الحكومة العراقية تحتج على تصريحات رئيس الوزراء المجري المؤيدة لـ«استقلال كردستان»

بارزاني يبدأ زيارته الرسمية لجمهورية التشيك.. ونجله يؤكد: إنه يحمل بشرى النصر الكبير

الحكومة العراقية تحتج على تصريحات رئيس الوزراء المجري المؤيدة لـ«استقلال كردستان»
TT

الحكومة العراقية تحتج على تصريحات رئيس الوزراء المجري المؤيدة لـ«استقلال كردستان»

الحكومة العراقية تحتج على تصريحات رئيس الوزراء المجري المؤيدة لـ«استقلال كردستان»

بينما وصل رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني إلى براغ، أمس، في زيارة رسمية إلى جمهورية التشيك، احتجت الحكومة العراقية على تصريحات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الزعيم الكردي في بودابست أول من أمس، والتي أيد فيها استقلال كردستان.
وقالت الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي، في بيان «نعرب عن استغرابنا للتصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بتأييده استقلال إقليم كردستان، ونعدها تدخلا غير مقبول بالشأن الداخلي العراقي». وأضاف البيان «ندعو جميع الدول إلى احترام سيادة العراق ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، إذ إننا نجدد موقفنا الثابت برفض أي مشاريع تقسيمية والحفاظ على العراق الواحد الموحد، ونجدد تأكيدنا على ترحيبنا بالدعم المقدم للعراق في حربه ضد عصابات (داعش) الإرهابية، على أن يكون بموافقة الحكومة الاتحادية ومن خلالها».
من ناحية ثانية، تحدث مسرور بارزاني، مستشار مجلس أمن إقليم كردستان وعضو الوفد المرافق لوالده مسعود بارزاني في جولته الخارجية، إن رئيس الإقليم «يحمل بشرى النصر الكبير». وأضاف في تصريحات لقناة «كردستان» الفضائية «خلال لقاءاتنا في واشنطن بالمسؤولين الأميركيين لاحظنا أن هناك دعما كبيرا للشعب الكردي، ووعدونا بأنهم لن يسمحوا بأن يُخان الكرد، ولن يسمحوا بالتطاول على شعب وأرض إقليم كردستان مرة أخرى، وأنهم ينظرون إلى الكرد كحليف مقرب في الحرب ضد الإرهاب ويقدرون دوره في استقرار وأمن المنطقة، كما حصلنا على وعود بتقديم الدعم والمساعدة الدائمة لبيشمركة وشعب كردستان». وتابع مسرور بارزاني «جرى الحديث حول كل المواضيع، طلب الدعم والمساعدة، وهناك بعض التفاصيل الأخرى سنتحدث عنها في حينها». وطمأن مستشار مجلس أمن إقليم كردستان مواطني الإقليم بأن بارزاني «يحمل لهم بشرى سارة، وأن كردستان تخطو بإذن الله نحو الاستقرار أكثر فأكثر، وأنها تسير نحو انتصارات أكبر».
في غضون ذلك، قتل ضابط برتبة لواء في قوات البيشمركة الكردية وثلاثة من أفراد حمايته، في انفجار عبوة ناسفة صباح أمس في إحدى قرى جنوب مدينة كركوك في شمال العراق، بحسب ما أفاد مسؤولون في البيشمركة. وقال العقيد برهان شيخة، لوكالة الصحافة الفرنسية «انفجرت عبوة ناسفة على مركبة للواء صلاح ديلماني، آمر اللواء 118 التابع لقوات البيشمركة، مما أدى إلى استشهاده مع ثلاثة من حمايته وإصابة خمسة آخرين». وأوضح شيخة، وهو أحد ضباط قضاء داقوق (45 كم جنوب غربي كركوك)، أن التفجير وقع في قرية العطشانة التي استعادتها قوات البيشمركة قبل نحو أسبوعين من تنظيم داعش.
وأكد مسؤول محور داقوق في البيشمركة المقدم إسماعيل حميد مقتل ديلماني، موضحا أن التفجير وقع «أثناء تفقده جبهات البيشمركة» في القرية.
وغالبا ما يلجأ التنظيم المتطرف الذي يسيطر على مساحات واسعة في شمال العراق وغربه منذ يونيو (حزيران) الماضي إلى أسلوب زرع العبوات الناسفة بكثرة في مناطق وجوده، مما يعوق تقدم القوات التي تحاول استعادتها، أو يلحق خسائر بها بعد انسحاب المتطرفين منها. وتخوض قوات البيشمركة مواجهات في شمال العراق على خطوط تماس تمتد لمئات الكيلومترات، مع تنظيم داعش. وأعلنت السلطات الكردية في فبراير (شباط) أن هذه المعارك أدت إلى مقتل نحو ألف عنصر من البيشمركة، وإصابة أكثر من أربعة آلاف بجروح.
وتمكنت القوات العراقية والكردية خلال الأشهر الماضية من استعادة بعض المناطق التي سيطر عليها المتطرفون، بدعم من ضربات جوية لتحالف دولي تقوده واشنطن. كما قدمت إيران دعما استشاريا ولوجيستيا للقوات العراقية، وهي تدعم العديد من الفصائل الشيعية التي تقاتل إلى جانبها.
في السياق نفسه، صرح محافظ كركوك نجم الدين كريم، أمس، بأن قوات البيشمركة ومتطوعي الحشد الشعبي هما القوتان الأساسيتان اللتان تحاربان تنظيم داعش في العراق والقادرتان على هزيمته وسط تبخر وانهيار الجيش العراقي ومعظم فرقه. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) عن كريم، وهو كردي، أن حال مصفاة بيجي والدفاع عنها اليوم يوضح انعدام الاستراتيجية العسكرية العراقية في وضع خطط مناسبة لاستقرار الأوضاع فيها، فضلا عن أن الجيش العراقي لم يحسم معارك الفلوجة والرمادي منذ سنين، وهو أيضا يعاني أزمة حقيقية تتعلق بأعداده وأرقام المنتسبين إليه وتسليحه وتدريبه. وأشاد كريم بـ«دور التحالف الدولي في مساعدة قوات البيشمركة في ردع تنظيم داعش»، مشيرا إلى أن ضربات التحالف الدولي «مؤثرة ولا بد من تكثيف الضربات الجوية التي أدت إلى نجاحات باهرة في كركوك، وأسهمت في المحافظة على كركوك». وطالب محافظ كركوك الولايات المتحدة بإمداد قوات البيشمركة بالأسلحة الثقيلة والقيام بتدريب عناصرها لزيادة قدراتهم القتالية.
من ناحية ثانية، قال محافظ كركوك إن تطبيق الفيدرالية الحقيقية في العراق ينقذه من أزماته المزمنة. وأضاف أن الكرد اختاروا بعد تشكيل الحكومة الكردية في إقليم كردستان عام 1992 البقاء ضمن عراق فيدرالي ودستوري، وكان هذا مطلب جميع الأحزاب الكردية حينها رغم صعوبة الأوضاع السياسية الحالية، مشيرا إلى أن تطبيق النظام الفيدرالي المنصوص عليه في الدستور العراقي هو «الطريقة الوحيدة لإنقاذ الوضع السياسي في العراق سواء ما كان يتعلق بالكرد أو السنة لتطوير الحياة السياسية والاقتصادية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.