شاشة الناقد

«فانتاستيك بيستس وأسرار دمبلدور»
«فانتاستيك بيستس وأسرار دمبلدور»
TT

شاشة الناقد

«فانتاستيك بيستس وأسرار دمبلدور»
«فانتاستيك بيستس وأسرار دمبلدور»

Paris‪,‬ 13th District
«باريس، المنطقة 13» هو جديد المخرج الفرنسي جاك أوديار وفيه الكثير من خصاله السابقة، وفي مقدّمتها فن الاعتناء بالشخصيات كافّة ومنحها كثافة من دون حواجز من تلك التي على المشاهد تخطيها ليكون قريباً منها. دراما عاطفية مستوحاة من رسومات أدريان تومين القصصية تبدأ بتعريفنا بالفتاة إميلي ذات الأصل التايواني وهي مستلقية شبه عارية على كنبة في البيت الذي آل إليها بعد دخول جدتها المصحّة.
هذا الإقحام يأتي مباشرة بعد أن تجول الكاميرا في أنحاء باريس (او المقاطعة 13 منها كما العنوان) متنقلة بين الطرق والعمارات ونوافذها. قليل من بداية هيتشكوكية تقليدية («سايكو» مثلاً) لكن الكثير من مطلع فيلم رنيه كلير «تحت أسقف باريس» (1930‪، ‬ Under The Roofs of Paris).
تؤجر إميلي غرفة في ذلك المنزل لشاب أسود وتخبره أن عليه ألا يجول عارياً. لكنها بعد قليل تمارس معه الحب. إذا كان ذلك يعكس شيئاً فهو في حقيقة أن الفيلم يريد القول، ربما كذكر وليس كتعليق، أن حياة إميلي فالتة من الممنوعات إلى درجة أن كل شيء، وأي شيء، قد يقع سريعاً. هذا الذكر يتأكد في مشاهد عديدة مثل قيام إميلي بممارسة الجنس مع رجل لا تعرفه لمجرد أنها استلطفته وتوخّت علاقة عابرة لربع ساعة. ويمتد ليشمل علاقة مع فتاة أخرى (نورا ليغييه) تنضم إليها وإلى الأفريقي كاميل (ماكيتا سامبا) لتبدأ من هنا احتكاكات عاطفية بعضها يقرّب بين الثلاثة وبعضها الآخر يبعدها.
الفيلم بالأبيض والأسود (باستثناء مشاهد قليلة) وتلك اللمحات الاجتماعية حول نوعية العلاقات العاطفية اليوم يؤازرها شغل على اللقطات السريعة و- كالعادة - الكثير من الحوارات عوض بعض الصمت المفيد من حين إلى آخر. الفيلم، من ناحية صادق ومن ناحية أخرى لا يكترث للحكم على أحد. إنه عن الحياة المتمحورة حول الجنس والرغبات التي لا تستقر حتى تتغير من جديد.

