فتح الطرق وإنهاء حصار تعز اختبار لجدية الحوثيين في إنجاح الهدنة

TT

فتح الطرق وإنهاء حصار تعز اختبار لجدية الحوثيين في إنجاح الهدنة

مع استكمال الإجراءات الخاصة بتشغيل الرحلات التجارية من مطار صنعاء إلى كل من القاهرة وعمّان، تتركز اهتمامات الأوساط الشعبية في اليمن على البند الخاص بفتح الطرق بين المحافظات، وفي مقدمها الطريق إلى مدينة تعز، وإنهاء الحصار الذي فرضته الميليشيات الحوثية على السكان منذ 7 أعوام.
وترى الأوساط اليمنية أن هذه الخطوة ستعكس جدية الحوثيين في إنجاح الهدنة، وإعادة الثقة بإمكانية الرهان على أي اتفاق يدفع باتجاه محادثات سلام شاملة ونهائية، بعد خيبة الأمل الواسعة التي ترتبت على إفشال الميليشيات لاتفاق استوكهولم بشأن مدينة الحديدة وموانئها.
ورغم مرور أسبوعين على بدء سريان الهدنة ودخولها الأسبوع الثالث، فإن اللجان المعنية بوضع الترتيبات لفتح الطرقات ابتداء من تعز، لم تعقد أي اجتماع حتى الآن رغم تأكيد الجانب الحكومي أنه سمى ممثليه في هذه اللجان منذ الأسبوع الأول لبدء سريان الهدنة، وهو أمر أشاع مخاوف كثيرة بإمكانية تعطيل الحوثيين لهذا البند المهم في الهدنة، إلى جانب استمرار خروقها في غرب المحافظة وجبهات جنوب مأرب والحديدة، وبالتالي العمل على إفشالها كما حدث في مرات سابقة.
ويرى محمد مهيوب، وهو أستاذ جامعي، في حديث مع «الشرق الأوسط» أن «إعادة فتح الطرقات من شأنه أن يفرض واقعاً جديداً في الأوساط الشعبية، والتي بدورها قادرة على إرغام أطراف الصراع على المضي في إجراءات بناء الثقة والدخول في محادثات سلام شاملة».
ويقول مهيوب: «إن معاناة المدنيين بالذات في تعز ومناطق سيطرة الميليشيات الحوثية جراء إغلاق الطرق، كانت من الشدة بحيث تجعل القاعدة الشعبية قادرة على دعم أي خطوات للسلام، تضمن إنهاء هذه المعاناة الأليمة، وكذلك الأمر فيما يخص الرحلات التجارية من مطار صنعاء؛ حيث كان عشرات الآلاف يتحملون مشقة السفر لأكثر من 18 ساعة، وتكاليفه المالية الكبيرة». كما نبّه إلى أن فشل هذا البند سينعكس سلباً على الهدنة، ولن يهتم الناس لفشلها؛ لأنهم لم يلمسوا فائدتها باستثناء انتهاء أزمة الوقود.
ويتفق فتحي -وهو مخلص جمركي في ميناء عدن- مع الطرح السابق؛ حيث يوضح إن إغلاق الطرق الرئيسية التي تربط الميناء مع مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، سبَّب معاناة شديدة للتجار، وأدى إلى زيادة في كلفتها بشكلٍ غير مسبوق.
ويقول إن التاجر لو دفع مثلاً رسوماً جمركية على الحاوية الواحدة في الميناء مقدارها 500 ألف ريال يمني، فإنه يضطر إلى دفع مليوني ريال تكاليف إيصالها إلى مناطق سيطرة الميليشيات؛ لأن مالكي الناقلات يضطرون إلى استخدام طرق فرعية والتفافية؛ حيث تستغرق الرحلة 3 أسابيع بعد أن كانت أسبوعاً واحداً أو أقل منه، إضافة إلى تعدد الجبايات التي يتم دفعها في نقاط التفتيش وفي المنافذ الجمركية التي استحدثتها الميليشيات الحوثية عند مناطق التماس.
من جهته، يشرح توفيق غانم -وهو أحد سكان محافظة تعز- معاناة الناس جراء الحصار المفروض على المحافظة من كافة الاتجاهات؛ حيث يضطر السكان إلى قطع المسافة بين ضاحية الحوبان التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي في أكثر من 6 ساعات، عبر طريق جبلي التفافي للوصول إلى قلب المدينة، وهي المسافة التي كانت تقطع قبل الحصار في ربع ساعة.
ويتابع بالقول: «لأن الميليشيات أغلقت أيضاً طريق لحج– تعز، وكذا الطريق الرابط بين المدينة وميناء المخا ومحافظة الحديدة، فإن المنفذ الوحيد للخروج وإدخال البضائع والوقود هو طريق (هيجة العبد)، وهو طريق في مرتفع جبلي شديد الانحدار، وضيق يصل إلى الأطراف الغربية لمحافظة تعز، وغالباً ما يُغلق بسبب الحوادث أو الأعطال التي تحدث للناقلات نتيجة صعوبة وانحدار الطريق الذي يتضرر بشكلٍ دائم عند هطول الأمطار؛ حيث تجرف السيول طبقة الإسفلت». ويؤكد أن إنهاء الحصار المفروض على المحافظة «سيكون بمثابة إعلان انتهاء الحرب».
ومنذ أن أغلقت ميليشيات الحوثي الطرق الرئيسة التي تربط عدن بالمحافظات الخاضعة لسيطرتها، بهدف الضغط على التجار للاستيراد عبر مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها، تحولت حياة السكان في خطوط التماس إلى جحيم؛ حيث إن سكان المناطق الواقعة شمال وغرب محافظتي الضالع وإب يضطرون لقطع مسافة تزيد على 12 ساعة حتى الوصول إلى عدن، بعد أن كانوا يقطعون هذه المسافة في أقل من 4 ساعات.
كما اضطرت ناقلات البضائع إلى المرور عبر طرق فرعية غير صالحة؛ سواء عبر جبال يافع وصولاً إلى محافظة البيضاء، أو مرتفعات القبيطة وصولاً إلى منطقة الراهدة شرق تعز، وغالباً ما تكون الناقلات إما عرضة للحوادث وإما تتسبب في إغلاق هذه الطرق.
وسبق للحكومة اليمنية أن قبلت بثلاث مبادرات محلية لإعادة فتح الطرق التجارية التي تربط محافظة عدن بمحافظة إب، رغم اشتراطات ميليشيات الحوثي أن يكون الفتح على مراحل؛ حيث يقتصر في الشهور الأربعة الأولى على ناقلات البضائع، ومن ثم يتم تقييم أن يتم فتحها أمام المسافرين، إلا أن ميليشيات الحوثي وعند تنفيذ الاتفاق كانت تعود في كل مرة وترفض الاتفاق، وتقوم بإدخال إضافات وتعديلات عليه، وتقبل بها الحكومة؛ لكنها لا تلتزم أيضاً، وحاولت إغراء المستوردين بالحصول على إعفاءات جمركية تصل إلى 48 ‎ في المائة‎ إذا ما حولوا تجارتهم عبر مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها؛ لكنها فشلت في ذلك، وهو أمر يمكن أن يجعلها هذه المرة تصدق في التزامها، بعد أن أدركت استحالة نجاح خطتها لإغلاق الطرق في تحويل حركة التجارة إلى مواني الحديدة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».