أميركا الجنوبية... من جحيم «كورونا» إلى رائدة في التطعيم

نساء يرتدين كمامات في مراسم افتتاح كرنفال ريو دي جانيرو في فبراير الماضي
نساء يرتدين كمامات في مراسم افتتاح كرنفال ريو دي جانيرو في فبراير الماضي
TT

أميركا الجنوبية... من جحيم «كورونا» إلى رائدة في التطعيم

نساء يرتدين كمامات في مراسم افتتاح كرنفال ريو دي جانيرو في فبراير الماضي
نساء يرتدين كمامات في مراسم افتتاح كرنفال ريو دي جانيرو في فبراير الماضي

منذ أكثر من 30 عاماً، ترمز التميمة البرازيلية «زي جوتشينا» المصمم رأسها على هيئة قطرة، وتحمل شعار نظام الصحة العامة، إلى حملات التطعيم، في السابق ضد شلل الأطفال، واليوم ضد فيروس «كورونا». التطعيم له تقليد طويل في أكبر بلد في أميركا اللاتينية.
تقول دانيل مورا من ريو دي جانيرو، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية: «عندما كنا أطفالاً كنا نصطف لتلقي التطعيم». الآن ذهبت مورا مع أطفالها لتلقِّي اللقاح ضد «كورونا». تقول: «لقد حصلنا جميعاً على لقاح (كورونا)، حصلت على الجرعات الثلاث، وحصل الأطفال على جرعتين».
يصعب على مورا تقبل وفاة والدها جراء «كورونا» قبل بدء حملة التطعيم في البرازيل؛ حيث توفي أكثر من 660 ألف شخص جراء الجائحة، وتفوقها الولايات المتحدة فقط في عدد الوفيات الناجمة عن «كورونا». ومن حيث عدد السكان، لم تسجل أي دولة أخرى في العالم عدد وفيات ناجمة عن «كورونا» مثل بيرو.
كانت أميركا الجنوبية واحدة من البؤر الساخنة لـ«كورونا»: الجثث في شوارع الإكوادور، ونقص أسطوانات الأكسجين في بيرو، والمقابر الجماعية في ساو باولو البرازيلية، بعدما انهار نظام الرعاية الصحية هناك في ذروة الجائحة قبل عام.
ومع ذلك، أصبحت أميركا الجنوبية الآن المنطقة التي بها أكثر عدد أشخاص مطعّمين، حسبما أكدت البوابة الإحصائية «عالمنا في بيانات». ووفقاً للبيانات، تلقى 21.73 في المائة من السكان في أميركا الجنوبية تطعيماً كاملاً، وبلغت النسبة في آسيا 7.67 في المائة، و65.33 في المائة في أوروبا، و62.68 في المائة في أميركا الشمالية، بحسب الوضع في 7 أبريل (نيسان) 2022.
وفي تشيلي التي تعتبر الآن بطلة العالم في التطعيم، تلقى أكثر من 90 في المائة من السكان تطعيماً كاملاً ضد «كورونا»، كما تلقى أكثر من 80 في المائة من السكان هناك جرعة تعزيزية. وقامت السلطات الصحية التشيلية بتلقيح السكان بشكل أسرع من أي بلد آخر في العالم تقريباً.
التجربة الرهيبة لسكان في أميركا الجنوبية خلال الجائحة كانت سبباً في جعل كثيرين هناك ينتظرون التطعيم بفارغ الصبر؛ حيث كان لها تأثير أقوى من نظريات المؤامرة والأخبار الكاذبة مثل التي اتهم بترويجها الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو، الذي قلل من أهمية «كورونا» وشكك في جدوى التطعيمات.
في الأرجنتين والبرازيل، بدأت حملات التطعيم على نحو بطيء؛ لأن الحكومات واجهت مشكلات في الحصول على لقاح كافٍ أو كانت تؤخر شراءه. وبمجرد أن اكتسبت الحملات زخماً، تمكنت بلدان المنطقة من الاعتماد على ثقافة التطعيم المترسخة ومنشآت التطعيم المتوفرة بالفعل. وتوجهت فرق طبية إلى عمق منطقة الأمازون وإلى قرى الأنديز النائية لتطعيم السكان.
واعتاد البرازيليون والأرجنتينيون منذ سن مبكرة على تلقي تطعيمات ضد عديد من الأمراض. على سبيل المثال، لا يمكن للأطفال الذهاب إلى المدرسة دون سلسلة من التطعيمات الإجبارية. وحتى سن البلوغ هناك 18 لقاحاً إلزامياً في الأرجنتين و19 في البرازيل، بما في ذلك التطعيم ضد التهاب الكبد «إيه» و«بي» ، والسل، والتهاب السحايا، والحصبة، والجدري، والكزاز، والحمى الصفراء.
وكانت مالو، ابنة مورا البالغة من العمر 12 عاماً، قد تلقت بالفعل أول اللقاحات في مركز صحي في ريو عندما كان عمرها 7 أيام. تقول مورا: «لقد تواعدنا مع أمهات أخريات، وذهبنا سوياً لتطعيم الأطفال»، مشيرة إلى بطاقة تطعيم مالو التي تتضمن إجمالاً أكثر من 40 جرعة ضد أمراض مختلفة.
تقول مورا: «هذه هي الطريقة التي يتم بها إنشاء ثقافة التطعيم». وتُمنح التطعيمات بالمجان، ويتم تقديمها في المراكز الصحية والمستشفيات ووحدات مخصصة للتطعيم.
وعلى غرار تشيلي، تعتمد دول أميركا الجنوبية الأخرى أيضاً على حملة تطعيم ميسرة تخلو من تعقيدات مواعيد تلقي اللقاحات؛ حيث توجد الحملات أيضاً في الكنائس وملاعب كرة القدم والشوارع. وتحول مركز عروض السامبا (سامبودرومو) في ريو على سبيل المثال إلى مركز للتطعيم لراكبي السيارات.
وحتى الآن التطعيم ضد «كورونا» ليس إلزامياً في الأرجنتين أو البرازيل. ومع ذلك، فقد قدم النواب بالفعل مبادرة في الكونغرس الأرجنتيني لجعل التطعيم ضد «كورونا» إلزامياً، وإدراجه في خطة التطعيم الوطنية. أما البرازيل فتنتهج سياسة الضغط الناعم؛ حيث تشترط تقديم شهادة بتلقي التطعيم قبل الدخول إلى عديد من المنشآت والفعاليات العامة.
تقول مورا: «لقد أظهرت البرازيل، حتى ضد الرئيس، أنه من الممكن مكافحة الجائحة بالتطعيم... نحن مدينون للعلم بأننا هنا اليوم ونتمتع بصحة جيدة».
وتستعد ريو الآن إلى إقامة الكرنفال (الذي تم إرجاؤه بسبب «كورونا») في 21 أبريل الجاري، والبرازيل لديها الآن أقل عدد من إصابات «كورونا» منذ بدء الجائحة. وتأمل مورا أن تبقى الأوضاع على هذا النحو، وقالت: «إذا ظهرت موجة جديدة، فسيكون تأثيرها أقل بكثير؛ لأن كثيراً من الناس تم تطعيمهم».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.