تتكرر في رمضان كل عام الحوادث المتعلقة بـ«المسحراتي» بسبب حالة الانقسام في المجتمع ما بين من يعتبرونه طقساً من الطقوس المميزة للشهر المبارك المتوارثة من العهد العثماني وبين من يضيقون به ذرعاً لأنه يؤرقهم ويزعجهم في منامهم.
آخر تلك الحوادث وقعت في إسطنبول وتعرض فيها أحد المسحراتية لطلق ناري في الظهر من المحتمل أن يؤدي به للشلل، بحسب ما قال أطباء في مستشفى نقل إليه المسحراتي الشاب، مارت أويجون.
ويرقد أويجون في العناية المركزة في أحد مستشفيات إسطنبول بعد أن أطلق عليه أحد المواطنين الغاضبين النار، قبل فجر (السبت)، أثناء ممارسة عمله وقت السحور، بسبب انزعاجه من صوت الطبلة.
وعينت البلديات في 962 حياً في إسطنبول نحو 3500 مسحراتي للعمل طوال شهر رمضان، كما عينت الولايات الأخرى مسحراتية أيضاً، وهو عمل المقصود منه الحفاظ على ثقافة قرع الطبول المتوارثة منذ الدولة العثمانية، والتي تعد تراثاً شعبياً يرتبط برمضان.
ورغم التقدم الكبير لوسائل التنبيه ودعوات الاستغناء عنه بسبب الإزعاج في ساعات الليل المتأخرة، يحافظ المسحراتي بقوة على وجوده في شوارع تركيا، بل إن الأعوام الأخيرة شهدت اعتناءً كبيراً بإحياء هذا الموروث، ليبقى حيّاً تتناقله الأجيال.
وقبل أيام من شهر رمضان المبارك، تمنح البلديات في تركيا تصاريح لمن يمتهنون مهنة المسحراتي، لإيقاظ الناس من نومهم، فهي ليست مهنة عشوائية يمارسها الناس من تلقاء أنفسهم، بل أصبحت تلقى العناية والتدريب على كثير من الإيقاعات والأشكال المختلفة لاستخدام طبلة المسحراتي.
ورغم حفاظ تركيا على العادات الأصيلة المتوارثة من الحقبة العثمانية، فإن بعض العادات القديمة تواجه انقساماً بشأن التمسُّك بها، على اعتبار أنّها لا تناسب روح العصر. من بينها المسحراتي بطبلته التقليدية، الذي يلقى معارضة متزايدة.
ومع حلول رمضان في كل عام، يتجدّد الجدل بشأن جدوى الإبقاء على المسحراتي، مما اضطر السلطات لمنعه عن العمل في بعض المدن الكبرى، أو بعض الأحياء في تلك المدن، خصوصاً في مدينة إسطنبول، بسبب شكاوى سكان عبروا مراراً عن انزعاجهم من ضجيج طبلته، إلى حد تكرار حوادث إطلاق النار على المسحراتية.
ومهنة المسحراتي في تركيا ليست مهمة عشوائية يمارسها البعض طواعية، إنّما هي وظيفة تشرف عليها البلديات، مثلما تشرف على موائد الرحمن، كما تتسع المهنة الآن للرجال والنساء، وقد جرى الترخيص لبعض السيدات بمزاولتها. ويتمسك كثيرون، لا سيما في الأحياء الصغيرة والتاريخية، بالمسحراتي كتراث يعيدهم إلى الماضي وذكريات الطفولة ويرون فيه نوعاً من «النوستالجيا». ففي حي «أيوب» الشهير وسط إسطنبول، الذي يزخر بالمساجد القديمة، يطل الناس من النوافذ خصيصاً ليشاهدوا المسحراتي يجوب الشوارع الخلفية الهادئة التي لا يقطع صمتها إلا قرع طبلته في ساعات السحر.
ويدافع العاملون في المهنة أيضاً عن المسحراتي قائلين: «يبدي كثيرون انزعاجهم من أصوات طبولنا قرب الفجر، ولكنّ الطبلة التي نحملها في رمضان هي جزء أصيل من تراث هذا البلد».
ويحصل المسحراتي على أُجرَتِه من البلدية ومما يجمعه من سكان الحي الذي يعمل فيه، فينتظر مجيء منتصف رمضان ويوم عيد الفطر، حتى يمر بطبلته من أمام المنازل ليعطيه الناس الهدايا والمال والحلويات، كما يطرق الأبواب في أيام رمضان ليحصل على ما تيسر من مال وطعام.
وتؤكد المصادر التاريخية أن أهل مصر هم أول من عرف المسحراتي لإيقاظ الناس في شهر رمضان بقرع الطبلة، حيث كان المسحراتي ولا يزال، يطوف أزقة المدن والقرى، مردداً أناشيد دينية ومنادياً السكان بأسمائهم، ليستيقظوا لتناول طعام السحور والاستعداد لصلاة الفجر.
«المسحراتي» يقسم الأتراك بين رافض ومؤيد
مهنة لها أصولها العثمانية وتثير انقساماً اجتماعياً
«المسحراتي» يقسم الأتراك بين رافض ومؤيد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة