سنوات السينما

مشهد من فيلم المرج المنتحب (The Weeping Meadow)
مشهد من فيلم المرج المنتحب (The Weeping Meadow)
TT

سنوات السينما

مشهد من فيلم المرج المنتحب (The Weeping Meadow)
مشهد من فيلم المرج المنتحب (The Weeping Meadow)

‫The Weeping Meadow‬ ★★★
1962
1-2
جمال تلك الفضاءات الكبيرة
كل أفلام المخر‪ج اليوناني‬ ثيودوروس أنجيلوبولوس تتطلب صبراً طويلاً؛ كونه يروي ما يرويه ببطء مقصود، ما يحيل المتابعة إلى عملية انتظار ما سيلي. لكن خلال هذه العملية هناك شعر منساب عبر المشاهد المصوّرة بجمالية روحانية. بذلك، فإن أبعاد المشهد هي ذاتها أبعاد الفيلم بأسره. حين يمعن النظر إلى بحر بمراكب تتحرك ببطء شديد حول منزل مُشيَّد في وسط هذا البحر، فإن البعد الماثل هنا هو جمالية هذا التأليف الآتي، كما لو كان رسماً. البعد الكامل فيه هو جزء مؤلّف للفيلم كاملاً. إنه فيلم عن النزوح، وهذا جزء من ذلك النزوح.
يبدأ الفيلم بواحد من المشاهد الكبيرة المحببة لدى المخرج: جموع قادمة من الهضاب يتقدمها رجل وزوجته وولده ومعهم فتاة يتيمة صغيرة السن التقطها الزوجان في طريقهما. السنة هي 1919، والمهاجرون هم يونانيون نازحون من روسيا يبغون العودة إلى بلادهم، ويصلون إلى نهر ثيسالونيكي، ويقفون عند الطرف الشمالي منه تحت ستار تعليق مقروء (بصوت المخرج نفسه) يوضح حالتهم ومَن هم، ثم يخص العائلة المذكورة بالعناية.
حين وصول النازحين إلى ضفة النهر، ينطلق سبيروس (فاسيليس كولوفوس) بالكلام، ناظراً مباشرة إلى الكاميرا، حيث من المفترض أيضاً أن يكون هناك مستقبل ما على الضفة الأخرى، يوجه سبيروس كلامه إليه. بعد ذلك يقفز الفيلم سنوات إلى الأمام، حيث أسس النازحون قرية نشطة ومزدهرة (بُنِيَت خصيصاً في منطقة كركيني) تسرح فوقها الكاميرا (بإدارة أندرياس سينانوس) مصوّرةً أناساً وحيوانات وبيوتاً تتنفس المكان الطبيعي بدعة.
إنها نقطة فنية عالية من الفيلم؛ ليس بسبب الكاميرا المنصبّة من بعيد ومن فوق على القرية، بل أيضاً لأنها تشمل حركة كاملة مُحاكة بتفاصيل ثرية. أمر لن يتكرر كثيراً بعد ذلك للأسف. حين يعود المخرج إلى شخصياته، نجده اختص بالشخصيتين اللتين ستسودان الفيلم بأسره: إيليني (ألكسندرا أيديني) الفتاة اليتيمة وابن سبيروس (الذي يبقى بلا اسم، ويؤديه نيكوس بورسانيديس). كلاهما أصبح في سن الشباب ويحبان بعضهما غصباً عن والد الفتى الذي كان قرر الزواج من إيليني. يهرب العاشقان من القرية التي تنطلق للبحث عنهما. ينضم العاشقان إلى فرقة موسيقية يقودها نيكوس (يورغوس أرمينيس) حيث يبرهن الابن على عزف من شأنه «جعل الأشجار ترقص»، كما يَصف نيكوس عزف الشاب على الأكورديون.
«المرج المنتحب» ليس متساوي الحسنات. في كثير من مشاهده هناك نقص في ملء فراغ درامي. تبدو المشاهد جميلة لذاتها فقط. المشاهد التي تنجح أكثر من سواها تلك العامة الكبيرة التي تصوّر حالة شاملة كمشهد القرية الأول، ثم مشهدها وقد فاضت المياه من حولها. هنا ينفذ انجيلوبولوس إلى إبداعات أعماله الأخرى. يجد المُشاهد الرابط الإبداعي بين تلك الأعمال وهذه المشاهد المميزة. في سياق الأساليب القائمة على كاميرا التأمل (من أندريه تاركوفسكي وما دون) يقف انجيلوبولوس عادة في موقع متقدم وإن ليس رائداً.
ثيودوروس أنجليبولوس:
والده كان شاعراً وكان يسارياً. اختفى خلال الحرب الأهلية اليونانية في الأربعينات. هذا الاختفاء ترك في ذات ثيودوروس أثراً حزيناً عبّر عنه في أفلامه من خلال شخصيات أخرى. لكن فقدان الأب ليس وحده الذي نقرأه على صفحات أفلام المخرج، بل كذلك رغبته في تناول التاريخ والبحث عن الهوية المفقودة. الجيل الجديد من المثقفين اليونانيين تجاوز طروحاته، وبعضهم لا يعتبره الفنان المبدع الذي استحق مكانته في الغرب.

ضعيف ★ وسط ★★ جيد ★★★
ممتاز ★★★★ تحفة ★★★★★


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز