«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي (1): مهرجان «كان» ينطلق اليوم واعدًا بدورة حافلة

مخرجون مرموقون وجدوا أنفسهم خارج أسواره

لقطة من «ماد ماكس: طريق الغضب»: فيلم لكل الأذواق
لقطة من «ماد ماكس: طريق الغضب»: فيلم لكل الأذواق
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي (1): مهرجان «كان» ينطلق اليوم واعدًا بدورة حافلة

لقطة من «ماد ماكس: طريق الغضب»: فيلم لكل الأذواق
لقطة من «ماد ماكس: طريق الغضب»: فيلم لكل الأذواق

لكل مهرجان، مهما علا سقفه أو انخفض، خصائصه المميّزة. ملامحه الخاصة التي لا تشبه ملامح أي مهرجان آخر. مستواه. طريقة تعامله. نظمه. تفضيلاته من الأفلام والأشخاص. هناك مهرجانات تتحوّل خلال إقامتها لعواصم فنية وإعلامية كبيرة، وأخرى تفضل أن تبقى شبه مندثرة لا تحفل إلا بالحضور الآتي من أحياء المدينة ذاتها. ‬
وإذ تنطلق الدورة الـ68 هذا المساء لتستمر حتى الرابع والعشرين من هذا الشهر تبذل كل الاستعدادات الممكنة لدفع هذا الحدث أميالاً إلى الأمام على صعيده كعيد سينمائي كبير، بل والأكبر حول العالم، وعلى صعيد ترجمة حب فرنسا للسينما ورعايتها لها على نحو لا يحتاج إلى براهين بل يكفي النظر إلى كل تلك السنوات السابقة من عمر هذا المهرجان.
لكن مهرجان «كان» لا يلغي، ولا يريد أن يلغي، المهرجانات الأخرى. ليس هذا همّه مطلقًا ولا حتى تحويلها إلى هوامش. طبعًا يسعى للبقاء على القمّة بكل ما أوتي من عزم وقدرة، لكنه يعلم أن هذا سيبقى دائمًا مرتبطًا بمزاولة «الفورميلا» ذاتها: أفلام لجميع الأذواق ولمخرجين معروفين أو بمواضيع تثير الاهتمام إعلاميا والقدرة على استقبال عشرات ألوف السينمائيين والإعلاميين والزبائن الآتين من كل مكان من العالم ليحضروا هذا الحدث الكبير.

