روسيا تكثف هجومها على شرق أوكرانيا

قتال شوارع في لوغانسك... وزيلينسكي ينتقد تأخر وصول السلاح ويتهم موسكو بـ«تدمير» دونباس

جانب من الدمار في مدينة ماريوبول الساحلية أمس (رويترز)
جانب من الدمار في مدينة ماريوبول الساحلية أمس (رويترز)
TT

روسيا تكثف هجومها على شرق أوكرانيا

جانب من الدمار في مدينة ماريوبول الساحلية أمس (رويترز)
جانب من الدمار في مدينة ماريوبول الساحلية أمس (رويترز)

أعلنت روسيا، أمس، أنها قصفت مئات الأهداف العسكرية الأوكرانية، ودمرت مواقع قيادة بصواريخ أطلقت من الجو، بينما قالت قيادة القوات المسلحة الأوكرانية، إن روسيا بدأت هجوماً جديداً في شرق البلاد، مع زيادة شدة الهجمات في أجزاء من منطقتي دونيتسك وخاركيف. وأضافت أن القوة العسكرية الرئيسية لروسيا، تركز الآن على السيطرة على منطقتي دونيتسك ولوغانسك بالكامل.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان، إن صواريخها دمرت 16 منشأة عسكرية أوكرانية في مناطق خاركيف وزابوريجيا ودونيتسك ودنيبرو وبتروفسك وميكولاييف الساحلية، في جنوب وشرق البلاد. وأضافت أن القوات الجوية شنت ضربات على 108 مناطق تتمركز فيها القوات الأوكرانية، بينما قصفت المدفعية 315 هدفاً عسكرياً أوكرانياً.
وبدأت القوات الروسية عملية عسكرية في منطقة لوغانسك في شرق أوكرانيا، ونقلت وكالة الأنباء الأوكرانية عن بيان للإدارة العسكرية الإقليمية في المنطقة، أن القتال يدور في شوارع مدينة كريمينا. وأضاف: «يمكننا القول إن الهجوم قد بدأ بالفعل، وإن عمليات الإخلاء أصبحت مستحيلة».
- قصف لفيف
وأكدت السلطات الأوكرانية أيضاً أن صواريخ أصابت منشآت عسكرية في لفيف القريبة من الحدود البولندية، بينما يواصل الجيش الروسي محاولة السيطرة الكاملة على ميناء ماريوبول؛ حيث لا يزال بعض المقاتلين الأوكرانيين متحصنين في مصنع «آزوفستال» للصلب، بعد رفضهم الاستسلام.
من جانبه، انتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تأخر وصول السلاح إلى بلاده، قائلاً: «كل تأخير في السلاح، كل تأخير سياسي، هو بمثابة تصريح لروسيا بإزهاق أرواح الأوكرانيين». وحذر زيلينسكي من أن موسكو تستعد لشن عمل عدائي كبير في إقليم دونباس الصناعي «بغرض تدميره بالكامل، مثلما تقوم القوات الروسية بتدمير ماريوبول، فإنهم يرغبون في اجتياح المدن والمجتمعات الأخرى».
وأعاد الجيش الروسي التركيز على منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، مع مواصلة الضربات بعيدة المدى على مناطق أخرى، بما فيها العاصمة كييف ومدينة خاركيف.
في الشرق، أكدت وزارة الدفاع الروسية أن «صواريخ عالية الدقة دمرت مخازن وقود وذخيرة» في بارفينكوف (منطقة إيزيوم) وفي دوبروبيليا غير البعيدة عن دونيتسك. وأعلن الحاكم الأوكراني لمنطقة لوغانسك سيرغي غايداي، أن «قصف المنطقة مستمر». وقال إن بلدة «زولوت أصيبت بشدة اليوم. استهدفوا عمداً مبنى من خمسة طوابق... قُتل شخصان وأصيب خمسة».
- الممرات الإنسانية
وفي هذا السياق، أعلنت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني تعليق الممرات الإنسانية لإجلاء المدنيين من شرق أوكرانيا، في غياب اتفاق مع الجيش الروسي على وقف إطلاق النار.
لكن سيرغي غايداي حض المدنيين مع ذلك على إخلاء المنطقة. وكتب على «فيسبوك»: «هذا الأسبوع سيكون صعباً. قد تكون هذه الفرصة الأخيرة لإنقاذكم» عبر مغادرة مناطق القتال. في خاركيف في شمال شرقي البلاد، قتل 5 أشخاص على الأقل وأصيب 20 في ضربات جوية تسببت في اندلاع حرائق، كما أعلن حاكم المنطقة أوليغ سينيغوبوف.
من جانبه، أفاد زيلينسكي بأنه «في الأيام الأربعة الماضية وحدها، قتل 18 شخصاً وجرح 106» في القصف على هذه المدينة، مندداً بـ«إرهاب متعمد».
