البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض

أقام في سرت وفشل في حل الخلافات بين مبايعي البغدادي وأنصار الظواهري

البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض
TT

البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض

البنعلي يضغط لتوسيع نفوذ «داعش» في ليبيا رغم تزايد العراقيل على الأرض

كشفت مصادر ليبية في العاصمة المصرية القاهرة، متخصصة بمتابعة نشاط تنظيم داعش، عن أن تركي البنعلي - البحريني الأصل - القيادي المهم في التنظيم الأم بالعراق والشام، يضغط على «داعش ليبيا» للإسراع في التصالح مع باقي المجموعات المتطرفة، وذلك لبسط النفوذ على مزيد من المدن الليبية، إلا أنه يواجه صعوبات في هذا الأمر لأسباب تتعلق بتوازنات بين الجماعات المتشددة في البلاد التي تعاني من الفوضى منذ مقتل العقيد معمر القذافي في 2011.

مصادر الجيش الليبي تقول إنه لا توجد معلومات مؤكدة عن انتقال البنعلي لقيادة «داعش» في ليبيا، وأوضح المستشار في الجيش الوطني الليبي، صلاح الدين عبد الكريم، قائلا لـ«الشرق الأوسط» حول ما أفادت به مصادر أخرى عن انتقال البنعلي لليبيا، إن «مثل هذه الأنباء أصبحت منتشرة، لكن لا توجد معلومات تؤكدها على الأرض». وكشف عن قيام الجيش قبل يومين بتوجيه ضربات لأربعة مراكب كانت تحمل متطرّفين وأسلحة متجهة من مدينة مصراتة لدعم المقاتلين المتشدّدين في بنغازي.
ولكن وفقا للمصادر، يسعى البنعلي، الذي عمل بالقرب من «الخليفة» المزعوم أبو بكر البغدادي، كرئيس لجهاز الحسبة في تنظيم داعش، لشق طريق للتعاون بين المقاتلين المتطرّفين، خاصة في مدن درنة وسرت وبنغازي شمالا، ومدينتي سبها وأوباري جنوبا، وحل الخلافات بين مبايعي البغدادي من جانب وأنصار زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري من جانب آخر. إلا أن الأوضاع المعقدة على الأراضي الليبية، وتزايد قدرة الجيش الوطني على ضرب مواقع المتطرفين، تعرقل من مهمة البنعلي.
وعما إذا كان «داعش» قد ولَّى البنعلي - البالغ من العمر 31 سنة - على ليبيا، قالت مصادر مطلعة إن تردّد الرجل على البلاد «يأتي على ما يبدو في إطار إشرافه على شؤون التنظيم في عدة بلدان خاصة في أفريقيا، بعدما بايعت حركة (بوكو حرام) النيجيرية المتطرفة (داعش) في الفترة الأخيرة». وأوضحت أنه على رأس أهداف البنعلي توسيع قاعدة التنظيم في ليبيا لأهميتها في المنطقة وفي البحر المتوسط وقربها من أوروبا، وأنه بحث مع أتباعه الاستعانة بـ«بوكو حرام» لتعضيد معارك «داعش» ليبيا، بعد تعرّض التنظيم للحصار ولعدة هزائم خلال الأسابيع الأخيرة.
في هذه الأثناء، يراقب سلاح الجو في الجيش الليبي عدة موانئ، منها درنة وسرت وبنغازي، مما أصبح يزيد من صعوبة دخول المتطرفين الأجانب من أمثال البنعلي للبلاد. لكن المستشار عبد الكريم يقول، ردًا على أسئلة «الشرق الأوسط»، إن «المشكلة تكمن في ميناء مصراتة البحري الذي تدخله سفن ترفع العلم التركي، ونحن في الجيش الليبي لا نريد أن نتعرّض لها كي لا ندخل في مواجهة عسكرية مع تركيا العضو في حلف الناتو (حلف شمال الأطلسي).. نحن نعلم أن العدو ينتظر أي خطأ من جانبنا».
