تصويت ليبيا ضد روسيا... هل يجر عليها «عقوبات قاسية» من موسكو؟

لا يزال القرار الذي اتخذه مندوب ليبيا في الأمم المتحدة بالتصويت لصالح تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان يلقي بظلاله على البلاد، التي تعاني الانقسام السياسي بين حكومتين متنازعتين على السلطة.
ففيما عبر بعض السياسيين عن غضبهم من توجه حكومة «الوحدة الوطنية»، بصفتها الممثل للبلاد في الأمم المتحدة حالياً، ووصفهم القرار بأنه «غير حكيم ويفتقد للحياد»، توقع آخرون أن تلجأ روسيا للرد على هذه الخطوة باللعب بورقة «مرتزقة الفاغنر»، أو عدم الموافقة على التمديد للبعثة الأممية، أو تعيين رئيس لها في البلاد.
ورأى عضو مجلس النواب، محمد عامر العباني، أن الروس يدركون جيداً أن تصويت ليبيا، الذي تمثلها حكومة عبد الحميد الدبيبة، في الأمم المتحدة «لم يكن هو المؤثر في تمرير القرار بتعليق عضويتها»، مشيراً إلى أن الدبيبة «يتخذ من الأزمة الأوكرانية غطاءً لمغازلة واشنطن وحلفائها؛ أملاً في حصوله على دعم ببقائه على رأس السلطة التنفيذية، رغم انتهاء ولاية حكومته، وربما يأمل أيضاً في تجديد خريطة الطريق التي ستنتهي في يونيو (حزيران) المقبل».
وقال العباني لـ«الشرق الأوسط» إن التداعيات المحتملة للرد الروسي على هذا القرار «ستمثل إزعاجاً للولايات المتحدة والغرب الأوروبي، وذلك بتمترس (المرتزقة الفاغنر) في مواقعهم ببعض الدول، ومنها ليبيا».
ولم يبتعد وكيل وزارة الخارجية الأسبق، حسن الصغير، عن الطرح السابق، بالتأكيد على أن الرد الروسي سيوجه للأطراف الدولية، التي رغبت حكومة «الوحدة» في الحصول على دعمها، متوقعاً أن يكون «ملف تجديد ولاية البعثة الأممية في ليبيا، واختيار رئيس جديد لها، هو بداية هذه المواجهة المرتقبة».
وقال الصغير لـ«الشرق الأوسط» إن ملف تجديد ولاية البعثة «سيطرح نهاية الشهر الجاري. علما بأنه في يناير (كانون الثاني) الماضي، حالت الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة دون تمديد ولايتها لأكثر من ثلاثة أشهر، ولذلك من المتوقع أن يتجدد الخلاف على مدة التمديد، وقد ترهن موسكو مواقفها في تلك القضية باختيار رئيس للبعثة». مشيرا إلى أن «اختيار مبعوث أممي جديد سينهي دور الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز، والتي تشغل حالياً منصب مستشار الأمين العام للأمم المتحدة للملف الليبي، وإلى حين بلوغ هذا الموعد فإنه من المتوقع أن تمارس موسكو التضييق على ويليامز، ومنعها من تقديم بياناتها بشكل مباشر لمجلس الأمن».
وحمل السفير السابق حكومة الدبيبة مسؤولية تبعات هذا القرار، وقال بهذا الخصوص: «لقد تم التخلي عن سياسة الحياد، التي التزمت بها دول تعرف بكونها من الحلفاء التقليديين للإدارة الأميركية بالمنطقة العربية، وبالتالي ليس من الحكمة التورط وكسب العداء المجاني مع الروس».
في مقابل ذلك، رأى زميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة جونز «هوبكنز»، الليبي، حافظ الغويل أن قرار حكومة الدبيبة بالتصويت ضد روسيا «جاء منسجماً في إطار رفض الأخيرة خروج (مرتزقة الفاغنر) من ليبيا، أو ربما أيضا جاء بحثا عن تأييد أميركي وأوروبي للصراع الراهن حول السلطة التنفيذية في مواجهة حكومة فتحي باشاغا، ونكاية بترحيب موسكو بقرار مجلس النواب بتكليف حكومة بديلة لها».
ولم يستبعد الغويل قيام روسيا بتصفية حساباتها في الساحة الليبية، خاصة في ظل ما تشهده من انقسامات وصراعات، حيث «سيكون الرد بمثابة رسالة أولى لإثبات جديتها بمعاقبة المصوتين لصالح قرار تعليق عضويتها».وعدد الغويل الخيارات التي تملكها روسيا موضحاً: «أولا هناك وجود للمرتزقة (الفاغنر) بالقرب من حقول إنتاج وتصدير النفط بالداخل الليبي، فضلا عن وجود نشط لهم أيضا في دول عدة بالجوار الأفريقي»، ولفت إلى أن الروس «يتمتعون بعلاقات جيدة مع القوى السياسية والعسكرية الموجودة في شرق ليبيا وجنوبها، مما يكفل لهم عرقلة أي مساع تقودها ويليامز لحل الأزمة السياسية».
أما على الصعيد الاقتصادي، فتوقع الغويل أنه في حال رفع العقوبات عن روسيا، قد «لا تتردد في خلق أزمة بكميات القمح التي تستوردها ليبيا منها، كما يمكنها إثارة قضايا تتعلق ببعض الديون المتراكمة على صفقات السلاح منذ عهد النظام السابق».
واستبعد الغويل وجود تعويل روسي على أنصار النظام السابق للرد على التصويت الليبي، منوهاً إلى إمكانية حدوث تفاهم بين الروس والأتراك حول هذا الأمر، وقال في هذا السياق: «رغم تقاطع المصالح مع تركيا بمناطق أخرى، يبدو أن هناك تقاربا سياسيا يجمعهما في ليبيا بفعل الوجود العسكري هناك، ومن غير المستبعد أن يكونا قد لا توافقا على إبقاء المرتزقة، سواء لـ(الفاغنر) الروسيين أو السوريين لفترة مقبلة».