انتصاف «موسم رمضان» وتصوير المسلسلات ما زال مستمراً

«المشوار» بـ3 مخرجين... و«بطلوع الروح» يسابق الزمن

مسلسل «جزيرة غمام»
مسلسل «جزيرة غمام»
TT

انتصاف «موسم رمضان» وتصوير المسلسلات ما زال مستمراً

مسلسل «جزيرة غمام»
مسلسل «جزيرة غمام»

مع انتصاف شهر رمضان، يسابق أغلب صناع الأعمال الدرامية الزمن للانتهاء من تصوير المشاهد المتبقية من أعمالهم التي تزدحم بها الاستديوهات وصالات المونتاج، ويتواصل العمل فيها ليل نهار على مدى أكثر من 17 ساعة يومياً، ويرفع المخرجون حالة الطوارئ، وينتاب الجميع القلق، حيث تعرض الأعمال على الهواء، وهي مشكلة تتجدد كل عام مع موسم دراما رمضان، إذ اعتاد صناع المسلسلات المصرية البدء في تصويرها قبل الموسم الرمضاني بوقت غير كافٍ، ما يجعلها عرضة لأزمات عديدة، منها «اللجوء إلى استكمال التصوير حتى الأيام الأخيرة من شهر الصوم، وما يعانيه الممثلون والفنيون من إرهاق كبير». ويجمع عدد من صناع الدراما على أن «كتابة العمل وتسليم الحلقات متأخرة، بخلاف تعدد أماكن التصوير»، وراء عدم إتاحة مساحة للتركيز وظهور بعض الأعمال بجودة «غير مكتملة».

أمير كرارة في لقطة من برومو مسلسل «العائدون»

ومع انتصاف موسم «دراما رمضان»، لا تزال بعض الأعمال تعاني داخل سباق هذا الماراثون الشهير، فالمخرجة هالة خليل التي تخوض أولى تجاربها مؤلفةً بعيداً عن الإخراج في مسلسل «أحلام سعيدة»، انتهت قبل أيام من كتابة الحلقة الأخيرة لهذا العمل الذي يتواصل تصويره حتى الآن، بينما يسعى صناع مسلسل «دايماً عامر» إلى الانتهاء من تصويره يوم 25 رمضان، وعزز صناع العمل هذا التأخير لتعدد أماكن التصوير الخارجي بين الغردقة والأقصر وأسوان.
وبدأ تصوير مسلسل «جزيرة غمام» قبل رمضان بشهرين فقط، وهذا وقت متأخر على عمل فني بهذا الحجم من الديكورات والمجاميع، كما يؤكد الفنان طارق لطفي لـ«الشرق الأوسط». ويقول: «لم تكن لدينا رفاهية التوقف لأي لحظة، وواصلنا التصوير في ظل العاصفة الترابية التي مرت بها مصر، وكنا نصور على البحر وسط رياح شديدة جداً وموجات الحر والبرد، وقد صورنا المشاهد الخارجية خلال 20 يوماً بمدينة القصير، ونصور حالياً يومياً في مدينة الإنتاج الإعلامي من الثالثة عصراً حتى الخامسة صباحاً، ونتناول إفطارنا وسحورنا معاً، ومن المتوقع أن يستمر التصوير إلى 20 رمضان».
ويستمر الفنان محمد رمضان، في تصوير مشاهد مسلسله «المشوار»، وتكثيف ساعات العمل إلى أكثر من 17 ساعة يومياً، حيث اضطرت الجهة المنتجة للاستعانة بثلاث وحدات تصوير لثلاثة مخرجين مساعدين، لضمان الانتهاء وتجهيز الحلقات في موعد تسليمها للقنوات التي تعرضها، وهذه الأزمة ظهر مؤشرها الأسبوع الماضي عندما تم تغيير كتابة اسم محمد ياسين مخرجاً على تتر المسلسل، ليصبح مشرفاً على الإخراج، مع إضافة شكر خاص للمخرج محمد شاكر خضير الذي يشارك في تصوير المشاهد المتبقية.
وفي الوقت الذي أعلن فيه أبطال مسلسل «الاختيار 3» الانتهاء من تصويره قبل منتصف رمضان بأيام كأول مسلسل يحقق هذه الطفرة، لدخوله التصوير في توقيت مبكر، لا يزال يواصل فريق عمل مسلسل «العائدون» للفنان أمير كرارة، تصوير أحداثه في عدد من الأماكن المتفرقة، ومن المفترض أن ينتهي تماماً يوم 20 رمضان.

محمد رمضان في «المشوار»

وفي السياق نفسه، دخل مسلسل «فاتن أمل حربي» الموسم الرمضاني بعد تصوير نحو 70 في المائة من مشاهده، وجرى الانتهاء من كامل العمل قبل يومين فقط. ومن المتوقع كذلك، الانتهاء من تصوير أحداث مسلسل «توبة» بطولة الفنان عمرو سعد، نهاية الأسبوع المقبل، حسب تأكيدات منتج العمل اللبناني صادق الصباح، الذي أرجع هذا التأخير إلى ضخامة المسلسل، والتصوير في أكثر من مكان داخل مصر ولبنان.
ويبدأ مع منتصف رمضان عرض مسلسل «بطلوع الروح» بطولة إلهام شاهين ومنة شلبي، الذي تم تصويره بالكامل خارج مصر، نظراً لما تفرضه طبيعة الأحداث بالمسلسل التي تدور كلها في سوريا، ورغم أنه ينتمي إلى نوعية الـ15 حلقة فقط، لا يزال يتم تصوير بعض مشاهده حتى الآن. وبرغم أن مخرجة المسلسل كاملة أبو ذكري، عانت كثيراً من ضغوط العمل في دراما رمضان. لكنها هذا العام تواصل التصوير في شهر رمضان، وما يهون من حدة الضغوط أن «المسلسل يقع في 15 حلقة فقط»، منوهة إلى أن «التأخير في تصوير مسلسلات رمضان يأتي غالباً نتيجة تأخر في كتابة الأعمال»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أنه «يجب أن يكون هناك وقت كافٍ لإعداد العمل الدرامي، وإتاحة مساحة لتصويره بتركيز، لنرى أعمالاً محكمة الصنع على درجة عالية من الجودة».
ووصف المنتج صفوت غطاس، هذا الأمر، بأنه «ظاهرة غير صحية تهدد الأعمال الدرامية»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «المسلسل لكي يعرض في شهر رمضان لا بد أن يتم البدء في تصويره قبل ذلك بثلاثة أشهر على الأقل، وهذا لا يتحقق لأسباب عديدة، من بينها بدء التصوير دون انتهاء كتابة العمل، وأحياناً لا يكون مع المخرج سوى عشر أو خمس حلقات فقط، مما يدفع صناع الأعمال للاستعانة بأكثر من وحدة تصوير للوفاء بالتزامهم، ويتواصل العمل على مدى 20 ساعة يومياً».

وأرجع غطاس هذا التأخير أحياناً لـ«ارتباط بعض الممثلين بتصوير أكثر من عمل في الوقت نفسه مما يؤثر على التزامهم في مواعيد التصوير»، مشيراً إلى تعرضه لتلك الأزمة من قبل.



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.