من جهة ثانية، تشير جهات ترصد تحركات «داعش» إلى أن تركي البنعلي يتخذ من مدينة سرت مقرًا لإقامته حين يزور ليبيا، ويتحرك انطلاقًا منها إلى عدة مواقع توجد للتنظيم سيطرة فيها، من بينها درنة وصبراتة وسبها وأوباري. وللعلم، فإن سرت هي مسقط رأس القذافي ومكان مقتله. ويتحرّك البنعلي، وفق هذه الجهات، تحت حراسة مجموعة من المتطرّفين الذين يحتلون مباني حكومية في المدينة الواقعة بشمال وسط ليبيا، وتطل على البحر المتوسط، وتعدّ معبرًا مهمًا للمقاتلين في أرجاء البلاد.
وتشير إجابات المستشار عبد الكريم عن الأسئلة إلى أن قيادات من تنظيم «الجماعة الليبية المقاتلة» الموالية لتنظيم القاعدة، ويشتبه في تسهيلها ظهور «داعش» في ليبيا، ما زالت تقف وراء فتح الأبواب للمقاتلين الأجانب لنشر مزيد من الفوضى في البلاد. وحاليًا تقود عناصر من «الجماعة الليبية المقاتلة» بالتحالف مع جماعة الإخوان قوات ما يعرف باسم «فجر ليبيا» المحسوبة على مدينة مصراتة الساحلية، وتنفذ عمليات ضد الجيش.
ويقول عبد الكريم إن «المنفذ المتبقي لدخول المتطرفين الأجانب، مثل البنعلي، هو غالبًا ميناء مصراتة الذي يستقبل سفنًا تحمل العلم التركي بعيدًا عن إشراف الدولة الليبية وسلطاتها الشرعية». ويضيف أن «المتطرفين الآن يدخلون من مصراتة كغطاء لهم، لأنهم يخشون الدخول من الموانئ الأخرى التي أصبحت تحت أعين رجال الجيش الليبي».
جدير بالذكر أن تركي البنعلي يحظى بشهرة واسعة في أوساط المتطرّفين في المنطقة بعدما كان طرفًا في مفاوضات جرت العام الماضي بشأن الإفراج عن الرهينة الأميركي وعامل الإغاثة بيتر كاسيغ، الذي نحره التنظيم لاحقًا. كذلك يعرف عنه حب الخطابة وإصدار المطويّات التي تتضمن تعليمات وشروحا لجنود التنظيم في مسائل العقيدة والقتال والتكفير وغيرها.
وتستبعد المصادر أن يكون الرجل قرّر الإقامة الدائمة في ليبيا، وتشير إلى أن زياراته نفسها، حتى الآن، تحاط بالكتمان لأن الأوضاع داخل ليبيا، خاصة أن عملية التنقل تتم عبر المدن والطرق الطويلة، أصبحت تحت أعين الجيش الوطني وتمثل خطرا.. «وهذا، على الرغم من أن للبنعلي علاقات خاصة وقديمة مع عدد من قيادات الجماعة المقاتلة، وذلك حتى من قبل أن تعلن جماعات المتشدّدين في درنة وسرت عن مبايعة البغدادي».
ويوضح المستشار عبد الكريم أن الجيش تمكن أخيرًا من السيطرة على الطريق الساحلي، وذلك من غرب طرابلس، حتى قرب الزاوية. ويوضح أن «عمليات الجيش أصبحت غير متوقعة بالنسبة للجماعات المتطرفة، ولذلك فإن تحركاتهم محفوفة بالمخاطر، خاصة بالنسبة للمتطرفين الأجانب. أما في البحر، فقد قام الجيش قبل يومين بتوجيه ضربات لأربع جرافات (مراكب) محملة بإرهابيين وأسلحة ودعم، كانت آتية من مصراتة إلى المجموعات التي تقاتل الجيش في بنغازي. وجرى ضرب هذه المراكب في البحر بين منطقتي القوارشة والترية، بعدما اكتشفتها البحرية الليبية، ومن ثم أغرقتها جميعا».
وحسب مصادر عسكرية ليبية أخرى فإنه حتى لو تمكن البنعلي من دخول البلاد فإن تأثيره سيكون محدودًا بعد أن تعرض التنظيم ومعاونوه لخسائر. ومن جانبه يوضح المستشار عبد الكريم أن هذا الأمر لا توجد دلائل عليه، لأن الوضع لم يعد في صالح المتطرفين، فـ«الجيش يتقدم ويدحر مواقعهم. وبالأمس حققنا انتصارًا رهيبًا. لقد وجّهنا ضربات شديدة للإرهاب.. واستولى الجيش على أكبر معسكر وهو المعسكر المعروف باسم 27، وكان تابعا لأحد قيادات (الجماعة الليبية المقاتلة) واسمه شعبان هدية. وكذلك استرد الجيش آليات وأسلحة وقتل الكثيرين من التكفيريين».
من جانب آخر، تشير المصادر نفسها إلى أن عمليات الدخول والإقامة والتنقلات للبنعلي تتولّى تنظيمها، بشكل سري، مجموعة تعرف باسم «جماعة التوحيد» تتخذ من سرت مقرًا لها. وقامت خلال الفترة الأخيرة بترتيب عدة لقاءات له مع متشدّدين منتمين لتنظيم القاعدة ولم يبايعوا البغدادي صراحة، من بينهم الليبي سفيان بن جومة، أحد أكبر قيادات المتطرّفين في درنة، والجزائري مختار بلمختار، القيادي لمجموعات من المتطرّفين في سبها.
ووفقا لجهات على علاقة بالجماعات المتطرفة، يبحث البنعلي خلال زيارته لليبيا أيضا فتح قنوات اتصال على الأرض بين الجنوب الليبي وتنظيم «بوكو حرام» ومقره نيجيريا، من خلال رجل مالي الجنسية يقيم بالقرب من مدينة أوباري بجنوب ليبيا، ويدعى انتهمدين الأنصاري، ويبلغ من العمر 48 سنة، ويترأس جماعة «أنصار الحق» (أو ما يعرف باسم «أزواد مالي») الموالية لـ«داعش» أيضا.
على صعيد آخر، كانت مملكة البحرين قد جرّدت البنعلي من الجنسية البحرينية مع اثنين من أشقائه، على خلفية تقارير ظهر فيها وهو يطلب البيعة للبغدادي وتوليه مواقع عليا في التنظيم، وترؤسه لجهاز الحسبة. ووفقا لقائمة إسقاط الجنسية التي تضم 72 شخصا وأعلنتها وزارة الداخلية البحرينية، جاء اسم البنعلي تحت الرقم 17 وشقيقه علي تحت الرقم 50 وشقيقه الثاني محمد تحت الرقم 60.
وحسب المصادر الليبية يستعين البنعلي في تحركاته واتصالاته في المنطقة أيضا بعلاقاته القديمة مع فروع تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، والتي تعود إلى نحو سبع سنوات مضت، ومن بينها «الجماعة الليبية المقاتلة»، و«القاعدة في بلاد المغرب»، والمجموعات التي كانت تتّخذ من شمال مالي مسرحا لعملياتها ضد الشركات الفرنسية والجزائرية.
وفي المقابل، يتميز نشاط «جماعة التوحيد»، وهي مجموعة من الشبان المقاتلين في سرت ممن أصبحوا موالين لـ«داعش» منذ العام الماضي، في العمل الدعوي والتجنيد عبر المحطة الإذاعية المحلية التي يحتلها التنظيم حين كان يحمل اسم «أنصار الشريعة» منذ أواخر عام 2013. ولقد قدّم البنعلي العديد من الدروس والخطب عبر هذه الإذاعة، وكذلك من خلال مسجدي «التوحيد» و«الرباط» بالمدينة على مرات متفرقة طوال الشهور الماضية، وحسب المصادر لوحظ في الأسابيع الأخيرة كثرة تردد الرجل على سرت، حيث يعقد أيضا لقاءات مع متطرفين من جنسيات مختلفة.
والملاحظ أن الاسم نفسه الذي تطلقه «جماعة التوحيد» على نفسها وعلى مسجدها في سرت تطلقه أيضا على إذاعتها المحلية التي كانت تابعة للحكومة في عهد القذافي قبل أن يسيطر عليها المتطرفون الليبيون. ووفقا لمصادر الإذاعة بالمدينة فقد بدأ البنعلي إلقاء الخطب والدروس من هنا منذ سنتين، وواصل بعد ذلك التردّد على ليبيا على فترات متباعدة، ومن بين الخطب التي ألقاها حينذاك خطب عما سماه «غُربة الدين»، و«نواقض الإسلام» و«الانقياد للشرع».
ولكن، منذ مطلع هذا العام، ظهر مجدّدا في سرت أكثر من مرة وبشكل مكثّف. واقترنت زياراته بترتيب لقاءات مع قادة ميدانيين من «داعش» و«القاعدة»، وشدّد في الكلمات التي ألقاها في عدة مناسبات وسط عدد من عناصر المتشددين على العمل على تطبيق الشريعة. وتضمّنت خطبه هذه المرة الدعوة لـ«مبايعة الخليفة (البغدادي)» قائلا إن «من لا يبايع الخليفة يموت على الجاهلية»، إضافة لتقديمه دروسا عن «شروط وموانع التكفير»، وغيرها.
ومن جانبها، أضافت المصادر أن مهمة البنعلي ليست سهلة لأن الجماعات الليبية المتطرفة معروف عنها الانقياد للعمل تحت إمرة قيادات محلية، لا أجنبية، وأن هذا الأمر يعد من أهم العراقيل التي تواجه «داعش ليبيا»، مشيرة إلى تحفّظ بن جومة، القيادي الكبير في درنة، على مبايعة بعض المجموعات التي كانت تعمل تحت إمرته من «أنصار الشريعة» للبغدادي العام الماضي، مع أن بن جومة لم يصرّح أو يعلن أنه على خصومة مع «داعش» الذي ينخرط فيه كثير من السوريين والمصريين والتونسيين والجزائريين وغيرهم ممّن وفدوا إلى ليبيا خلال الشهور الماضية.
وللعلم، تهيمن على درنة، في الأساس، مجموعات متباينة من المتطرفين، وكانت الكلمة العليا في هذه المدينة منذ سقوط نظام القذافي لسفيان بن جومة، وهو سجين سابق في غوانتانامو. ولقد حاول قياديّون جدد وفدوا من دول عربية سحب البساط من تحت أقدام بن جومة، مما تسبب في غضب الرجل وهجره للمدينة لعدة أشهر، واعتكافه في مدينة صبراتة (أحد معاقل المتطرفين قرب الحدود الليبية التونسية)، قبل أن يعود في محاولة لإعادة ترتيب الأوضاع في درنة، وهو أمر يبدو أنه يقلق تنظيم داعش، ودفع البنعلي لتكثيف زياراته لليبيا.
وتقول مصادر على علاقة بالمتطرفين الليبيين إن بن جومة لم يشعر بالارتياح بعدما فتح الباب لدخول من سماهم «المجاهدين» الذين اندفعوا لتولي القيادة بدلا منه، بعد أن كانوا محاصرين في سوريا والعراق، أو بعد أن فروا من بلادهم إلى درنة، مثل المصريين، الذي جاءوا إلى هنا بعد الإطاحة بنظام حكم محمد مرسي. ومن بين الشخصيات التي زاحمت بن جومة على الزعامة في درنة رجل خليجي يلقب بـ«أبو حبيب». تضيف المصادر أنه، مع ذلك، كانت هناك اتصالات بين بن جومة و«داعش»، وأن التنظيم يتعامل معه على أنه «أكبر من الخلافات التي يتسبّب فيها بعض القادة الصغار».
ولم يظهر بن جومة مرة أخرى في الصورة أثناء وقوع هذه الخلافات والتحذيرات الأخيرة من جانب المتمردين على «داعش» في معقله في درنة. وتقول المصادر إن الرجل البالغ من العمر نحو خمسين سنة يحاول أن تكون له الكلمة العليا على الفصائل المتطرفة في المدينة، دون أن يعلن الانحياز لأي منها، سواءً لمبايعي «الخليفة» أو من أنصار الظواهري، حيث ما زال يوفر لجميع الأطراف «المأوى والغطاء للتحرك داخل المدينة أو بين المدن التي ينشط فيها التنظيم»، وأنه لهذا السبب يحظى بمكانة وأهمية لدى البنعلي و«داعش»، رغم ما قد يراه البعض من حالة جفاء بينهم.
وحسب المعلومات المتواترة بعد وصول البنعلي إلى سرت في الفترة الأخيرة، فإنه اجتمع بعدد من قادة «داعش» في درنة من دون أن يكون بينهم بن جومة، وهو ما أجّج الخلافات بين زعماء «داعش» وفريق من زعماء «القاعدة» في درنة، وترتب على هذا الأمر الإعلان عن تأسيس ما سمّوه «مجلس شورى مجاهدي درنة»، وهجوم هذا المجلس على عناصر «داعش» في المدينة، ووصفهم بـ«غلاة التكفيريين»، ورفض ما سبق أن أعلنته هذه العناصر من مبايعتها للبغدادي، قائلة إنهم ادّعوا مبايعة «الخليفة» دون مشورة المسلمين، وبالتالي تكون هذه الخلافة باطلة. واعتبر معلق متابع أن «هذه التطورات ضد طموحات البنعلي سواء أتى إلى ليبيا أو لم يأت».



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.