* ثقة في مكانها
الوصول إلى القمّة بين المهرجانات، بل بين كل النشاطات، ليس سهلاً، لكن البقاء على سدّته أصعب. وفي عالمنا اليوم تتعدد المهرجانات على كثرتها (نحو 4 آلاف مهرجان وحدث أو تظاهرة حول العالم).
هناك مهرجانات صاخبة ومكلفة وأحيانا مبذرة، وأخرى تناضل في سبيل أن تضيف يومًا واحدًا إلى أيامها القليلة، هذا إذا ما أسعفها الوضع وأقامت دورتها الجديدة. ثم هناك تلك المهرجانات التي هي «كومبينات» بعضها لا يعيش لأكثر من سنة أو سنتين ثم تنضوي.
من بين المهرجانات التي تتحوّل إلى عواصم، يأتي «كان» في المقدّمة. وعلى السطح، وقبل بدء المهرجان يوم غد الأربعاء، تبدو الدورة الثامنة والستين كما لو أنها خلاصة كل الدورات السابقة: متقنة، جميلة، مثيرة، مليئة بالأفلام النادرة والمخرجين الفنانين والنجوم اللامعة.
لكن أليست كل دورة من دورات هذا المهرجان العتيد تبدو كذلك؟ ما الذي سيجعل من هذه الدورة أمرًا مختلفًا؟
هناك صراع بين منطقين يسودان المهرجان الفرنسي تبعًا لما تذكره بعض المواقع الأميركية نقلاً عن أخرى فرنسية. الأول مفاده أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، ولا يوجد أفضل من «كان» على أي حال، فلماذا محاولة إصلاح ما هو خال من العطل؟ الثاني هو أن التطوير أمر مفروغ منه، إذ إن على المهرجان أن يواصل العمل على التقدم أكثر وأكثر. العاملون في المهرجان منذ سنين طويلة لديهم يقين بأن المهرجان هو أهم مهرجان سينمائي في العالم، وهو ليس فقط يقينهم بل يقين الكثير من السينمائيين والإعلاميين حول العالم وإلا كيف يمكن تفسير الإقبال الكبير على حضوره عامًا بعد عام على الرغم من الوسائل المستحدثة اليوم حيث يمكن، مبدئيًا، الاستغناء عن حضور هذا الحدث عبر متابعته في المواقع الكثيرة وعلى نحو يومي، بل على نحو متواصل في اليوم الواحد.
قبل سنوات حصل إشكال بين أحد الإعلاميين العرب وبين المهرجان تطوّر إلى مشادة سمع فيها الإعلامي عبارة أرادها الموظّف باتة تقفل باب النقاش إذ قال «هذا هو كان» وبذلك عنى أن يوافق الطرف الآخر على ما يفرضه المهرجان من شروط أن لا يوافق، لأن «كان» بمنأى عن التنازل أو المساومة بسبب مكانته الأولى. هذه الثقة الزائدة مستمدة من عوامل مختلفة. فعلى الرغم من أهمية مهرجاني برلين وفينسيا المحيطين به كالكمّاشة، وعلى الرغم من غلاء المدينة إلى درجة مخيفة، ثم على الرغم من أن أفلام «كان» يمكن لاحقًا التقاطها في مهرجانات فيينا ولندن وتورنتو من بين أخرى كثيرة أو انتظار عروضها في أميركا وأوروبا تجاريًا، إلا أنه ما زال المهرجان الأول من دون منازع. الركن من العالم الذي سيحط فيه الأفلام وصانعوها ومشاهدوها والإعلاميون والنقاد من كل حدب وصوب لاهثين لإنجاز نجاحات على كل المستويات المطروحة. لاثني عشر يومًا ستسطو أخبار «كان» على عناوين الصحف وستحتل الصفحات بأكثر من خمسين لغة، وستتنافس الأفلام، كل منها يريد أن يأكل من الكعكة الكبرى ما يستطيع لأن مستقبله مرهون بحضوره منافسًا أو حتى خارج مجال المنافسة في العروض الجانبية أو في سوق الأفلام.
على ذلك، فإن ما يبقى ماثلاً وجوهريًا عامًا بعد عام هو أن المهرجان قد يكون مهمّا وقوي الحضور لكن الأفلام المختارة هي التي لها اليد الأولى في تحديد كم نجحت الدورة أو لم تنجح وإذا ما كان المهرجان يسير قدمًا أو هو ثابت في مكانه.
في حديثه للصحافة خصّ رئيس المهرجان تييري فريمو الانتقادات الموجهة إلى المهرجان على امتداد العام الفاصل بين الدورتين الأخيرة والحالية والتي مفادها أن المهرجان يعتمد على السينمائيين أنفسهم الذين يعودون إليه كل سنة، وأن هؤلاء باتوا زبائن دائمين ما يمنع المسابقة من احتواء مواهب جديدة.

