هل هي بداية النهاية لتنظيم داعش المتطرف في العراق؟.. فطبقا للمعلومات المؤكدة فإن التنظيم خسر معظم محافظة ديالى و75 في المائة من محافظة صلاح الدين وأيضا نحو 350 كيلومترا مربعا من محافظة كركوك، وهذه تشكل أكثر من ثلث الأراضي والمدن التي كان يحتلها.
غير أن الأمر لا يكمن فقط في خسارة الأراضي التي كان يحتلها، إذ إنه «خسر نحو عشرة آلاف من مقاتليه حسب تقديرات أميركية، كما خسر نحو 25 في المائة من جهوزيته القتالية من حيث المخازن والعتاد والبنى والتحتية، والأهم من ذلك أنه فقد نحو 90 في المائة من موارده النفطية، حيث كان يسيطر على نحو 200 بئر نفطية بين العراق وسوريا لم يبقَ منها الآن سوى عشر آبار، في حين قتل نحو 10 من أبرز قادة الخط الأول له والبالغ عددهم 43 قائدا».
التأثيرات بعيدة المدى لهذه الخسارة تتمثل في ابتعاد تهديده لأمن العاصمة بغداد الذي انتهى كليا بالإضافة إلى ابتعاده عن المراقد الدينية، لا سيما الشيعية بما فيها سامراء، كما تحققت له خسارة كبيرة في محافظة صلاح الدين، حيث يوجد مجلسه العسكري فيها لأن محافظة صلاح الدين تمثل أهمية استراتيجية بوصفها تربط بين أربع محافظات هي ديالى وبغداد والموصل والأنبار. وبالتسميات فإن «داعش» خسر تكريت، وطوزخورماتو، والعلم، وآمرلي، وجرف الصخر، وجلولاء، وخانقين، والسعدية، وسنجار (شمالا) زمار، وسد الموصل. وفي الأنبار خسر قرى زوبع والهيتاوين ومعظم شرق الفلوجة والكرمة والعناز وسدة النعيمية. أما المناطق التي لا تزال تحت سيطرته فهي الموصل، وتلعفر، والحويجة، وبيجي، والحظر، والشرقاط، والفلوجة، وعانة، وراوة، والقائم، والرطبة.
كانت البداية من الموصل وبالتحديد في العاشر من يونيو (حزيران) عام 2014 حين دخل تنظيم داعش مدينة الموصل المدججة بأسلحة أربع فرق عسكرية يتولى قيادتها ثلاثة من كبار جنرالات الجيش العراقي. في اليوم التالي طرق تنظيم داعش أبواب محافظة صلاح الدين المحاذية لنينوى. ولكلا محافظي المحافظتين حكاية، الأولى مع محافظ صلاح الدين آنذاك (عام 2014) والوزير حاليا أحمد عبد الله الجبوري، والثانية مع محافظ نينوى أثيل النجيفي خلال شهر مارس (آذار) الماضي.
ما أدلى به المحافظان لـ«الشرق الأوسط» العام الماضي حين تمدد «داعش» حتى بلغ تخوم العاصمة العراقية بغداد، والعام الحالي حيث بدأ خطر «داعش» بالانحسار رغم قدرته على خوض معارك الكر والفر بلعبة مميتة.. يعطي تصورا شبه مكتمل عن الحكاية كلها من ألفها إلى يائها. محافظ صلاح الدين أحمد الجبوري كان أبلغ «الشرق الأوسط» في الحادي عشر من يونيو 2014 أنه «لا خطر على تكريت، إذ إن القوات المسلحة والشرطة تمسك بزمام الأمور، مشيرا إلى أن «هناك قسما من جرذان داعش (على حد قوله وقتها) موجودون عند أطراف الشرقاط وسوف تتم معاملتهم الليلة». لكن تلك الليلة لم تكن كمثيلاتها. عند الصباح كان (جرذان داعش) يطوقون مدينة تكريت من جهاتها الأربع تمهيدا لدخولها الذي بدا سريعا بعد أن انسحب الجميع، جيشا وشرطة. وبينما دخل الدواعش متن المدينة حيث اضطرت الحكومة المحلية بمن فيها المحافظ على الانسحاب من المدينة إلى مناطق أكثر أمنا فإن الدواعش وعلى الهامش حيث موقع القصور الرئاسية ارتبكوا ما عرف في ما بعد بمجزرة سبايكر حين قتلوا أكثر من 1700 جندي ومتطوع شيعي كانوا متحصنين في تلك القاعدة العسكرية المحصنة أصلا. بعد ذلك تجرأ تنظيم داعش كثيرا وأعلن على لسان ناطقه الرسمي أن وجهته القادمة بغداد ومن ثمن النجف وكربلاء.
اليوم وبعد مرور أقل قليلا من سنة على ما بدا تمددا غير طبيعي لهذا التنظيم الإرهابي فإنه وطبقا للحقائق على الأرض بالإضافة إلى التقارير الدولية ومنها تقرير صدر مؤخرا عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) فإن تنظيم داعش خسر نحو 30 في المائة من الأراضي التي احتلها داخل العراق. ولكي نستكمل هذه القصة لا بد من العروج إلى رواية محافظ نينوى أثيل النجيفي بشأن الكيفية التي سقطت بها الموصل وسمحت لـ«داعش» بالتمدد. النجيفي وفي سياق روايته لـ«الشرق الأوسط» قال إن تمدد «داعش» لم يكن وليد تاريخ سقوط الموصل، بل بدا الأمر أبعد من ذلك بشهور. يقول النجيفي إن «السياسة الخاطئة التي اتبعها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي حيال أهالي الموصل هي التي أدت إلى الانهيارات في الموصل، حيث عمل على إهانة القضاء هناك وعمل على تشجيع الجيش وبعض القادة العسكريين على إهانة المؤسسة القضائية، إذ إن أحد الضباط ممن قام بإطلاق النار على أحد القضاة داخل المحكمة كان الجزاء الذي ناله هذا الضابط هو تكريمه من قبل المالكي». ويضيف النجيفي أن «المالكي كان يسعى إلى قهر إرادة المواطنين هناك لأسباب طائفية، وهو ما عمله من خلال المظاهرات، حيث كان يريد تسويق فكرة أنه هو وحده على حق وكل المعارضين له على باطل، علما بأن هناك من يطبل ويزمر له بهذا الاتجاه».
كَرّ أم فَرّ؟
ليست المعارك التي يخوضها تنظيم داعش في محافظة الأنبار اليوم تشبه المعارك التي خاضها في محافظة صلاح الدين بالأمس، ففيما خسر كثيرا من الأراضي التي كان يحتلها في صلاح الدين وهي التي اعتبرت بمثابة بداية النهاية لحكاية تمدده فإنه ورغم كثافة الهجمات التي يقوم بها في محافظة الأنبار منذ الإعلان الخاطئ عن ساعة الصفر لبدء معركة تحرير الأنبار والتي أدت إلى موجة نزوح غير مسبوق طوال الأيام الماضية، فإنه من الناحية العملية لم يحقق أي موطئ قدم جديد، الأمر الذي يعني أنه لا يزال يفقد مزيدا من الأراضي، ففي صلاح الدين وبعد تحرير مركز المحافظة مدينة تكريت فإن تنظيم داعش حاول الالتفاف على واحد من أهم الأهداف الاستراتيجية وهو مصفى بيجي الذي أطلقت عليه الحكومة العراقية تسمية مصفى الصمود نظرا لكثافة المعارك التي دارت حوله ورهان تنظيم داعش عليه، لكن مع ذلك لم يتمكن التنظيم من السيطرة عليه رغم أنه لا يزال يسيطر على أجزاء من محافظة صلاح الدين تمتد إلى قضاء الشرقاط شمالا (120 كلم عن تكريت) ويقع بمحاذاة محافظة نينوى. وفي الأنبار المحافظة المترامية الأطراف فإن تنظيم داعش حاول في الآونة الأخيرة تعويض خسائره في صلاح الدين لكنه من الناحية العملية لم يحقق ما كان يتمناه. قائد عمليات الجزيرة والبادية اللواء الركن ناصر الغنام بدا متفائلا