين. ولكنّ هذا الأمر ليس جديداً لأنّ جميع مكوّنات هذا العالم الافتراضي كانت حاضرة في البلاد قبل ظهور تطبيقاته الرسمية، فضلاً عن أنّ مبادئ العالم الرقمي والاتصالات تحظى بقبول واسع هناك لأنّ معظم النشاطات اليومية باتت مدعومة بالتقنية.
حقّقت تطبيقات مثل«كيو كيو شو QQ Show» المصمّم لصناعة الشخصيات الافتراضية من تطوير شركة «تنسينت»، نجاحاً هائلاً في بداية الألفية. استمتع الجيل الجديد حينذاك بفكرة تبديل ملابس الشخصيات الافتراضية، ولكنّه نبذ هذه المنصة وأسلوبها بعد ظهور شبكات اجتماعية أخرى ذات تصاميم بسيطة و«ملفات شخصية حقيقية» بعد عام 2010. أمّا اليوم، فقد تكيّفت تطبيقات تصميم الشخصيات الافتراضية الثلاثية الأبعاد كـ«زيبيتو Zepeto» و«تاو باو لايف Taobao Life» مع هذا الأمر ومنحت المستهلكين فرصة للتعبير عن أنفسهم بطريقة مبتكرة، وللانضمام إلى مجموعة أكبر تتفق مع اهتماماتهم وعاداتهم. يدلُّ هذا الأمر على أنّ الحياة والهوية الافتراضيتين بالنسبة للكثير من المستهلكين الصينيين في الميتافيرس هي مرحلة تطورية طبيعية للاتصال بأقرانهم.
يشكّل تطبيق «زيلي Zheli» حالة مثيرة للاهتمام أيضاً بعد أن تفوّق أخيراً على تطبيق التواصل الاجتماعي «وي تشات» كأكثر التطبيقات تحميلاً في متجر التطبيقات الصينية. يقدّم الأوّل تجربة اجتماعية حميمة تتيح للمستخدم الاتصال بخمسين صديقاً فقط، وتقدّم له تصميمات عصرية للشخصيات نجحت في أَسْر قلوب المستخدمين الشباب.
يعد تطبيق «سول Soul» الاجتماعي المرتبط بالميتافيرس أيضاً مثالاً أخر، إذ يستخدم هذا التطبيق خوارزمية للاتصال بمستخدميه عن طريق اهتماماتهم وهواياتهم المشتركة. يحقّق «سول» توازناً حذراً بين حرية الهوية الافتراضية والإثارة التي تولّدها العلاقات الحقيقية من خلال مزايا عدّة كمحادثات الفيديو المدعومة بالواقع المعزز والاتصالات الصوتية المدعومة بوظائف مشابهة.
احترم تطبيق «سول» حقيقة أنّ الجيل الصيني الجديد منفتح ومحب للاطلاع ومبدع، وعزّز منصته بثقافات فرعية تتنوّع بين الـ«غوفينغ» (الجماليات الصينية التقليدية) والموجة اليابانية الجديدة في السينما، خصوصاً أنّ الشباب يُبدون حماسة كبيرة لبناء علاقات أعمق من خلال مواضيع مثيرة وإبداعية في العوالم الافتراضية اللانهائية.

