أهمية التطعيمات في تعزيز الجهاز المناعي

أهمية التطعيمات في تعزيز الجهاز المناعي
TT

أهمية التطعيمات في تعزيز الجهاز المناعي

أهمية التطعيمات في تعزيز الجهاز المناعي

إن أهم الابتكارات والإبداعات التي شهدتها البشرية على مر العصور والتي استطاعت أن تغير مجرى حياة البشرية وأدت إلى سلامتهم ووقايتهم من الأمراض بشكل عام والأمراض المعدية بشكل خاص. وكانت بداياتها باكتشافات الإنسولين تلاه اكتشاف المضادات الحيوية والتطعيمات للصغار والكبار.
بالنسبة لتطعيمات الكبار والبالغين، فإن من المعتقد والشائع أن التطعيمات مقصورة فقط على الأطفال وصغار السن، وإذا أُعطيت للكبار فتكون لفئة محددة منهم. ويرجع سبب ذلك إلى عدم إدراك المجتمعات بأن التطعيمات هي للكبار كما هي للصغار وعلى حد سواء. وهناك كثير من المشاكل الصحية التي تنتشر في جميع أنحاء العالم، مثل الحزام الناري والتهاب الكبد الوبائي والمكورات العصبية الرئوية والحصبة الألمانية، قد تم السيطرة على معدلات الإصابة بها بفضل التطعيمات.

التطعيمات والوقاية
عُقدت، الأسبوع الماضي، ندوة طبية إعلامية حول «أهمية التطعيمات في تعزيز صحة كبار السن» نظمتها الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع بالتعاون مع شركة جي إس كي (gsk)، تحدث فيها مدير الجمعية السعودية للأحياء الدقيقة والأمراض المعدية بجدة استشاري الأمراض المعدية الدكتور نزار باهبري، وقد ركز في محاضرته على ما يلي:
* تطعيم مرض «الحزام الناري»Shingles or Herpes Zoster. وهو أكثر تطعيم مهم جدا في المجتمع، كونه مرضا يؤثر جدا على حياة الإنسان ومَنْ حوله بدرجة كبيرة. هذا المرض يصيب كبار السن لضعف مناعتهم وإصابة معظمهم بالأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري ما يجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض. ويكون، غالبا، بسبب التوتر وارتفاع نسبة الكورتيزون، ويشكو المريض من الحرمان من النوم بسبب الألم الشديد. والتطعيم يمنع حصول مضاعفات المرض بنسبة تزيد على 90 في المائة.
* تطعيم مرض «التهاب الرئة Pneumonia»، الذي يليه في الأهمية، وهو القاتل رقم واحد، ويكون أكثر خطورة على الأشخاص الأكبر من 65 سنة، والذين يعانون من مشاكل صحية أو ضعف في جهاز المناعة. ويتوفر التطعيم سواء كان المتسبب بكتيريا أو فيروسات (ومنها كورونا) ويقلل نسبة الوفاة بأكثر من 70 في المائة ونسبة المضاعفات بأكثر من 90 في المائة.
* لقاح فيروس «الورم الحليمي البشري HPV Vaccine»، وهو يصيب الجنسين، وفي النساء يزيد نسبة إصابتهن بسرطان عنق الرحم الذي يأتي في المرتبة السادسة أو السابعة وهو من أشد السرطانات. ويقلل التطعيم من الإصابة بنسبة تفوق 95 في المائة، ويعطى في المملكة اعتبارا من عمر 11 سنة بفاعلية وسلامة عالية.

كبار السن والتطعيمات
* دراسات حول فاعلية التطعيمات. كما تحدث في ندوة «أهمية التطعيمات في تعزيز صحة كبار السن» نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع واستشاري طب الأسرة الدكتور أشرف أمير - مشيرا إلى عدد من الدراسات التي أجريت بهذا الصدد، ومنها دراسة أجريت في أميركا عام 2013 بهدف تحديد تداعيات الأمراض عند كبار السن والتي يمكن وقايتهم منها بالتطعيمات. وُجد فيها أن أكثر الأمراض شيوعا عند كبار السن هي الإنفلونزا والمكورات الرئوية والحزام الناري والسعال الديكي. ووُجد أيضا أن الإنفلونزا كانت في طليعة تلك الأمراض بمعدل إصابة تجاوز 70 في المائة، إضافة إلى التكلفة المالية العالية سواء المباشرة في علاج المرض أو التكلفة الناجمة عن تدهور الوضع الصحي وعدم قدرة الشخص المصاب على العمل وتغيبه المستمر مع زيادة معدلات التنويم بالمستشفيات بسبب التعرض للمضاعفات الطبية.
للإنفلونزا ومضاعفاتها أهمية عند كبار السن والشيخوخة حيث تؤدي إلى تدهور مستمر في كفاءة الجهاز المناعي، وتضعف قابليته في التصدي للأمراض المعدية، إلى جانب الإعياء الذي يصيب جهاز المناعة عادة وفتور تفاعله ضد الأمراض مع التقدم في العمر. لقد كانت الإنفلونزا من أكثر المشاكل الصحية الناتجة عن الأمراض المزمنة المعدية لكبار السن التي تحد من تمتعهم برفاهية الحياة.
كما أجريت دراسة أميركية أخرى لتحديد معدلات الإصابة بالأمراض المعدية بعد تطبيق التطعيمات الخاصة بها، حيث يزداد عدد المصابين بهذه الأمراض بعد سن الخامسة والستين، مثل الإنفلونزا والمكورات الرئوية والحزام الناري، وأيضا ترتفع القابلية للوفاة بين المصابين مع تقدمهم في العمر. وتبين من الدراسة أن استخدام التطعيمات أدى إلى انخفاض ملحوظ في معدل الإصابة بالمكورات العصبية الرئوية وصل إلى 77 في المائة من معدلات الإصابة المعتادة سابقا، مما يؤكد الدور الوقائي الجيد والملموس للتطعيمات.
وبينت نتائج عدد من الدراسات التي أجريت في أوروبا، أن استخدام التطعيمات أدى إلى انخفاض نسبة الإصابة بالمكورات الرئوية في السويد إلى 69 في المائة، في نيوزيلندا حوالي 50 في المائة، في عدد من الدول الأوروبية الأخرى إلى 29 في المائة.
* لماذا يحتاج كبار السن إلى التطعيمات؟ أولا، لأن التطعيمات تمنحهم الحماية والوقاية من أمراض فتاكة ومعدية، ويحتاجون في بعضها إلى جرعات منشطة بين فترة وأخرى، وفقا للتوصيات التي تحدد الفئات العمرية وعدد الجرعات وأوقات إعطائها.
وثانيا، لأن كبار السن هم من فئات المجتمع المعرضة لخطر الإصابة بالأمراض المعدية، كون معظمهم مصابين بأمراض مزمنة تجعلهم أكثر تعرضا لخطورة الإصابة بالأمراض. وثالثا، لأن تطعيم الكبار إلى جانب الصغار يؤدي إلى مناعة المجتمع وما يسمى بمناعة القطيع من الأمراض المعدية، فكلما حظي المجتمع بنسبة تطعيمات أعلى تمتع أفراده بصحة أفضل ومعيشة أجود.

توصيات
يقول الدكتور أشرف أمير إن التوصيات بإعطاء التطعيمات لمن تعدوا الخمسين عاما من العمر تختلف من دولة لأخرى. ففي المملكة العربية السعودية، يعتبر جدول التطعيمات المعتمد من وزارة الصحة للكبار من أفضل الجداول التي احتوت على عدد كبير جدا من التطعيمات ضد الأمراض الخطيرة التي تصيب هذه المرحلة العمرية وتؤثر على سلامة أفرادها، منها الإنفلونزا، الثلاثي البكتيري، الثلاثي الفيروسي، الجدري المائي، الحزام الناري، فيروس الورم الحليمي، المكورات الرئوية، الكبد الوبائي، الحمى الشوكية. ويُوصَى بالتطعيم ضد الإنفلونزا الموسمية بشكل سنوي، وإعطاء تطعيم المكورات العصبية الرئوية بعد سن الخامسة والستين، والحزام الناري بعد سن الخمسين.
أما عن العقبات والحلول فيضيف الدكتور أشرف أمير بأن تطعيم كبار السن لم يصل على المستوى العالمي حتى اليوم، إلى قناعة تامة وبناء ثقافة المجتمع. وعلى المجتمع أن يعرف بأن فوائد التطعيم هي أكبر بكثير من مضاعفات الأمراض التي تحمينا منها هذه التطعيمات. وقد تكون المضاعفات، إن وُجدت، محدودة وبسيطة جدا وتكون، عادة، في صورة آلام وفتور وتعب وإجهاد، ومعظم الأعراض تكون محدودة في نطاق موقع الإبرة مثل التورم والاحمرار أو ارتفاع بسيط في الحرارة ينتج عن تفاعل مناعي بين الجسم والتطعيم ويستمر لوقت محدد، لكن ذلك يكون في مقابل فائدة أكبر بكثير من هذه المضاعفات البسيطة وبذلك تكون الوقاية من أمراض فتاكة وخطيرة. وأهم الحلول:
- تكثيف التوعية لأفراد المجتمع، وجعلهم يعون أهمية هذه التطعيمات ويتفاعلون بإيجابية.
- توجيه برامج محددة ومعينة، للفئات العمرية المعرضة للخطر ومنهم كبار السن، تكون ملهمة لهم لوقايتهم وحمايتهم من الأمراض.
- توعية الأطباء بأن التطعيمات لا تخص فقط أطباء الرعاية الصحية الأولية ولا أطباء الأسرة أو أطباء الأمراض المعدية، وإنما هي مسؤولية كل طبيب في جميع التخصصات يقوم بتوعية مرضاه نحو فوائد أخذ التطعيمات للوقاية من الأمراض المعدية والخطيرة في هذه المرحلة العمرية المهمة من حياتنا.
- الحاجة إلى رفع وعي وإدراك الأطباء المسؤولين ومسؤوليتهم تجاه دورهم المحوري في تحسين نسبة التغطية بالتحصينات لدى الكبار.
- ثقافة المجتمع بكامله لتفعيل وتعزيز وترسيخ هذا المفهوم في أفراد المجتمع.
- وضع خطط منهجية وبروتوكولات علمية ملزمة للأطباء للممارسة الفاعلة للتطعيمات، بحيث إن كل طبيب يكون ملما بها، من حيث اختيار التطعيم ونوعيته وجرعته وتوقيته وتوقيت الجرعة المنشطة له.
- تفعيل التقنية الإلكترونية للمستفيدين بتوجيه الانتباه لمواعيد التطعيمات لهم حتى لا نفقد عددا من المحتاجين والمؤهلين للحصول على التطعيمات بسبب عدم تذكرهم وعدم إمكانية وصولهم في الوقت المحدد لمواقع تقديم التطعيم.
- توفير التحصينات الخاصة بكبار السن واعتمادها وترخيصها من الجهات المختصة والمسؤولة.
- اعتماد التغطية المالية للتطعيم من قبل شركات التأمين وبمظلة من مجلس الضمان الصحي حتى تكون في متناول كل فئات المجتمع.
- أخيرا، إن إجراء تطعيم الكبار على نطاق واسع يمكن أن يقلل من انتشار الأمراض المعدية وأيضا الأمراض التي يكون الشفاء منها سهلا في سن مبكرة، وقد تكون قاتلة في السن المتأخرة من الشيخوخة فنحتاج إلى تعزيز الوعي وثقافة المجتمع باتجاه الالتزام بتلقي تطعيمات الكبار من خلال تضافر جهود الجهاز الإعلامي والصحي وكافة الجهات الحكومية وغير الحكومية المشاركة.

الصوم وجهاز المناعة
> يقول الدكتور أشرف أمير: إضافة إلى الفوائد والإيجابيات العديدة المعروفة للصوم (مثل الحد من السكريات والدهون المخزنة بالجسم لفترة طويلة، السيطرة على مستوى الدهون في الدم، التخلص من الأوزان الزائدة، التخلص من السموم، تنظيم عمل الجهاز الهضمي وبالذات أعراض القولون العصبي وسوء الهضم، تنشيط خلايا الدماغ)، فقد أثبتت الدراسات والدوريات الحديثة أن للصوم دورا مهما مع جهاز المناعة، فهو يجدد من نشاطه ويساعد على تدوير كريات الدم البيضاء، المسؤولة عن خط الدفاع الأول في الجسم، وبالتالي يحفز خلايا النخاع العظمي لإنتاج خلايا جديدة من كريات الدم البيضاء، فيتم خلال الصيام تجديد الخلايا المقاومة للالتهابات الفيروسية والبكتيرية ومنها خلايا نيوتروفيل (neutrophil cells) والخلايا المقاومة للتحسس مثل إيوزينوفيل (eosinophil cells). كما وإن الصوم يساعد في التخلص من الخلايا التالفة في الجهاز المناعي ويمده بخلايا جديدة لها القابلية والقدرة على مواجهة العدوى إن حدثت.
ولقد ثبتت أيضا فوائد الصيام المتقطع، بما فيه صيام شهر رمضان، وأنه يساعد على مواجهة عدوى الميكروبات وبالذات عند انخفاض المحتوى الغذائي. والآن، يُستخدم الصيام المتقطع كإحدى الطرق المستخدمة في علاج بعض الأورام السرطانية فيوضع المريض على نظام غذائي معين بعيدا عن المواد الكربوهيدراتية.
وقد قامت إحدى الجامعات الأميركية بدراسة تأثير الصيام على المناعة، وُجد فيها أن الصيام يخفف من الكريات البيضاء ما يحفز وينشط خلايا نخاع العظم لإنتاج خلايا جديدة تعمل على تحسين مقاومة الخلايا للعدوى وأيضا تساعد على مقاومة الخلايا للسموم المتراكمة.
ومن جهة أخرى، يقوم الجسم خلال الصيام بتكسير الأحماض الدهنية إلى جانب السكريات وهذا، أيضا، يحفز الخلايا الجذعية لتعويض الأنسجة التالفة حيث يتحسن أداء الخلايا الجذعية بقلة السكريات وتكسير الأحماض الدهنية وتخفيف الوزن، وبالتالي يكون هنالك تجديد للخلايا وتحسين للمناعة ومقاومة للالتهابات المزمنة، وبالذات الأمراض المناعية الذاتية المزمنة، كما يتم تحسين مقاومة الإنسولين للخلايا، وبالتالي فإن مقاومة الإنسولين تكون أفضل ويتم إكمال عملية التمثيل الغذائي وتحسين الجهاز المناعي بشكل جيد وأفضل.
وعليه ننصح باختيار الأطعمة الغنية بالفيتامينات وأهمها فيتامين سي وفيتامين بي - 12 لما لها من تأثير يحفز الجهاز المناعي ويحسن من أدائه ويمنح الصائم القدرة على حماية نفسه من الأمراض المعدية وبالذات الفيروسية منها.
- استشاري طب المجتمع



هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».