* المهمة الصعبة
الحقيقة هي أنه بالطبع هناك زبائن للمهرجان الأول في العالم. مخرجون متميّزون بأعمالهم الفنية ذات الرؤيا المهمّة الذين يفضلون «كان» على سواه. من هؤلاء التركي نوري بيلج شيلان والتايلندي هاو هسياو - سيين والإيطالي ناني موريتي والصيني جيا جانكي والإسباني بدرو ألمادوفار والأميركيان غس فان سانت وجيم يارموش، وسواهم الكثيرون، لكن هذا لا يمكن تغييره أولاً لمكانة هذه الأسماء وصعوبة استردادها إذا ما قرروا التوجه إلى مهرجانات أخرى، وثانيا لأن حضور هؤلاء إلى المهرجان يعود إلى قراراتهم وقرار شركات الإنتاج أكثر مما يعود إلى رغبة «كان» بهم.
رغم أن هذا أمر مفهوم ومعذور فإن له نتيجة سلبية واحدة هي أن وجود هؤلاء يحد من رغبة المهرجان في جذب أسماء جديدة لكي تؤلّف العدد الغالب من الأفلام المشتركة. هذه مشكلة لا يعاني منها مهرجان برلين أو مهرجان فينيسيا ولا أي مهرجان آخر مما يتيح للمرء الوقوف عند احتمال اكتشافات سينمائية غير متوقعة ومشاهدة أفلام تسلّط عليها الأضواء لذاتها وليس لمن يقف بالضرورة خلفها.
المهمّة الصعبة هذا العام، أكثر من الأعوام السابقة هي أن عدد المخرجين - الزبائن المميزين أو «الكبار» الذين طمحوا للاشتراك في مسابقة «كان» أكثر مما كان عليه في الدورات السابقة مما اضطر الإدارة إلى حسم موضوعها على نحو لا ندري إذا ما أصاب أو أخفق إلا من بعد مشاهدة المنتخب من هذه الأفلام. بكلمات أخرى، قد يكون الفيلم المرفوض للبريطاني ستيفن فريرز «أيقونة» أفضل من الفيلم الفرنسي «مرغريت وجوليان» لفاليزي دونزيللي، أو ربما كان فيلم المخرج الإيطالي ماركو بيلوكيو أفضل من أي من الأفلام الإيطالية المنتخبة للمسابقة، ومنها، كمثال فقط، «شباب» لباولو سورنتينو. لا أحد يدري. حتى الذين انتخبوا الأفلام المتنافسة هذا العام قد لا يدرون واضعين في عين الاعتبار مقاييس تخدم المهرجان أولاً وكل شيء آخر ثانيًا.
لكن ما هو واضح، أن كلام الرئيس فريمو الذي رد فيه على اتهام المهرجان بجلب المخرجين ذاتهم في كل مرّة أريد له دحض هذا الانتقاد بالفعل أيضًا. هذا ما يفسر وجود أسماء جديدة (أو شبه جديدة) في خانة المسابقة هذا العام من بينها لازلو نيميش مخرج «إبن شاوول (الذي كان مساعدًا للمخرج المجري المعتزل بيلا تار) والفرنسي ستيفان برايز، مخرج «رجل بسيط» والكندي دنيس فيلينيوف صاحب «سيكاريو» والمخرجة الفرنسية مايو (أيار)، التي تقدم فيلمها «ملكي» Mon Roi.
هذا يفسر سبب وجود عدد كبير من المخرجين الذين أنهوا أعمالهم وقدّموها إلى «كان» ليجدوا أنفسهم خارج أسواره: من بينهم الإيطالي ماركو بيلوكيو والفرنسي أرنو دسبليشان والبريطانيان ترنس ديفيز وستيفن فريرز والإسرائيلي أموس غيتاي وحتى الفرنسي جان - بول رابنيو الذي طالما حضر بأفلام من بطولة كاترين دينوف أو سواها. أيضا من بين الذين وجدوا أنفسهم خارج الحفل، الروسي ألكسندر زاخاروف والجزائري مرزاق علواش والبولندي ييرزي سكوليموفسكي واليابانية ناوومي كاواس.
ناوومي كاواس حالة نموذجية لوضع «كاني» آخر قائم بحد ذاته: في عام 1997 فازت كاواسي بالكاميرا الذهبية المهداة إلى المخرج الأول. بعد ذلك وجدنا المهرجان يعرض لها كل فيلم جديد تنجزه استحق أو (غالبًا) لم يستحق مثل «جمّد الماء» الذي تم تقديمه في العام الماضي. هذا العام قررت إدارة المهرجان، أخيرًا، أن تحذف فيلمها الجديد «معجون الفاصوليا الحلو» متخلّصة من تقليدها الدائم ولأجل أن تحد من ذلك الصيت بأن المهرجان أصبح ناديًا خاصّا.

* هوليوود والعرب
الحضور الأميركي لا يزال على حاله في أكثر من ناحية. هوليوود تعرف أن «كان» هو أهم وأكبر مهرجانات العالم، لكنها لا تكترث كثيرًا لتقديم أفلامها الكبيرة فيه. ليس في المسابقة على أي حال. ذلك يعود لأسباب حقّة، من وجهة نظرها على الأقل. أحد الأسباب هو أن الجائزة الذهبية الأولى (السعفة الذهبية) لا تفيد الفيلم الأميركي، لو فاز بها إلا إذا كان عملاً مستقلاً كأعمال غس فان سانت وجيم يارموش وجون سايليس وتود هاينز أو وس أندرسون. سبب آخر يعود إلى أنه في المرّات المحدودة التي شاركت فيها بأفلام ذات قيمة فنية عالية رأتها مناسبة لقيم الفيلم المختلف والذاتي فضّلت لجان التحكيم أكثر من مرّة منح الجائزة لأفلام «تستحق أن تفوز لكونها غير مدعومة» ولو لم تكن بمستوى الفيلم الأميركي المشارك. هذا حدث مع كلينت ايستوود أكثر من مرّة، آخرها وأفدحها عندما قدّم فيلمه الرائع «ميستيك ريفر» للمسابقة سنة 2003 ليفوز بالسعفة الذهبية سواه. صحيح أن الفائز كان فيلمًا أميركيًا آخر لكنه بالتأكيد لم يكن أفضل منه (الفيلم المعني هو «فيل» لغس فان سانت).
الذي تستطيع هوليوود فعله هو أن تبعث بأفلام تقليدية لكن كبيرة كجزء من حملة دعائية مسبقة، بأيام أو بأسابيع قليلة، توزيع الفيلم في الصالات الأميركية والعالمية على حد سواء. بالنسبة إلى «كان»، لا يمانع في هذا الفعل الترويجي معتبرًا أن العرض الخاص لفيلم كهذا (خارج المسابقة بالطبع) يفيد لعبة التوازن التي بات ينشدها: الأفلام المنتمية إلى سينما المؤلّف داخل المسابقة، تلك الأخرى خارجها إلا إذا انتمت إلى أقسام متسابقة أخرى مثل «مسابقة أسبوع النقاد» أو «مسابقة نظرة ما».
هذا العام هناك «ماد ماكس: طريق الغضب»، الذي موّلته وورنر، والذي يخدم تمامًا المطلوب لهوليوود وللمهرجان معًا. بالنسبة للسينما العربية فإن المهرجان لا يأتي بجديد أيضا حيال موقفه منها، ولا يبدو أن لديها جديدا على موقفها هي منه. بالنسبة إليها، تقدّم السينما العربية عددًا ملحوظًا من الأفلام الجيّدة كل سنة تذهب دائمًا إلى واحد من المهرجانات العربية الرائدة (أبوظبي أو دبي أو القاهرة) ولاحقًا إلى المهرجانات الإقليمية أو حتى الدولية الأصغر شأنًا من مهرجانات الصف الأول (كان، برلين، فنيسيا) أو الثاني (لوكارنو، كارلوفي فاري، سان سابستيان). هذا جل ما تستطيع فعله غالبًا ولذلك سبب مهم: الطريقة التي يعالج بها المخرجون الجيّدون مواضيعهم تلتزم بشفرات يتم فيها إبراز المضمون على اللغة الإبداعية للصورة. وحتى عندما تكون تلك اللغة متوفّرة (كما حال أفلام المغربي هشام لعسري مثلاً) فإنها تبقى مشغولة بحد أدنى من السعي لكسر الحاجز الذي لو فعلت لوصلت إلى جمهور أبعد.

* شأن عربي
لو لاحظنا الأفلام العربية التي دخلت سباقات «كان» في العقود الخالية لوجدنا معظمها مصنوع بحياكة فنية ملائمة لكيف سيتقبّل الغربي الفيلم ومضمونه. هذا يتضح بالنظر لأفلام المخرج الراحل يوسف شاهين أو أفلام المخرج الجزائري محمد لخضر حامينا. فيلم من إخراج محمد خان أو أحمد عبد الله أو خيري بشارة سوف لن يصل إلى شاشة «كان» الرسمية حتى لو كان جيّدًا جدًا.
هنا يكمن الجانب الآخر من هذا التباعد القائم، فكما أن المخرج العربي الجاد لديه حدود إنتاجية وعناصر فنية لو عمد إليها لاغترب عن واقعه وعالمه، فإن المهرجان الفرنسي، والمهرجانات الكبرى الأخرى، ترفع سقف قبول الأفلام إلى حيث لا يستطيع الفيلم العربي أن يشارك.
ثم هناك التحبيذ للزبون أو ابنه: يسري نصر الله مقبول، خيري بشارة لا يُقبل. فيلم لإيليا سليمان يدخل المسابقة لكنّ فيلما لميشيل خليفي يحتاج إلى واسطة. هذا من دون أن ندخل هنا في مفاضلة فنية بين هذا الفيلم أو ذاك، فالمشترك في المسابقة مخرج مرموق لكن كذلك الذي لا يستطيع النفاذ إليها. فيلم مرزاق علواش الأخير «مدام كوراج» كان من بين الأفلام التي تقدّمت ولم يسمح لها بإنجاز الخطوة، لكن كذلك حال أفلام أخرى مثل «جموع سوداء» لسكوت كوبر مع جوني دب وداكوتا جونسون وبنديكت كمبرباتش و«جين لديها مسدس» لكيفن أوكونور بطولة إيوان مكروغر ونتالي بورتمن التي انتخب فيلمها «حكاية حب وظلام» في عروض خارج المسابقة الرسمية. والأمر نفسه يخص فيلم ألكسندر سوخوروف «احتلال» الذي يتحدّث عن أحوال فرنسا تحت وقع الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية. هل يمكن أن يكون المخرج الذي يحفل تاريخه بالجوائز الدولية صنع فيلمًا لا يستحق الاشتراك في «كان» الذي سبق وأن عرض له أفلاما سابقة أو أن زوخوروف سقط ضحية الفرز الجديد بالإقلال من المخرجين - الزبائن بصرف النظر عن قيمة إنجازاتهم؟
كما هو الحال دائمًا، خسارة مهرجان هي ربح لمهرجان آخر ومهرجان فنيسيا يرقب ويترقب وليس من المفاجئ أن نجد بضعة أفلام لم تدخل مسابقة «كان» لكنها ستدخل مسابقة المهرجان الإيطالي المنافس.
على صعيد آخر، هناك ثلاثة أسماء عربية تشترك في لجنة تحكيم قسم «نظرة ما». اللجنة تحت رئاسة الممثلة إيزابيللا روسيليني وهي محاطة بمخرج يوناني هو بانوس كوتراس، وبممثل فرنسي هو طاهر رحيم (وهو من أصل عربي) ومن المخرجتين السعودية هيفاء المنصور واللبنانية نادين لبكي.

** بالأرقام
* المرّة الأولى التي يتم اختيار رئيسين معًا لقيادة لجنة التحكيم وهما المخرجان الشقيقان جووَل وإيتان كووَن.
* «رأس مرفوعة» هو الفيلم الذي يفتتح دورة هذا العام، وهو من إخراج إيمانويل بركو. هذه هي المرّة الثانية التي يفتتح فيها مهرجان «كان» دورة له بفيلم من إخراج امرأة. المرّة الأولى كانت سنة 1993 عندما قدّمت النيوزيلندية جين كامبيون فيلمها «البيانو».
* 17 مليون و500 ألف يورو قيمة الجواهر التي تمّت سرقتها في الأسبوع الماضي من متجر في وسط مدينة «كان».
* ميزانية هذه الدورة تبلغ 23 مليون دولار. يوفر دافعو الضرائب من فرنسيين ومقيمين نصفها ونصفها الآخر يأتي من مؤسسات حكومية.
* يبلغ طول البساط الأحمر 60 مترًا ويتم استبداله مرّتين في اليوم على الأقل.‬
* 83 عدد الأفلام التي سيتم عرضها في هذه الدورة من بينها 19 فيلمًا في المسابقة ‬
* 468 كاميرا أمنية موزّعة طوال الشارع الساحلي (لاكروازيت) والفنادق والصالات وباقي الأماكن التي تشهد نشاطات المهرجان كافة.
* 4500 هو عدد الصحافيين ورجال الإعلام الذين سيغطون المهرجان في دورته الحالية.
* 31.500‬ عدد من تم توزيع البطاقات عليهم (من غير الصحافيين) ويشمل ذلك كل أصحاب المهن السينمائية.
* 210 آلاف عدد سكان مدينة كان خلال المهرجان. يعود الرقم إلى طبيعته (نحو 70 ألف نسمة) بعد انتهاء المهرجان.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».