أزمة الغلاء تُلقي بظلالها على موائد الرحمن في مصر

تقاسم ميزانية الكثير منها لارتفاع أسعار المواد الغذائية

موائد الرحمن تعود بعد انقطاعها عامين كاملين بسبب جائحة «كورونا» (الشرق الأوسط)
موائد الرحمن تعود بعد انقطاعها عامين كاملين بسبب جائحة «كورونا» (الشرق الأوسط)
TT

أزمة الغلاء تُلقي بظلالها على موائد الرحمن في مصر

موائد الرحمن تعود بعد انقطاعها عامين كاملين بسبب جائحة «كورونا» (الشرق الأوسط)
موائد الرحمن تعود بعد انقطاعها عامين كاملين بسبب جائحة «كورونا» (الشرق الأوسط)

بعد انقطاعها عامين كاملين بسبب جائحة «كورونا» عادت موائد الرحمن للظهور مجدداً بالشوارع والميادين المصرية مع تخفيف الإجراءات الاحترازية، لكن هذه العودة وصفت بأنها «مختلفة» لارتفاع أسعار المواد الغذائية أخيراً، بسبب موجة التضخم العالمية وتأثيرات الحروب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى تداعيات وباء «كورونا».
وشهدت عمليات إقامة موائد الرحمن في مصر، خلال شهر رمضان الجاري، عدة متغيرات، أهمها توزيع ميزانيات الكثير منها على أفراد عدة، من متوسطي الدخل، بعدما كان يتصدى لإقامة كل واحدة منها شخص واحد، ويكون غالبا من رجال الأعمال أو أصحاب المحال أو السلاسل التجارية.
عبد الرحيم أبو الوليد، تاجر مفروشات بالجيزة (غرب القاهرة)، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «يتقاسم الإنفاق على إحدى الموائد مع آخرين، حتى لا يشعر أحد بعبء الصرف بمفرده، ولا يثقل الأمر ميزانية أسرته».
وأشار أبو الوليد إلى أنه «قبل تفشي (كورونا) وارتفاع الأسعار، كان يوجد صديق له يتولى الإنفاق على مائدة رحمن منفرداً، لكنه شعر بأنه لا يستطيع القيام بأعبائها وحده هذا العام بسبب موجة ارتفاع الأسعار، وأبلغنا بذلك قبيل دخول شهر رمضان، موضحاً أنه سوف يتعاون فقط في إحضار بعض المواد الغذائية، أما بقية المتطلبات فعلينا القيام بتدبيرها، ما اضطرنا للاجتماع مع بعض أهل الخير، وقررنا أن نساهم سوياً في توفير ما يجعل عادتنا السنوية تستمر من دون توقف».

                                                 من موائد الرحمن بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وسمحت الحكومة المصرية بالآونة الأخيرة، بإقامة موائد الرحمن، ضمن إجراءات تخفيف قيود مواجهة «كورونا»، مع اشتراط عدم تعطيلها حركة السير، وأن تكون السرادقات جيدة التهوية. وتنتشر موائد الرحمن في مصر بالساحات ودو المناسبات والشوارع الرئيسية، وبجوار المساجد.
يوسف محمد يوسف «تاجر»، مقيم بشارع الملك فيصل بالجيزة، يساهم مع عدد كبير من الأشخاص في إقامة مائدة رحمن في المنطقة التي يقيم بها، ويقول لـ«الشرق الأوسط» الكثيرون من أهل المنطقة يساهمون بما يتيسر لهم في مائدة الرحمن، وهذا يشير إلى رغبة طيبة في المشاركة».
وذكر يوسف أن «المائدة تقدم وجبات جاهزة لمن لا يستطيعون الانتظار حتى موعد الإفطار، أو من يشعرون بنوع من الحرج، وهناك قائمة من الأطعمة تتوزع على أيام الأسبوع، حسب المتاح، وتتوج الأطباق باللحوم البيضاء والحمراء على مدار الأسبوع بالتناوب، بالإضافة إلى أنوع متعددة من الخضراوات والبقوليات والحلويات».
وبحسب المراجع التاريخية، فإن فكرة إنشاء موائد الرحمن في مصر، تعود إلى أكثر من ألف عام مضت، عندما دخلها الأمير أحمد بن طولون وقام بالاستقلال عن الخلافة العباسية، وقد سار على نهجه الخليفة المعز لدين الله الفاطمي في مصر، مروراً بعهد أسرة محمد علي، التي كانت تسمح بإقامتها داخل قصر عابدين، لتستقبل الفقراء وزوار العاصمة والمسافرين أثناء الشهر الكريم، ثم استمرت بعد ثورة يوليو (تموز) 1953، حتى وقتنا هذا.
المساهمة في إقامة موائد الرحمن في مصر، لا تقتصر على من يساهمون بأموالهم في تمويلها، لكن هناك طهاة يتطوعون لإعداد الأطعمة مثل محمد حسين، وهو شاب في الثلاثين من عمره، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه جاء لتقديم خدماته، ضمن مجموعة من زملائه، حيث يبدأون عملهم يومياً بعد انتصاف النهار، ويقومون بتجهيز الأطعمة حسب ما يتوفر من مواد غذائية، وأشار حسين إلى أنه قام بإحضار أدوات المطعم الخاصة به وهي أوانٍ وقدور كبيرة ومواقد تعمل بالغاز، أما الأطباق التي توضع فيها الأطعمة للصائمين، فتستخدم لمرة واحدة، ويتم توفيرها من أحد المتاجر القريبة بنصف الثمن تقريبا، وهي ضرورية حتى يتوفر أكبر قدر من الأمان للضيوف.



المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
TT

المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)

حافظ السعوديون على مظاهر عيد الفطر السعيد التي كانت سائدة في الماضي، كما حرص المقيمون في البلاد من المسلمين على الاحتفال بهذه المناسبة السنوية وفق عاداتهم وتقاليدهم في بلدانهم، أو مشاركة السكان في احتفالاتهم بهذه المناسبة السنوية، علماً بأن السعودية تحتضن مقيمين من نحو 100 جنسية مختلفة.
ويستعد السكان لهذه المناسبة قبل أيام من حلول عيد الفطر، من خلال تجهيز «زكاة الفطر»، وهي شعيرة يستحب استخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين، ويتم ذلك بشرائها مباشرة من محال بيع المواد الغذائية أو الباعة الجائلين، الذين ينتشرون في الأسواق أو على الطرقات ويفترشون الأرض أمام أكياس معبئة من الحبوب من قوت البلد بمقياس الصاع النبوي، والذي كان لا يتعدى القمح والزبيب، ولكن في العصر الحالي دخل الأرز كقوت وحيد لاستخراج الزكاة.
وفي كل عام يتكرر المشهد السائد ذاته منذ عقود في الاحتفال بعيد الفطر السعيد ومع حلوله اليوم في السعودية تستعيد ذاكرة السكان، وخصوصاً من كبار السن ذكريات عن هذه الفرائحية السنوية أيام زمان، وفق استعدادات ومتطلبات خاصة وبعض المظاهر الاحتفالية التي تسبق المناسبة.

السعوديون يحرصون على الإفطار الجماعي يوم العيد (أرشيفية - واس)

وحافظت بعض المدن والمحافظات والقرى والهجر في السعودية على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي؛ إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بُعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد، ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي، وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علماً بأن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.
ويحرص السكان على المشاركة في احتفالية العيد التي تبدأ بتناول إفطار العيد في ساعة مبكرة بعد أن يؤدي سكان الحي صلاة العيد في المسجد يتوجه السكان إلى المكان المخصص للإفطار، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية، كما تقيم إمارات المناطق والمحافظات إفطاراً في مقراتها في ساعة مبكرة من الصباح يشارك بها السكان من مواطنين ومقيمين.

الأطفال أكثر فرحاً بحلول العيد (أرشيفية - واس)

وبعد انتهاء إفطار العيد يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم، فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيّم الهدوء على المنازل، ويحرص المشاركون في الإفطار على تذوق جميع الأطباق التي غالباً ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحياناً القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصاً في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.
وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجدداً في بعض المدن والقرى بعد أن اختفت منذ خمسة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية، منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القرقيعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج، كما تم إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد. يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عقود عدة تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصاً القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب، وحلّت محلها هدايا كألعاب الأطفال أو أجهزة الهاتف المحمول أو النقود.