بات ارتباط تقليد المشاهير في رمضان كارتباط الفوانيس المضيئة بهذا الشهر الفضيل، إذ إنها لا تُعرض طيلة أشهر السنة إلا في رمضان. وتتصدر دائماً ما يُسمى بـ«الفترة الذهبية» التلفزيونية، التي تأتي بعد الإفطار وتحظى بمتابعة جماهيرية عالية، وينعكس رواجها على شبكات التواصل الاجتماعي أثناء وبعد العرض.
ورغم انتشار هذه البرامج منذ سنوات طويلة في القنوات الخليجية، فإنها لا تزال تحظى بالشعبية نفسها، مستمدة ذلك من قدرتها على إضحاك الجمهور، الذي يرى فيها استنساخاً لمشاهير يألفهم، لكن بصورة ساخرة، وربما لاذعة أحياناً، مما يجعل بعضها يخرج عن إطار صناعة البسمة إلى إثارة الجدل، ما بين مؤيد ومعارض لهذا المضمون.
ومن أكثر البرامج رواجاً «ستوديو 22»، الذي يتصدر قائمة البرامج الأعلى مشاهدة حسب موقع «شاهد» التابع لمجموعة «إم بي سي»، وهو يعرض للعام التالي على التوالي، ويتناول قصة مجموعة أشخاص بعد إفلاس قناتهم التلفزيونية يقررون الاستمرار رغم كل الظروف في جو فكاهي، يستقطعه مشاهد تقليد المشاهير والفنانين بين فواصل البرنامج، التي تحظى بإشادة البعض وامتعاض البعض الآخر.
باعثة للبهجة
يرى الدكتور نايف الثقيل، مدير عام الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون المكلف، وأستاذ في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود في الرياض، أن برامج تقليد المشاهير من البرامج الكوميدية المضحكة، التي تبعث السرور والبهجة لدى الجمهور، مبيناً أهميتها في خلق الضحكة والمتعة لدى المشاهد.
وبسؤاله إن كان بعضها يدخل في إطار التهريج والسخرية، يعتقد أنه من غير الملائم وصمها بذلك، إذ يرى أن الأمر نسبي، ويختلف من شخص لآخر، قائلاً: «ما قد يراه البعض تهريجاً يراه البعض الآخر خلاف ذلك». مشيراً إلى أن فكرة تقليد الشخصيات في برنامج خفيف من نوعه هو أمر يتوافق مع ما يحبه الإنسان في البحث عن الأشياء المضحكة ومشاهدة المحاكاة.
ويستشهد الثقيل خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، برأي الفيلسوف أرسطو في أن الإنسان بغريزته الإنسانية يحب المحاكاة، كما يرى كيف أنّ الناس مهتمة بمشاهدة الممثلين، الذين يحاكون شخصية يعرفونها، مع الاستمتاع بقدرتهم على التقليد واختيار الجزئية المعنية بذلك، ويردف: «أنا أتابع هذه البرامج، وأعتقد أنه حتى في الحالة التي يبالغ المؤدي في تقليد شخصية ما، أجد فيها نوعاً من المتعة المقبولة».
إلا أن المحاكاة المقصودة هنا ترتبط بالتقليد للشكل الظاهري بغرض إضحاك الجمهور، بعيداً عن المحاكاة في الدراما، التي يوضح الثقيل أن أمرها مختلف، ويفيد بأن الممثل حين يقلد الآخرين فإن ذلك لا يخدم العمل الدرامي، مع تأكيده على الفرق بين تقليد الشخصية، وتقمص الشخصية في الدراما.
ولكن لماذا تحظى هذه النوعية من البرامج باهتمام الجمهور في رمضان؟ يجيب الثقيل: «اعتاد الجمهور على هذه البرامج في هذا الشهر، فهي منتشرة منذ فترة طويلة، وصار لها خصوصية في رمضان، ومن وجهة نظري فإن فيها مجالاً لبعث السرور وصناعة البسمة، إلى جانب أنها تستكشف قدرات الكثير من الممثلين الذين يقدمونها».
برنامج «ستوديو 22» يتصدر قائمة البرامج الأعلى مشاهدة في قنوات «أم بي سي»
أبواب القضاء
الشيخ عادل الكلباني ممن انزعجوا من تقليدهم، وقد صرح في لقاء تلفزيوني استضافه خلاله المقدم علي العلياني، قائلاً: «هناك فرق كبير بين السخرية والاستهزاء، وبين الكوميديا اللطيفة أو الإسقاط، لكن أظن أن المسألة ستصل إلى القضاء»، مؤكداً أن تقليده كان مسيئاً وتضمّن ألفاظاً نابية، حسب وصفه.
موقف الكلباني يعيد إلى الذاكرة مواقف شبيهة سابقة، من مشاهير غضبوا من تقليدهم، والبعض منهم رفع راية الحرب تجاه من قلدوهم، واستمروا بموقفهم هذا لسنوات عدة، الأمر الذي تطلب مصالحتهم في حالات ظهرت عبر برامج تلفزيونية، وهو ما يجعل هذا النوع من البرامج شديدة الحساسية، كي لا تُقطع شعرة معاوية ما بين إسعاد الجمهور وإغضاب المشهور.
مشاهير شبكات التواصل
يدخل مشاهير تطبيقات «سناب»، و«تيك توك» وغيرها في خانة الأشخاص المُقلدين في رمضان، وهو عُرف حديث نسبياً، بعد أن كان التقليد حكراً على نجوم التمثيل، والغناء، والرياضة، والتقديم التلفزيوني، وكذلك مشاهير السياسة، والاقتصاد، لكن المشاهد اليوم بات يرى مشاهير شبكات التواصل الاجتماعي يلاحقونه على شاشات التلفاز.
ويبدو تباين الآراء واضحاً بين الجماهير أنفسهم حيال ذلك، فهناك من يرى أن بعض المشاهير لا يستحقون أن يسلط الضوء عليهم ضمن قائمة النجوم الذين يُقلدون في رمضان، وشريحة أخرى تستمتع بهذا التنوع وتحتفي به. أما المشاهير أنفسهم فيبدو اعتزازهم واضحاً بذلك من خلال إعادة نشر مقاطع تقليدهم، التي يرون فيها تأكيداً على انتشارهم وتأثيرهم بين الناس.