تشهد الأيام الأخيرة من شهر شعبان حتى انقضاء الأيام الأولى من عيد الفطر المبارك، ارتفاعاً غير مسبوق في حجم الإنفاق بين الأسر السعودية مقارنة بباقي الأشهر في العام ذاته، وذلك في ثلاثة مسارات رئيسية تشمل الأطعمة، الملبوسات والأحذية، وما يعرف لدى السعوديين بـ«العيدية».
وتتصدر قطاعات الأطعمة والمشروبات القائمة بأعلى إنفاق يقدر بنحو 10 مليارات ريال، بواقع إنفاق يتجاوز 600 ريال لكل أسرة، إلا أن هذه الأرقام مرشحة للزيادة مع انتشار الخيم الرمضانية التي يقبل عليها السعوديون، وشراء الوجبات الجاهزة من المطاعم، إضافة إلى ما يجري إنفاقه في الأيام الأخيرة من رمضان وأول أيام العيد، فيما ترتفع العمليات المنفذة عبر أجهزة نقاط البيع لتصل إلى ذروتها مع نهاية شهر رمضان.
وتنعكس هذه الحركة التجارية على قطاع التجزئة، الذي يصنف ثاني أكبر قطاع مساهم في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بواقع 298 مليار ريال (79.2 مليار دولار)، فيما يشمل القطاع أكثر من 420 نشاطاً يتصدرها «الأطعمة والمشروبات، والمركبات وما يدخل في نطاقها، والملابس والهدايا والعطور ومستحضرات التجميل» من حجم الإنفاق خلال الأيام الأولى من رمضان وفي العشر الأواخر من الشهر.
وكشفت جولة لـ«الشرق الأوسط» في العديد من المجمعات والمراكز التجارية انتشاراً واضحاً للعروض الترويجية لكافة الأصناف من الأطعمة والعديد من المستلزمات، تقابله تخفيضات وعروض قطعة بأخرى في منافذ بيع الملابس، وهو ما تراه عاملاً إضافياً في ترغيب المستهلك للشراء بكميات تفوق حاجته في كثير من الحالات.
عروض ترويجية في المجمعات والمراكز التجارية (الشرق الأوسط)
وفي حين لا تعرف الأسباب الحقيقية وراء هذا التعطش في الإنفاق بشكل يفوق التوقعات خلال شهر واحد، إلا أن مختصين في الاقتصاد قالوا إن ذلك لا يعدو كونه عاملاً نفسياً في الاقتناء والشراء لمواد محددة، أو ما يعرف لدى السعوديين بـ«مقاضي رمضان»، وفي غالبيتها لا تستهلك إلا بعد انقضاء الشهر، فيما يتوجه كافة السعوديين لشراء ملابسهم (الثوب والشماغ) والملابس الأخرى في هذه الفترة.
وقال طلعت زكي حافظ، الخبير الاقتصادي والمصرفي لـ«الشرق الأوسط»، إنه عادة يتضاعف السلوك الشرائي المجتمعي في السعودية خلال شهر رمضان المبارك، ويساوي قيمة الإنفاق على استهلاك المواد الغذائية والسلع التموينية في رمضان قيمة ثلاثة أشهر من العام، ما يتسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنحو 2.6 في المائة، وذلك بسبب تسارع وتيرة وارتفاع منحنى الطلب على ذلك النوع من السلع.
وتابع، أن ما يضاعف من حجم المشكلة الاختلالات التي تشهدها سلاسل الإمداد من وقت لآخر والأحداث الجيوسياسية، مثال النزاع الحاصل الآن بين روسيا وأوكرانيا، وما قد تتسبب تداعياته في رفع أسعار المواد الغذائية، وبالذات أسعار الحبوب، خصوصاً أن نسبة كبيرة من غذاء العالم من القمح والذرة تأتي من ذلك الشق من العالم.
وأضاف حافظ، أن «منظمة الأغذية والزراعة (فاو) نشرت عن مؤشرات لارتفاع أسعار عدد من المواد الغذائية على مستوى العالم، ما يؤكد أيضاً على أن ارتفاع الأسعار هو من المصدر وليس لأسباب داخلية، خصوصاً أن السعودية لم تعان ولله الحمد من مشاكل تذكر ترتبط بالأمن الغذائي حتى في أصعب الأزمات التي تحل بالعالم من حين لآخر، والتي من بينها أزمة فيروس كورونا المستجد».
وأوضح، أن للهدر الغذائي دوراً كبيراً في ارتفاع الأسعار وعدم الترشيد، إذ يقدر الهدر الغذائي في المملكة بأربعة ملايين و166 ألف طن سنوياً، بتكلفة تقدر بنحو ٤٠ مليار ريال سعودي، وهو ناتج عن عدم تحديد الأوليات حتى في الطعام الذي لا يتوافق مع طبيعة هذا الشهر كونه شهر عبادة وروحانية وتقرب من الله عز وجل بالعبادة والصلاة وقيام الليل وأداء العمرة، والتعامل معه أيضاً كركن من أركان الإسلام الخمسة العظيمة، وليس بالضرورة أنه فقط شهر أكل وشرب، وهو ما يدخل في سياق الإسراف في المأكل والمشرب والمفاخرة الاجتماعية وتدني مستوى ثقافة الشراء، وهو ما يشكل إحدى الإشكاليات، ويتسبب في رفع الأسعار، وبالذات بالنسبة للسلع والمواد الغذائية ذات الطبيعة الموسمية.
وشدد حافظ، على أهمية الشراء وفق قائمة طلبات معدة مسبقاً لتفادي الشراء التلقائي غير المبرر، وعدم اللجوء إلى شراء الكميات الكبيرة التي تفوق احتياجات الأسرة، وبالذات الأسرة الصغيرة، وكذلك الاستفادة من «كوبونات» وقسائم خصومات الشراء للتخفيف من الضغط على الموازنة المالية للأسرة.
إلى ذلك قال مروان الشريف، المختص في الشأن الاقتصادي، إن هذه العمليات من الشراء تُنعش قطاع التجزئة بشكل عام، وهو موسم مهم في تعويض بعض الخسائر، إن وُجدت، في هذه القطاعات من خلال تصريف تلك المواد، التي يطلق عليها «استكات» مع الدفع بالموديلات الحديثة في هذه الفترة، وهذه العملية تنعكس على قطاع التوظيف الذي يعول عليه في احتضان أكبر عدد من الوظائف في المرحلة المقبلة بعد جائحة «كورونا».
وأضاف الشريف، أن هناك صرفاً جانبياً يغفل عنه الكثير، والمتمثل في شراء وجبات أو بعض الحاجيات في شهر رمضان، وإن كان هذا الإنفاق بنسب بسيطة، إلا أنه يدخل ضمن الإنفاق العام والميزانية المفتوحة لعموم المستهلكين الذين ينفقون حسب المعروض وليس وفقاً للحاجة، موضحاً أن ذلك يتطلب حراكاً في نشر ثقافة الاستهلاك المتوازن، الذي لا ينعكس سلباً على نفقات الشهر المرتبط بالأجر.