وسمع صحافيون من وكالة «الصحافة الفرنسية» في المكان دوي قصف، ورأوا 5 حرائق تنتشر في مناطق سكنية وسط خاركيف. وقالت سفيتلانا بيليغينا (71 عاماً) في تصريح للوكالة لدى تفقّدها شقتها المدمّرة: «اهتز المنزل بكامله... النيران التهمت كل شيء هنا».
من جهته، أعلن رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال أن مدينة ماريوبول الاستراتيجية «لم تسقط»، مؤكداً أن المدافعين عن المدينة ضد الهجوم الروسي «سيقاتلون حتى النهاية». وأضاف في مقابلة بثتها الأحد قناة «إيه بي سي» الأميركية: «لا، المدينة لم تسقط. قواتنا العسكرية وجنودنا ما زالوا هناك. سيقاتلون حتى النهاية. بينما أتحدث إليكم، ما زالوا في ماريوبول».
- مجمع «آزوفستال»
وكانت موسكو قد طلبت من آخر المقاتلين الأوكرانيين المتمركزين في مجمع «آزوفستال» للمعادن، وقف إطلاق النار، وإخلاء مواقعهم. وأكدت وزارة الدفاع الروسية عبر «تلغرام» أن «جميع من يتخلون عن أسلحتهم سيتم ضمان سلامتهم... إنها فرصتهم الوحيدة». وقال المسؤول في شرطة ماريوبول ميخايلو فيرشينين، الأحد، إن «العديد من المدنيين بمن فيهم نساء وأطفال ورضع ومسنون» تحصنوا في مجمع «آزوفستال». وأضاف في تسجيل بُث على «يوتيوب»: «هؤلاء الناس يحمون أنفسهم من القصف؛ إذ يوجد ملجأ هناك يتيح فرصة للبقاء لبعض الوقت». وتابع: «هم لا يثقون في الروس. لقد رأوا ما يحدث في المدينة، لذلك هم موجودون في المصنع».
وأفادت هيئة الأركان العامة الأوكرانية بشن القوات الجوية الروسية ضربات على ماريوبول، وتحدّثت عن «عمليات هجومية قرب الميناء» دون تقديم مزيد من التفاصيل. وسيشكل استيلاء روسيا على هذه المدينة انتصاراً مهماً؛ لأنه سيسمح لها بتعزيز مكاسبها في المنطقة الساحلية المطلة على بحر آزوف، من خلال ربط منطقة دونباس التي يسيطر موالون لها على جزء منها، بشبه جزيرة القرم التي ضمتها في 2014.
- التزويد بالأسلحة الثقيلة
ووصف زيلينسكي الوضع في ماريوبول بأنه «غير إنساني»، داعياً الغرب إلى تزويد كييف «فوراً» بأسلحة ثقيلة يطلبها منذ أسابيع. وأشار إلى خيارين، يتمثّل الأول بـ«تزويد الشركاء أوكرانيا بكل الأسلحة الثقيلة اللازمة والطائرات... فوراً»، من أجل «تخفيف الضغط على ماريوبول ورفع الحصار» عن المدينة التي كان يعيش فيها 441 ألف شخص قبل بدء الغزو الروسي. وأضاف أن «لا طعام ولا ماء ولا دواء» في ماريوبول، متّهماً موسكو بـ«رفض» إقامة ممرات إنسانية. وأما الخيار الثاني بحسب زيلينسكي فهو «طريق التفاوض؛ حيث يجب أن يكون دور الشركاء حاسماً أيضاً»، مؤكداً أن البحث عن حل «عسكري أو دبلوماسي» هو عمل «يومي» منذ بدء الحصار؛ لكن تبين أنه «صعب جداً».
وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، إن أكثر من مائة ألف مدني باتوا على حافة المجاعة في ماريوبول التي تفتقر إلى المياه ومصادر التدفئة.
وفي منطقة كييف، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها أطلقت صواريخ عالية الدقة على مصنع ذخيرة قرب بروفاري.


مقالات ذات صلة

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن روسيا ابتكرت طائرة من دون طيار «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة تغير مسار الحرب في أوكرانيا.

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (أ.ب)

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الخميس التحالف الدولي الذي يقدّم دعماً عسكرياً لأوكرانيا بـ«ألّا يضعف»، في وقت تخشى فيه كييف من أن تفقد دعم بلاده الأساسي.

أوروبا جندي أوكراني يقود مركبة أرضية مسيرة إلكترونياً خلال معرض للمعدات العسكرية والأسلحة (رويترز)

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الخميس، أن تحالفاً دولياً تقوده بريطانيا ولاتفيا لإمداد أوكرانيا بمسيّرات سيرسل 30 ألف مسيّرة جديدة إلى كييف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