بشأن مستقبل تنظيم داعش حيث يرى أنه بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة. اللواء الركن الغنام وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول إن «هذا التنظيم لا بد أن يهزم في أقرب وقت ممكن بعد أن أعددنا العدة ووضعنا الخطط الكفيلة بهزيمته، ليس في المناطق التي تقع تحت قيادتي في قطاعنا، بل في كل المحافظات المغتصبة، إذ إننا لن نفرط بشبر من أرض العراق، ولن نفرط بتاريخنا وثروات بلدنا وأرضنا، ولن يكون العراق يوما قاعدة لتجمع الإرهابيين». وأضاف أنه «سيتم القضاء على الحواضن التي يتحصن فيها التنظيم، وبذلك ننظف هذه المناطق بالكامل من كل وجود لهذه العناصر، وبالتالي تتوفر كل مستلزمات تحرير الأنبار ومن ثم نينوى، إذ إن لعمليات الجزيرة والبادية دورا هاما في تعزيز العمليات القتالية في محافظة الأنبار».
نبوءة أم توقعات؟
طبقا للتقرير الصادر عن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» فإن تنظيم داعش خسر بين 25 و30 في المائة من الأراضي التي كان يحتلها في العراق منذ سقوط الموصل خلال شهر يونيو عام 2014. وعزا البنتاغون تراجع هذا التنظيم إلى الضربات الجوية التي قام بها طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بالإضافة إلى الهجمات التي قامت بها القوات العراقية مدعومة بفصائل الحشد الشعبي الشيعي لا سيما في محافظة صلاح الدين. وقال الكولونيل ستيفن وارن المتحدث باسم البنتاغون طبقا لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «يتم دفع تنظيم داعش إلى التراجع ببطء»، مضيفا أن «قوات الأمن العراقية والتحالف الدولي ألحقا بالتأكيد بعض الأضرار بتنظيم داعش». وأشار إلى أن «التنظيم خسر ما بين 13 إلى 17 ألف كلم مربع خصوصا في شمال ووسط العراق».
المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية العراقية والخبير العسكري اللواء الركن عبد الكريم خلف يقول في تلخيص لما حصل لـ«الشرق الأوسط» جراء العملية العسكرية التي أطلق عليها «لبيك يا رسول الله» إن «العمليات العسكرية التي جرت في محافظة صلاح الدين أدت إلى تطهير أكثر 12 ألف كلم من مجموع مساحة محافظة صلاح الدين البالغة 25 ألف كلم مربع»، مضيفا أنه «لم يتبقَّ من محافظة صلاح الدين سوى 6 آلاف كلم مربع، وهي المنطقة المحصورة بين شمال بيجي إلى جنوب محافظة نينوى والمتمثلة بقضاء الشرقاط وبعض القرى التابعة له وصولا إلى قضاء الحضر بمحافظة نينوى». وفي الوقت الذي بدا فيه تنظيم داعش خسر معظم محافظة صلاح الدين وقبلها محافظة ديالى فضلا عن المناطق القريبة من حزام بغداد، لا سيما جرف الصخر فإنه حاول تعويض تلك الخسائر من خلال تكثيف الهجمات على مدن محافظة الأنبار باعتبار أن الأنبار حاضنته الأولى.
حالة تعويض
وبينما استثمر التنظيم الخلل الناجم عن إعلان ساعة الصفر لبدء معارك الأنبار بطريقة بدت مستعجلة من قبل القيادات العسكرية العراقية فقد جاءت أخبار إصابة زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي جراء غارة أميركية وتعيين خليفة مؤقت له هو أبو العلاء العفري لتخلط الأوراق على الجميع. ومع أن التنظيم لم يحقق مواطئ قدم جديدة يمكن أن تعوض له خسائره في ديالى وصلاح الدين ومناطق شمال العراق فإنه وطبقا لما أكده الخبير المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة الدكتور هشام الهاشمي المستشار في الأمن الوطني العراقي لـ«الشرق الأوسط» فإن «تنظيم داعش عمل في أكثر من جبهة، واتبع استراتيجية شاملة للوصول إلى أهدافه عن طريق العمل من خارج المدن ومن داخلها (الخلايا النائمة)، وانتهز حالة استعجال قيادة عمليات الأنبار في بدء المعركة، والتناقض بين التحالف الدولي والحشد الشعبي، لمحاولة السيطرة على الرمادي، وخصوصا أنه لم يواجه مقاومة قوية من القوات المشتركة والعشائر». ويضيف الهاشمي أن «مما ساعد داعش على تعديل المعادلة لصالحه تشتت القوة بين أعضاء مجلس المحافظة وشيوخ العشائر، وانقسام مؤسسات الجيش والأمن واختراق الصحوات وتعدد الولاءات والفساد المالي الكبير»! معارك الأنبار لم تضع أوزارها بعد وبالتالي فإن الحديث عن تقهقر «داعش» بالاستناد إلى المناطق التي خسرتها في المدن والمحافظات التي أشرنا إليها، وهي ليست قليلة بالتأكيد لا يزال مبكرا ما لم تحسم المعارك الجارية في الأنبار لا سيما في منطقة الثرثار، فبينما أقرت الحكومة العراقية بمصرع قائدين كبيرين هما قائد الفرقة الأولى وآمر أحد الأولوية فإنها نفت حصول إعدامات جماعية طبقا لما تم تداوله. وزير الدفاع العراقي خالد نفى ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن وجود عمليات قتل جماعي بحق جنود عراقيين من قبل تنظيم داعش في محافظة الأنبار. العبيدي تحدث أمام وسائل الإعلام عن تقدم كبير للقوات العراقية في ناحية الكرمة التابعة للفلوجة، لكن القريبة من بغداد في الوقت نفسه. ومع تكرار الحديث عن إصابة البغدادي بجروح بليغة فإن تنظيم داعش لا يزال يرمي بثقله في محافظة الأنبار المترامية الأطراف التي يصعب نشر قطعات عسكرية في كل مناطقها، لا سيما أن هذه المحافظة تحتل نحو ثلث مساحة العراق. أحد سياسي محافظة الأنبار الأستاذ في جامعتها فارس إبراهيم يرى في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يجري على صعيد معارك الأنبار والخلل الذي حصل جراء مباغتة القائد العام للقوات المسلحة حين أعلنت ساعة الصفر لبدء معركة تحرير الأنبار من قبل مجلس المحافظة لا القائد العام للقوات المسلحة إنما يشير إلى خلل كبير لم ينتبه إليه كثيرون». إبراهيم يضيف أن «ساعة الصفر التي أعلنت لم تكن في الواقع سوى ساعة صفر لتنظيم داعش من قبيل إعطائه الضوء الأخضر لبدء الهجوم الذي بدأ بتطويره حتى وصل إلى منفذ طريبيل الحدودي في محاولة لخلط الأوراق ووضع القيادة العسكرية العراقية أمام وضع في غاية الصعوبة». وأشار إبراهيم الذي هو أحد أعضاء مجلس القبائل المنتفضة ضد «داعش» إلى أن «عملية النزوح الكبير لم تكن سوى مكيدة أريد بها إفراغ مدينة الرمادي من سكانها لكي يدخلها الدواعش بحرية». وردا على سؤال بشأن الهدف النهائي من هذه العملية قال إبراهيم إن «الصفحة الثانية من هذه العملية هي عزل محافظة الأنبار عن كل العراق وتحقيق الهدف الذي ترمي إليه بعض الجهات داخل المحافظة وخارجها لتقسيم العراق بدء من الأنبار تحت ستار الإقليم السني».