حسب الشيخ جعفر... أبدع في قصيدة التجريب حتى صارت تنتسب إليه

حسب الشيخ جعفر
حسب الشيخ جعفر
TT

حسب الشيخ جعفر... أبدع في قصيدة التجريب حتى صارت تنتسب إليه

حسب الشيخ جعفر
حسب الشيخ جعفر

واحدة من أهم تجليات الفرادة في التجريب هو قدرتها على استيعاب المتراكم الإبداعي قبلها والإحاطة بالمنتج الأدبي الذي يجايلها

إن الإلهام والموهبة سمتان تمنحان الأديب قدرات تمكنه من الولوج إلى عالم التجريب، ممارساً شتى الفنون الأدبية. وهو ما لا يخلو منه أدب أي أمة ما وفي أي مرحلة تاريخية أو أي بقعة من بقاع العالم. ولا يوصف الأديب بأنه مجرِب إلا إذا تخطى المألوف وتجاوز مواضعاته، محاولاً ابتكار ما هو غريب أو جديد تمرداً على السائد أو تطويراً له أو بناءً عليه.
ولعل أكثر الأدباء باعاً في التجريب هم الأكثر معاناة والأقل حظاً فيما توفره لهم الظروف من متاحات تيسر لهم استثمار مواهبهم، والتعبير عما يختلج في ذواتهم من رؤى، وما يسعون إلى بلوغه من مثابات يدفعهم نحوها وعيهم المثقف بتجليات التفقه ثم التنبؤ بما هو أصيل وجميل.
ومن هنا نستطيع أن نفسر سر نبوغ شعراء عالميين كبار في أشد عصور الاستبداد حلكةً واستعباداً وعوزاً واضطهاداً، ونعرف أيضاً السبب وراء ظهور أجيال تجريبية في أكثر بلدان أميركا اللاتينية فاقة وأشدها ديكتاتورية وأكثرها أزمات واضطرابات، كما أننا سندرك لماذا أدى التجريب بأدباء إسبانيا وفرنسا دوماً إلى التحرر والانفتاح والتغير في شكل مذاهب ومدارس وتيارات جديدة، وما ينجم عن ذلك كله من وقوع على أجناس وأنواع أدبية جديدة ومستحدثة.
ومن الشعراء العرب الذين عرفوا بالتجريب فكانوا كبارا وفريدين حقاً الشاعر حسب الشيخ جعفر، الذي رحل عن عالمنا (الاثنين)، مع أولى قصائده، ومنها «تذكار أمسية» 1960، و«المرفأ المقفر» و«الصوت» 1962 و«النهر» و«اللقائق العائدة» 1964، واستمر من بعد ذلك يجرب في الأوزان والتفعيلات، مختصراً الألفاظ ومكثفاً الصور والدلالات.
ومع مرور العقود الستينية والسبعينية والثمانينية بكل ما في هذه العقود من تحديات ومآزق وأزمات لم يفتر عزم حسب الشيخ جعفر في التجريب. وإذا كان النجاح حليفه فيما حققه من ظاهرة «التدوير» في دواوينه الأربعة التي ضمتها أعماله الشعرية من 1964 إلى 1975، فإن ذلك لم يفت في عضد تجريبه قصيدة التفعيلة.
ولم يكن التدوير بغية الشاعر الأساس، بل كان التدوير تبعة من تبعات ثقافته العالية المطلعة على مختلف التجارب الشعرية الروسية والإنجليزية والفرنسية. ولقد استمر مجرباً فكتب دواوينه «في مثل حنو الزوبعة» 1988 و«أعمدة سمرقند» 1989، وقبلهما كتب سرداً سيرياً هو «رماد الدرويش» 1986.
وفي الربع الأول من تسعينيات القرن العشرين، استطاع حسب الشيخ جعفر بلوغ هدفه الذي طالما رواده وهو كتابة السونيت، فكان أن حققه نوعاً شعرياً تفرد بالتجريب فيه وكتابته في ديوان «كران البور»، وكان عدد ما كتبه من سونيتات 119 سونيتاً... ومن بعده ظل على نهجه في التجريب وابتداع الصور الشعرية موجهاً ما لديه من طاقات شعرية بطريقة درامية في ديوانه «الفراشة والعكاز» الذي جاء عاجاً بالقصائد الممسرحة والمونودرامية، ومثله تقريباً ديوان «أنا أقرأ البرق احتطاباً» 2011، كما تضافر في «الريح تمحو والرمال تتذكر» 1996 البعدان السردي والدرامي، وتجسدا أيضاً في رواياته «ربما هي رقصة لا غير» 2012 و«نينا بتروفنا: من أيقظ الحسناء النائمة؟» 2014، ثم مجموعته القصصية المعنونة «آخر امرأة على الأرض» عام 2019.