‪Fantastic Beasts: The Secrets of Dumbledore ‬
1/2
‫من تأليف ج. ك. رولينغز ومن إخراج ديڤيد ياتس تأتي الحلقة الثالثة من سلسلة «فانتاستيك بيستس» على أمل أن تفعل فعلها الساحر (والفيلم كله عن السحر والسحرة على طرفي الصراع بين الخير والشر) في إنجاح فيلم من النوع الفانتازي.‬
كلاهما، رولينغز وياتس، عملا معاً من قبل وذلك على الأجزاء الأخيرة من مسلسل «هاري بوتر» الذي يزداد علوّاً في قيمته مع مرور السنين. السلسلة الجديدة هذه تحاول أن تبني تقليداً موازياً، لكن الموانع هنا متعددة ومنها أن نجاح «هاري بوتر» في حلقاته الثماني (من العام 2001 إلى 2011) عاد إلى عاملين أساسيين: قيمته ككتابة جديدة، وحقيقة أن أبطاله (ومعظم أشراره) كانوا أولاداً محبوبين.
الفيلم الجديد يحتوي على تلك الملامح والعناصر المكوّنة للنوع الخاص من الفانتازيا التي شوهدت في سلسلة «هاري بوتر». هذه ليست مشكلة، لكنها محشورة في أحداث متعددة ومفارقات لا تنتهي وتفاصيل بعضها كان يمكن إغفالها ولسبب وجيه: الفيلم من ساعتين و22 دقيقة، من هذا المنوال علماً بأن «تيمة» الصراع بين الخير، متمثلاً بألبوس (جود لو) وبين الشر، مجسّداً في شخصية غريندلوولد (ماس ميكلسن) واضحة وتأتي من دون مفاجآت. وهي سريعاً ما توجّه الفيلم نحو حتمية تحويل هذا الصراع إلى مشاهد عاجقة من المؤثرات تمر من خلالها الحكاية في عدد من الحلقات المتلاحقة. سيسعى دمبلدور لتقويض خطط غريندلوولد الرامية لتدمير العالم عبر الاستعانة برجال ونساء يملكون قدرات سحرية. في المقابل سيسعي الشرير إلى مواجهة تلك المحاولات بقدراته العجيبة.
إخراج ياتس متين الصنعة. استخداماته للمؤثرات البصرية ملتحم بالحكاية بلا فواصل. كل ما يتعلّق بتنفيذ المشاهد جيد لكن ما يفلت من يديه ومن الكتابة عموماً أن هناك طرح لمسألة سياسية مثيرة للاهتمام بحد ذاتها، لكنها لا تحقق المرجو منها بعد حين.
ففي هذا النزاع بين الأفكار والمرامي تبرز رغبة الفيلم في التأكيد على أن الديمقراطية هي الأساس لتقدّم المجتمعات (تنطلق الأحداث في ثلاثينات القرن الماضي) وأن الفاشية هي القضاء على ذلك التقدم وتدمير للحضارات. معقول جداً، لكن الذي يحدث في نصف الساعة الأخيرة أن هذه الرسالة تتحوّل إلى سطر عابر في سماء الفيلم وتنزوي إلى حد أن النهاية لا هي لصالح الديمقراطية ولا لصالح الديكتاتورية أو الفاشية.
هذا الوضع له نتيجة أخرى: كيف يمكن للمشاهد أن يجد في هذه الحكاية الاختلاف الجوهري عن كل تلك الأفلام المتكاثرة حول شرير من الأرض أو من السماء يريد تدمير العالم ومحاولات فرد (أو أفراد) محاربته وإنقاذ العالم.
أكثر من ذلك، أن الجزأين السابقين، وعلى عكس ما كان يحدث في سلسلة «هاري بوتر»، يبدوان كما لو كانا فيلمين لا علاقة لهما بالفيلم الجديد إلا من حيث العنوان والمشتغلين فيه. الفيلم يحمل قيمة ترفيهية، لكن المرجح أن من لم يشاهد الفيلمين السابقين سيستمتع أكثر بهذا الفيلم المنفرد.

The Eclipse
شهدت الدول الأوروبية، خصوصاً دول الوسط والشرق الأوروبيين، متغيّرات جغرافية وسياسية متعددة في غضون المائتي سنة الماضية على الأقل. دول اندثرت وأقاليم كانت تنتمي إلى دولة ما أفاقت على احتلال جعلها من ممتلكات دولة أخرى. آخر ما في هذه المتغيّرات انتهاء الدولة اليوغوسلاڤية وبروز أقاليم عدّة تحوّلت كل منها إلى دولة منفصلة.
فيلم المخرجة الصربية ناتاشا أوربان التسجيلي يحوم حول هذا الموضوع. تقول المخرجة فيه وهي تتصفّح التاريخ عبر صور ورموز، أن البلد الذي عاشت فيه (يوغوسلاڤيا) لم يعد موجوداً. وأن السلام والاستقرار حالتان نطمئن إليهما ونعتبرهما من الأمور المسلّمة إلى أن تتبدد فجأة. وهي تربط بين ظاهرتي خسوف وقعتا أوروبياً، الأولى سنة 1961 والأخرى سنة 1999 كرمزين للمتغيّرات التي وقعت فيما كان، سابقاً، بلداً واحداً.
تتحدّث عن عائلتها ومن خلالها عن ذلك التاريخ الذي عاشته في كنفها قبل هجرتها إلى السويد حيث تعيش الآن. وتقتبس من مذكرات أبيها الكثير من المشاهد التي نراه فيها يقوم برحلات صوب مناطق طبيعية جميلة ونائية وحيداً إلا من رغبته في التعرّف وجعبته من الماء والطعام.
يملك «الخسوف» ما يكفي من عناصر الجمال والبحث والمقاربة بين ما هو ذاتي وبين ما هو تاريخي والحصيلة التي يطرحها إذ تتواصل، منطقياً، مع ما يحدث الآن في أوكرانيا، تؤكد أن ما يقع في التاريخ يترك آثاره في كل يوم حاضر.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.