بعد تزايد شكاوى المجتمع، والحكومات والعاملين في مجال الإعلام من ظاهرة المعلومات «الخاطئة والمضللة»، أطلقت مؤسسات إعلامية وتعليمية مبادرات عدة لتعزيز مبادئ التحقق من المعلومات، ومواجهة «الأخبار الزائفة والمضللة»، كان أحدثها اتفاق الشراكة الموقع بين معهد «بوينتر لدراسات الإعلام» ومبادرة «غوغل للأخبار» لدعم مجتمع مدققي الحقائق. ويرى خبراء أن «هذه المبادرات قد تعزز من جهود تقصي الحقائق، ومواجهة المعلومات الزائفة»، مؤكدين «ضرورة توسيع جهود محو (الأمية الإعلامية)».
وأعلن معهد «بوينتر لدراسات الإعلام» أخيراً عن عقد شراكة لمدة عام بين الشبكة الدولية لتقصي الحقائق (IFCN) التابعة للمعهد، وبين «مبادرة غوغل للأخبار»، لدعم مجتمع مدققي الحقائق، وتقليل مخاطر «المعلومات المضللة». وقال مات كوك، رئيس «غوغل لاب للأخبار»، في بيان صحافي نشره معهد «بوينتر»، إن «وصول الناس إلى المعلومات الدقيقة، والقدرة على فرز الحقائق من الخيال أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى»، مشيراً إلى أنه «في إطار مبادرة (غوغل للأخبار)، تم الاتفاق على هذه الشراكة مع الشبكة الدولية لتقصي الحقائق، بهدف توسيع نطاق جهودهم لتشمل جمهوراً عالمياً».
أما إينوك نايريكي، مدير المجتمع والتأثير في الشبكة الدولية لتقصي الحقائق IFCN، فأوضح أن «الشراكة مع مبادرة (غوغل للأخبار) تهدف إلى تمكين مدققي الحقائق من توسيع نطاق جهودهم في مكافحة (المعلومات الخاطئة والمضللة)، والتغلب على التحديات الحالية، وفتح حوار عام وهادف حول مكافحة المعلومات الخاطئة، وذلك من خلال البرامج التي تقودها الشبكة الدولية لتقصي الحقائق IFCN مثل جلوبال فاكت، واليوم الدولي لتقصي الحقائق». وقال نايريكي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه «من خلال هذه الشراكة والتعاون مع مبادرة (غوغل للأخبار)، ستنظم الشبكة الدولية لتقصي الحقائق ست ورش عمل حول التحقق من المعلومات، تهدف لتعزيز معايير أعلى للشفافية والمساءلة في الصحافة من خلال مدونة المبادئ وأفضل الممارسات بين مجتمع مدققي الحقائق».
ووفق بيان معهد «بوينتر» فإنه «إلى جانب ورش العمل سيتم ربط المنظمات الجديدة للتحقق من الحقائق مع مرشدين من بين الموقعين المعتمدين في الشبكة الدولية لتقصي الحقائق، في مختلف دول العالم، إضافة إلى خبراء في المجال بينهم الأساتذة في (بوينتر)، وذلك بهدف تطوير مهاراتهم في التحقق من المعلومات، وأخلاقيات وسائل الإعلام، والقيادة، ومحو الأمية الإعلامية، واستدامة الأعمال».
من جهته، يؤكد بيبرس أورسيك، مدير الشبكة الدولية لتقصي الحقائق، في بيان صحافي، أن «العالم اليوم بحاجة إلى تدقيق الحقائق أكثر من أي وقت مضى»، معتبراً الشراكة مع مبادرة (غوغل للأخبار) «مساهمة في الوقت المناسب» في جهود مجتمع مدققي الحقائق العالمي، موضحاً أن «هدفهم العمل مع منظمات التحقق من المعلومات الجديدة والحالية، وتشجيع التعاون الإقليمي، وبناء القدرات، ما يخلق قابلية للتوسع والاستدامة، في بيئة تتزايد فيها (المعلومات المضللة)».
وتقول إخلاص القاضي، الصحافية الأردنية، مسؤولة التحقيقات في وكالة الأنباء الأردنية «بترا»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «مثل هذه المبادرات تسهم في مكافحة (المعلومات الخاطئة والمضللة)». وتشير إلى «وجود الكثير من الصفحات والمبادرات الحكومية وغير الحكومية للتحقق من المعلومات، مثل صفحة (حقك تعرف) في الأردن لكشف المعلومات والإشاعات، وتفنيد (الأخبار الكاذبة)، ومبادرة (معهد الإعلام الأردني) في هذا الصدد، وغيرها من المحاولات»، مشددة على «ضرورة أن يمتلك الصحافي الأدوات التكنولوجية للتحقق من المعلومات سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فهناك طرق متعددة لتزوير الصورة والفيديو».
بدوره، يؤكد حسام الهندي، الصحافي ومدقق المعلومات المصري، أن «أي تعاون دولي في مجال التحقق من المعلومات والأخبار له أثر جيد في دعم مدققي الحقائق، إضافة إلى أنه محاولة للضغط على مواقع التواصل الاجتماعي للعمل على وقف وتعطيل انتشار (الأخبار المضللة والكاذبة)». ويضيف الهندي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه «في يناير (كانون الثاني) الماضي، أصدرت عدة منظمات بياناً لمطالبة موقع (يوتيوب) باتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لمحاربة (المعلومات المضللة والكاذبة)، وقبلها كانت هناك مبادرات مماثلة مع مواقع التواصل الاجتماعي».