كثيرة جداً هي الكتابات والدراسات والمؤلفات التي تناولت تجربة حسب الشيخ جعفر الشعرية والسردية، على اختلاف مراحل هذه التجربة تطوراً وفاعلية... ومهما تفاوتت آراء النقاد فإنها تتفق على شاعرية القصيدة الحسبية المتأتية من مرجعيات الشاعر الثقافية التي استقاها من المذاهب الأدبية العالمية فكان صاحب مدرسة في الابتداع الشعري، عارفاً كيف يُعيد إنتاج مرجعياته بطريقة تصنع له مساراً جديداً في قصيدة التفعيلة، فاتحاً لمن بعده أبواب الانتماء إلى مدرسته أو ولوج مسارات تتفرع عن مساره.
ومن أهم سمات امتلاك المدرسة، أن القصيدة تنسب إليه، والنسبة بنوة وتعني ضمنياً الريادة التي فيها تحتوي القصيدة شاعرها. والشاعر حسب الشيخ جعفر خير مثال على الشاعرية الفذة التي فيها القصيدة منتسبة إليه لا مضافة إليه.
هكذا صارت للقصيدة الحسبية مكانتها الخاصة في عالم الشعر العربي لأصالة الخط الابتداعي الريادي شأنها شأن قصيدة السياب ونازك الملائكة وأدونيس ونزار قباني وسعدي يوسف.
وليس في ذلك قدح بكفاءات التجارب الشعرية الأخرى الرائدة وما بعد الرائدة؛ بل هو ارتهان نوعي بمعطى التجريب الذي منه تتولد شعرية مغايرة أساسها هضم الشاعر لما قاله الشعراء السابقون ليأتي هو بالمبتدع الجديد الذي يفيد منه الشعراء اللاحقون.
ولا يخفى الفارق في الإلهام الشعري بين شاعر يتقصد هضم ما تراكم من شعر قبله كي يعيد إنتاج ما هضم، وبين شاعر يهضم المتراكم بعفوية مبتدعاً شعراً عفوي التجريب. وهنا مكمن الصعوبة وأس التحدي الذي إذا فهمت ميكانيزيميته واستلهمت إبداعيته استطاع الشاعر أن يؤصل لنفسه مساراً واضحاً وخاصاً، فيه تغدو القصيدة صنواً تنتسب إليه كابنة بارة وليس مجرد مضاف ومضاف إليه. ولقد امتلك حسب الشيخ جعفر وسائل التفرد في النسبة إلى القصيدة ليكون لوحده جيلاً واسماً شعرياً له نسبويته المغايرة مطوعاً تلك الوسائل لتخدم مغايرته الشعرية وتحقق لقصيدته مكانة بها تتفرد على العام والسائد.
ومعروف أن واحدة من أهم تجليات الفرادة في التجريب هو قدرتها على استيعاب المتراكم الإبداعي قبلها والإحاطة بالمنتج الأدبي الذي يجايلها. وهو ما تميز به حسب الشيخ جعفر مقتدراً على الاستيعاب والإحاطة فلم تأخذه العزة بإبداعه ولم يشطب ذاكراتياً على ما سبقه من شعر أنتجته أجيال عديدة من أمته أو من أمم أخرى شتى، ولم يتجاهل قصدياً ما يزامنه من قصائد يكتبها أقرانه متوكلاً على ذاته ومراهناً بإباء على ما لديه.
وإذ يغادرنا هذا الشاعر الكبير مترجلاً عن صهوة الشعر التي عشقها، فإن قصيدته ستظل تشهد له أنه أبدع فيها شعراً سيظل خالداً بيننا، ومثالاً ناصعاً لا يتكرر للجمال الذي يتوهج ألقاً بلا رياء، والإبداع الذي ينساب غزيراً بلا ادعاء.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).