مواصفات صينية
يختلف الميتافيرس الصيني عن غيره بعامل جوهري هو السيطرة الحكومية والرقابة السياسية وفق استراتيجية تنظيمية لم تُحدّد بعد –ما يضع الشركات الصينية في حالة من الحذر بعد عامٍ من الضوابط التنظيمية التي تستهدف التقنيات التعليمية، وألعاب الأطفال الإلكترونية، وحماية البيانات الشخصية، والعملات المشفّرة، والاحتكارات التقنية في إطار تحوّل الحكومة إلى ما يُسمّى «الازدهار العام». تُمنع في الصين مثلاً تجارة الرموز غير القابلة للاستبدال (يُسمح بجمعها فقط) واستخدام العملات المشفّرة. ففي ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، اضطرّت منصة «روبلوكس» إلى إيقاف عملها في الصين وسط توقعات بأنّها تحتاج إلى المزيد من الوقت للحصول على الضوء الأخضر التنظيمي.
توجد أيضاً عوامل أخرى يختلف فيها الميتافيرس الصيني. فبينما يركّز معظم الاستكشافات داخل الميتافيرس على البصريات، تقدّم الصوتيات فرصة مهمّة لتطوير الاختلاط الاجتماعي. تلعب مزايا التدفّق الحي والمحتوى الصوتي الذي يصنعه المستخدمون والذي يسهم في تعزيز الصداقات وبناء المجموعات، الدور الأكبر في عودة المستخدمين إلى الميتافيرس الصيني، وأبرزها تطبيق الغناء «وي سينغ»، وعملاق المدونات الصوتية والكتب الصوتية «هيمالايا إف إم». ويركّز معظم التطبيقات الغربية على الوظائف التي تهمّ المستخدمين، بينما تستثمر التطبيقات الصينية رغبة المستهلك في التواصل البشري؛ فحتّى عندما يتواصل النّاس باستخدام شخصيات افتراضية أو شاشات، يضفي الصوت البشري نوعاً من الأنسنة أو الأصالة لأنّه يعطي لمحة عن شخصية الفرد ويشعل مخيلة المستخدم، ما يؤدّي إلى نشأة علاقات أعمق. وفي دولة يشيع فيها الهوس بالتدفّق الحي والصداقة، يستطيع الميتافيرس المدعوم بالصوتيات أن يحقّق توازناً مؤثراً بين مجهولية الهوية والابتكار والأصالة.
مع الإقبال على المزيد من الاندماج بين العالمين الافتراضي والحقيقي، يمكنكم أن تتخيّلوا مثلاً زوجين يستمتعان بجولة تبضّع في منزلهما في الميتافيرس، حيث يستطيعان التبضّع بناءً على تجربتهما المفضّلة في نزهة هادئة في ممرات سوبرماركت حيوي التصميم أو في متجر ذي طابع سيبراني غير مألوف لبيع المنتجات الرقمية المحدودة الإصدار. ولكنّ الفكرة الأساسية هي أنّ المستهلكين ليسوا مهتمين بنسخة ميتافيرس لإعلان منتج ما، بل يتدفّقون إلى الميتافيرس للتواصل مع البشر، لذا على العلامات التجارية ابتكار قيمة حقيقية تحسّن حياة المستهلكين –مع التركيز على الثقافات الفرعية الكثيرة والصيحات والاختلافات بين الريف والمدينة، والتجارب الفريدة.
يشهد الميتافيرس نمواً سريعاً في الصين ويبدو أنّ الشباب الصيني يحبّ هذه العوالم ويضعها في خانة التطوّر الطبيعي، ما يمنحه حريات جديدة ووسائل للتعبير عن نفسه ببناء علاقات اجتماعية حميمة.
* «ذا ديبلومات»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

ما خصائص «البحث بالوقت الفعلي» في «تشات جي بي تي»؟

تكنولوجيا لدى خدمة «ChatGPT Plus» التي تعتمد على الاشتراك نحو 7.7 مليون مستخدم على مستوى العالم (أدوبي)

ما خصائص «البحث بالوقت الفعلي» في «تشات جي بي تي»؟

تشكل الخاصية الجديدة نقلة في كيفية التفاعل مع المعلومات عبر إجابات أكثر ذكاءً وسرعة مع سياق الأسئلة.

نسيم رمضان (لندن)
خاص جانب من حضور واسع يشهده «بلاك هات» (تصوير: تركي العقيلي)

خاص إشادة دولية بجهود الرياض السيبرانية وتنظيم «بلاك هات»

معرض «بلاك هات» يحصد اهتماماً دبلوماسياً وسيبرانياً وإشادة باستضافة السعودية وتنظيمها الناجح.

غازي الحارثي (الرياض)
خاص «بي واي دي»: نخطط للاستثمار في مبادرات تسويقية وتعليمية لزيادة الوعي بفوائد النقل الكهربائي (BYD)

خاص «بي واي دي»... قصة سيارات كهربائية بدأت ببطارية هاتف

من ابتكارات البطاريات الرائدة إلى المنصات المتطورة، تتماشى رؤية «بي واي دي» مع الأهداف العالمية للاستدامة، بما في ذلك «رؤية المملكة 2030».

نسيم رمضان (الصين)
تكنولوجيا «سيبراني» التابعة لـ«أرامكو» الرقمية كشفت عن منتجات تطلق لأول مرة لحماية القطاعات الحساسة (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:27

لحماية الأنظمة محلياً ودولياً... «أرامكو» تطلق لأول مرة منتجات سيبرانية سعودية

أعلنت شركة «سيبراني» إحدى شركات «أرامكو» الرقمية عن إطلاق 4 منتجات سعودية مخصّصة لعوالم الأمن السيبراني.

غازي الحارثي (الرياض)
تكنولوجيا يبرز نجاح «أكوا بوت» الإمكانات التحويلية للجمع بين الأجهزة المتطورة والبرامج الذكية (أكوا بوت)

روبوت يسبح تحت الماء بشكل مستقل مستخدماً الذكاء الاصطناعي

الروبوت «أكوا بوت»، الذي طوّره باحثون في جامعة كولومبيا، قادر على تنفيذ مجموعة متنوعة من المهام تحت الماء بشكل مستقل.

نسيم رمضان (لندن)

ابتكار سعودي لتحسين محطات معالجة مياه الصرف الصحي باستخدام النانو تكنولوجي

غدير البلوي أثناء تسلمها جائزة «الإبداع والابتكار في استدامة المياه» (الشرق الأوسط)
غدير البلوي أثناء تسلمها جائزة «الإبداع والابتكار في استدامة المياه» (الشرق الأوسط)
TT

ابتكار سعودي لتحسين محطات معالجة مياه الصرف الصحي باستخدام النانو تكنولوجي

غدير البلوي أثناء تسلمها جائزة «الإبداع والابتكار في استدامة المياه» (الشرق الأوسط)
غدير البلوي أثناء تسلمها جائزة «الإبداع والابتكار في استدامة المياه» (الشرق الأوسط)

في خطوة علمية مبتكرة، قدمت غدير البلوي، أستاذة مساعدة في جامعة تبوك بقسم الكيمياء، بحثاً رائداً في معالجة مياه الصرف الصحي باستخدام تقنيات النانو تكنولوجي، وهو البحث الذي فازت من خلاله بجائزة «الإبداع والابتكار في استدامة المياه»، في نسخته الثالثة.

وتعتمد التقنية التي اقترحتها الباحثة على استخدام تقنيات النانو تكنولوجي بديلاً عن الطرق التقليدية المستخدمة في محطات التحلية، التي ترتكز عادة على استخدام طاقة عالية وضغط مرتفع. وما يميز هذا الابتكار أنه لا يتطلب ضغطاً مرتفعاً أو درجات حرارة عالية، مما يقلل من تكلفة عملية التحلية بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، يتم تقليل وقت المعالجة إلى 4 ساعات فقط، مما يزيد من كفاءة العملية. كما يمكن أيضاً استخدام المياه المحلاة لري الأراضي أو في تطبيقات أخرى، ما يعزز من الاستدامة البيئية.

وإحدى أبرز مزايا هذه التقنية أنها صديقة للبيئة. إذ تستخدم البلوي مواد أكسدة صديقة للبيئة، مثل الهيدروجين بيروكسيد الذي عند تحليله ينتج أكسجين وكربون دايكسايد وماء، دون إنتاج مواد ضارة أو مسببة للأمراض مثل الكلور. وهذا يمثل إضافة كبيرة في معالجة مياه الصرف بشكل آمن وصحي.

وفيما يخص الجانب الاقتصادي، قالت غدير إن مشروعها يتمتع بمزايا اقتصادية كبيرة، حيث يتم خفض التكاليف بفضل استخدام الطاقة المنخفضة والوقت القصير. بالإضافة إلى ذلك، يعد هذا الابتكار خطوة نحو الاستفادة من الموارد المحلية في معالجة المياه، وهو ما يتماشى مع «رؤية 2023» في تعزيز الاستدامة البيئية وتطوير الحلول التقنية محلياً.

وتأمل البلوي في أن يتم تحويل هذا الابتكار إلى منتج صناعي يُستخدم بمحطات التحلية في المملكة، إذ يتم العمل حالياً على «تشجير الفكرة إلى منتج» بالتعاون مع الخبراء والشركات المتخصصة في هذا المجال.

وتتميز تقنية (WHPCO) بمزايا كثيرة، أبرزها قدرتها على إزالة الملوثات العضوية المقاومة، مثل المركبات العطرية، وإنتاج منتجات ثانوية غير ضارة مثل الماء وثاني أكسيد الكربون. كما أن هذه التقنية تسهم في تقليل أوقات المعالجة وتخفيف كمية الحمأة الناتجة، مما يحسن كفاءة الطاقة، ويخفض من التكاليف التشغيلية لمحطات المعالجة.

ومن خلال تنفيذ هذه التقنية، يمكن للمملكة العربية السعودية تحسين جودة مياه الصرف الصحي وجعلها أكثر ملائمة لإعادة الاستخدام في مختلف القطاعات مثل الزراعة والصناعة، وحتى في مياه الشرب. كما أن هذه التقنية تسهم في تحقيق أهداف الاستدامة التي تتبناها المملكة ضمن «رؤية 2030»، خصوصاً في مجالات إدارة المياه والحد من تأثيرات التغير المناخي.