وللمنطقة العربية نصيب من اتفاق الشراكة عبر مشاركة مجموعة من مدققي الحقائق باللغة العربية في الشبكة الدولية لتقصي الحقائق، بحسب نايريكي الذي أشار إلى «مشاركة Verify - Sy من سوريا، وFatabyyano الذي يضم مدققي معلومات من مصر، واليمن، والمغرب، والعراق، والمملكة العربية السعودية، وقطر، والأردن، والإمارات العربية المتحدة، وتونس، ومكاتب وكالة الصحافة الفرنسية في اليمن، والمغرب، وتونس، ومصر، كما تضم قائمة الموقعين المعتمدين على مبادئ الشبكة الدولية لتقصي الحقائق مؤسسة مهارات من لبنان».
وتستهدف هذه الشراكة أكثر من 2000 مدقق للحقائق من 60 دولة مختلفة، بما في ذلك أكثر من 130 منظمة لتقصي الحقائق تلتزم بمدونة مبادئ الشبكة الدولية لتقصي الحقائق IFCN، من بينها وكالة «أسوشيتدبرس» الأميركية للأنباء، و«بووم» من الهند، و«برافدا» من بولندا، و«أفريقيا تشيك» من جنوب أفريقيا، وغيرها من المنظمات من الأرجنتين والبرازيل وأوكرانيا. وتتيح الشراكة وصول مدققي الحقائق إلى بنك أدوات البرمجيات، وتكنولوجيا المراقبة والتحقق من المعلومات مجاناً، بحسب البيان الرسمي.
ويرى خبراء أن «هذه الشراكة والدعم من (غوغل للأخبار) يعززان تأثير المبادرات الحالية لتقصي الحقائق، ومن بينها اليوم الدولي لتقصي الحقائق الذي تقوده الشبكة الدولية لتقصي الحقائق سنوياً، إضافة إلى قمة (غلوبال فاكت) المقرر عقدها في أوسلو بالنرويج في يونيو (حزيران) المقبل».
وتشير القاضي إلى أن «تحدي (الأخبار الزائفة) يفرض على الصحافيين العمل على التحقق من المعلومات، واعتماد المعايير والأخلاقيات الإعلامية في الحصول على المعلومة من مصادرها الأصلية، والتحقق من أي أخبار يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبار المواطن الصحافي مصدراً لمعلومات ينبغي التحقق منها قبل إعادة نشرها».
وبحسب نايريكي «تشكل (المعلومات الخاطئة) خطراً كبيراً على طريقة حياة الناس، حيث من الممكن أن تسبب لهم ضرراً كبيراً». ويشير إلى أن «مدققي المعلومات حول العالم يعملون بموارد محدودة، ويحتاجون إلى الكثير من الدعم لمواجهة (المعلومات الزائفة) التي تمس مسائل المصلحة العامة، والتغلب على التحديات والمضايقات المختلفة».
مع بداية جائحة «كوفيد - 19»، «انتشرت «المعلومات الخاطئة» المتعلقة بالفيروس بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي. و«خلال سبتمبر (أيلول) عام 2020 تم تداول أكثر من مليون منشور على (تويتر) يتضمن (معلومات غير دقيقة ومضللة) عن الوباء»، بحسب تقرير منظمة اليونيسكو حول الإعلام الصادر في مارس (آذار) الماضي.
ويشير الهندي، في هذا الإطار، إلى «صعوبة التحقق من جميع المعلومات، مع وجود عدد كبير من اللغات واللهجات، إضافة إلى أنها تحتاج لعنصر بشري أحياناً للتأكد من المعلومات، فضلاً عن وجود اختلاف في بعض الأوقات بشأن ماهية (المعلومات المضللة)، ومن المسؤول عن حذفها، وهل يعتبر حذفها تعدياً على حرية التعبير؟»، معرباً عن أمله في أن «يؤدي التعاون بين (غوغل) ومعهد (بوينتر) إلى تأسيس فرق عمل، ومدونة سلوك، تتجنب النقاط الخلافية في تدقيق الحقائق».
وتؤكد القاضي، التي تعمل أيضاً كمستشارة إعلام واتصال، «أهمية (محو الأمية الإعلامية)، وتدريب المواطنين على فرز المعلومات الصحيحة من الزائفة، وعدم مشاركة أي معلومة دون التحقق منها، مع تدريب الصحافيين على آليات التحقق من المعلومات والصور والفيديوهات، حتى لا يقعوا في فخ نشر معلومات زائفة ومضللة».
إلى ذلك، لا تقتصر جهود مكافحة «المعلومات المضللة» بالوسط الإعلامي؛ بل تمتد إلى الحكومات، ففي مطلع أبريل (نيسان) الجاري، أعلن مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، تبنيه «خطة عمل للتصدي لـ(المعلومات المضللة)»، وذلك بناءً على طلب من أوكرانيا، حظي بدعم من عدد من دول العالم بينهم اليابان، وبولندا، ولاتفيا، وليتوانيا، والولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا. وبينما أكد مشروع القرار على دور «الحكومات في مواجهة الروايات (الكاذبة)»، لم تحظ الخطة بتأييد الجميع بدعوى «عدم تركيزها على الأسباب الجوهرية لـ(الأخبار الكاذبة)، أو قيام مقدمي الخطة أنفسهم بالترويج لـ(المعلومات المضللة)»، وفقاً للبيانات الرسمية للأمم المتحدة.
مبادرات التحقق من «الأخبار الزائفة» قد تعزز محو «الأمية الإعلامية»
مبادرات التحقق من «الأخبار الزائفة» قد تعزز محو «الأمية الإعلامية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة