الصراع السياسي يُعمق أزمات تعديل الدستور الليبي

صورة أرشيفية لأعضاء الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور الليبي (الهيئة التأسيسية)
صورة أرشيفية لأعضاء الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور الليبي (الهيئة التأسيسية)
TT

الصراع السياسي يُعمق أزمات تعديل الدستور الليبي

صورة أرشيفية لأعضاء الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور الليبي (الهيئة التأسيسية)
صورة أرشيفية لأعضاء الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور الليبي (الهيئة التأسيسية)

انعكست الأوضاع السياسية المضطربة في ليبيا على مسار التوافق حول التشريعات الدستورية، اللازمة لإجراء الاستحقاق الانتخابي المنتظر، خاصة في ظل إصرار وتمسك كل فصيل برؤيته، واعتراضه على ما يطرح من مبادرات لحل الأزمة المستعصية في البلاد منذ سقوط النظام السابق.
وصعدت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في مواجهة الإجراءات الصادرة عن مجلس النواب، والمتمثلة في التعديل الدستوري الثاني عشر، وتشكيل لجنة تتولى تعديل بعض مواد مشروع الدستور، لكن الأخير يدافع عن سلطته في سن وتشريع القوانين، باعتباره «السلطة المنتخبة» في البلاد.
وسبق لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الدعوة إلى تشكيل لجنة لصياغة الدستور، مكونة من 30 مثقفا وكاتبا ومفكرا وأكاديميا مختصا بالقانون الدستوري، يمثلون الأقاليم الثلاثة، كما أتيح لها الاستعانة بخبرات عربية ودولية لصياغة دستور توافقي حديث، يلبي رغبات الليبيين كافة، وقادر على تأسيس دولة ديمقراطية، على ألا تزيد مدة عمل اللجنة على شهر منذ مباشرة مهامها.
وقالت الهيئة التأسيسية إن الإجراءات، التي اتخذها مجلس النواب، «صدرت بالمخالفة للإعلان الدستوري المؤقت»، الذي حدد ملامح المسار العام، وأناط بالهيئة دون غيرها مهمة صياغة مشروع الدستور الدائم للبلاد.
وفي خطوة لتصعيد المواقف أكثر، دعت الهيئة المجلس الأعلى للدولة، والمفوضية العليا للانتخابات بطرابلس العاصمة إلى «عدم التعاطي مع الإجراءات البرلمانية»، ورأت أنه «لا يجوز لمجلس النواب اتخاذ أي خطوات تسري بأثر رجعي؛ من شأنها النيل من مراكز قانونية نشأت، واستقرت في ظل التشريعات النافذة».
ونبهت الهيئة التأسيسية إلى أن مجلس النواب «خالف الاتفاق السياسي، الذي اشترط التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة عند إجراء أي تعديلات دستورية، وهو ما لم يتحقق بعد رفض الأخير مقترح التعديل الدستوري الثاني عشر»، كما خالف «أحكام القضاء الليبي والمبادئ، التي استقر عليها من عدم جواز التعقيب على أعمال الهيئة التأسيسية، إلا من قبل الشعب عبر استفتاء عام».
وقال عضو بمجلس النواب الليبي إن قرار البرلمان يهدف إلى «تعديل المواد المختلف عليها فقط، دون المساس بالمشروع»، لافتاً إلى أن ذلك «سيتم من خلال لجنة خبراء من جميع أنحاء ليبيا».
ومن جانبها، قالت الهيئة التأسيسية إنها لن تعتد «بأي إجراءات مخالفة تتضمن المساس بمشروع الدستور المنجز قبل 5 سنوات، واعتبار هذه الإجراءات أعمالا مادية هي والعدم سواء»، وذهبت إلى أن إجراءات مجلس النواب «أعمال مادية غير منتجة لأي آثار قانونية، وتشكل صورة من صور اغتصاب السلطة».
وردت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور على قرار صالح بأنها منتخبة من الشعب الليبي، وتتكون من 60 شخصاً، يمثلون أقاليم ليبيا الثلاثة بالتساوي، و«تتمتع باستقلالية، ولا تتبع أي سلطة بالبلاد».
في سياق ذلك، يدعو موالون للأمير محمد الحسن الرضا المهدي السنوسي أيضاً إلى العودة لدستور 1969 الذي وصفوه بأنه «الدستور الساري المفعول والشرعي الوحيد»، مطالبين أيضاً الأمم المتحدة بالقيام بدورها، وواجبها القانوني والأخلاقي في مساعدة ليبيا على استرجاع «الشرعية واستئناف الحياة الدستورية».
في سياق ذلك، دعت الهيئة التأسيسية المحكمة العليا باتخاذ ما يلزم من إجراءات لتفعيل عمل الدائرة الدستورية، للنظر في كل «الخروقات التي تمس المسار الدستوري»، مطالبة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والمستشارة الأممية ستيفاني ويليامز، بـ«الوفاء بالتزاماتهما الدولية عبر دعم العملية الدستورية، وفق مقررات مجلس الأمن ذات الصلة، واتخاذ موقف واضح من أي إجراءات تهدف إلى حرمان الشعب الليبي من حقه في الاستفتاء على مشروع الدستور، المنجز من قبل الهيئة التأسيسية المنتخبة».
وطوال السنوات الخمس الماضية، تجاهلت غالبية الأطراف الفاعلة التعاطي مع فكرة الاستفتاء الشعبي على الدستور، لكن فور تعثر إتمام الاستحقاق الرئاسي عاد الجميع للتعلل بضرورة وجود دستور للبلاد يستبق إجراء الانتخابات، وسط انقسام بين من يريد الاستفتاء على المسودة الحالية بعد تعديلها، وغيرهم يؤكدون ضرورة صياغة الدستور من جديد، بواسطة «لجنة خبراء»، وهو الخيار الذي تزعمه رئيس مجلس النواب.
والتقى رئيس مجلس النواب مساء أول من أمس، عبد الهادي الصغير، رئيس لجنة العدل والمصالحة الوطنية بمجلس النواب عضو لجنة تعديل مسودة الدستور، المُشكلة بموجب قرار رئيس مجلس النواب. ونقل عبد الله بليحق، المتحدث باسم مجلس النواب، أن اللقاء تناول أعمال لجنة مراجعة المواد والنقاط محل الخلاف في مشروع الدستور المنجز من الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، وفقاً للتعديل الدستوري الثاني عشر الذي أقره مجلس النواب.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم