إصدار «كتالوغ» تذكاري بمناسبة تدشين دار الوثائق الجديدة

يضم أندر الوثائق المصرية منذ العصر الفاطمي وحتى العصر الحديث

عقد فسخ زواج
عقد فسخ زواج
TT

إصدار «كتالوغ» تذكاري بمناسبة تدشين دار الوثائق الجديدة

عقد فسخ زواج
عقد فسخ زواج

أصدرت وزارة الثقافة المصرية كتالوغ «كنوز الوثائق» الذي يضم صورا لأهم الوثائق التي تضمها الدار الجديدة، ويعرض لنماذج من فترات زمنية متنوعة في التاريخ المصري؛ من بينها وثائق تؤرخ للحياة الاجتماعية المصرية تعود لعام 1874، ووثائق من العصر الفاطمي تنشر لأول مرة، مثل: أقدم حجة وقف، وعقد فسخ زواج لعدم التكافؤ، وعقد بيع أراض بمنطقة القناة بين الخديو إسماعيل ومسيو ديليسيبس.. وغيرها.
وأوضحت الدكتورة نيفين محمد، رئيسة دار الوثائق القومية: «الكتالوغ يعرض نماذج من الوثائق الهامة، التي ترصد واقع المجتمع المصري عبر فترات زمنية، تضرب بجذورها في أعماق التاريخ؛ تبدأ بأقدم حجة بدار الوثائق القومية، التي يرجع تاريخها إلى 10 مايو (أيار) سنة 1159، خاصة ببيع أطيان وعقارات من الخليفة الفاطمي الفائز بنصر الله، إلى وزيره الصالح طلائع بن رزيق. كما يعرض الكتالوغ أيضا حجة وقف السلطان محمد الناصر بن السلطان محمد بن قلاوون من العصر المملوكي، والحجة مكتوبة على الرق، ويرجع تاريخها إلى 1أغسطس (آب) سنة 1351.
وأشارت إلى أن الكتالوغ يقدم نماذج تاريخية لأقدم سجلات محكمة مصر القديمة ومحكمة الباب العالي، ونموذجا من دفتر حسابات ديوان الروزنامة مكتوب باللغة العبرية. كما أنه لم يغفل الحياة السياسية في مصر إبان الثورة العرابية، فيعرض الأمر العالي بمصادرة وبيع أملاك أحمد عرابي وزملائه عام 1882. وأيضا وثيقة العفو عن الشيخ محمد عبده سنة 1889. كما تضم مجموعات دار الوثائق القومية بين طياتها، تأريخًا لتاريخ مصر في العصر الحديث، حيث يعرض الكتالوغ الوثيقة الخاصة بقرار مجلس قيادة الثورة بإلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية في 18 يونيو (حزيران) سنة 1953، وأيضا قرار مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين في 14 يناير (كانون الثاني) 1954.
وتتنوع نماذج الوثائق التي يعرضها الكتالوغ، بين وثائق تاريخية وسياسية واجتماعية، ووثائق تعكس تقدير الدولة للفن، من خلال وثيقة منح البكوية ليوسف وهبي سنة 1944، وقيام الملك فاروق بتخصيص دخل عرض فيلم «غرام وانتقام» لمعاونة المحتاجين من الفنانين بتاريخ 1944، وكذلك اهتمام الدولة بالنشاط الرياضي داخل مصر، من خلال تجديد عقود إيجار الأراضي المقام عليها ناديي قطبي الكرة المصرية.
ويضم الكتالوغ أيضًا، نماذج لوثائق تعكس علاقات مصر الخارجية، مثل: وثيقة اعتراف مجلس الوزراء باستقلال مراكش وتونس عام 1956. ووثيقة خاصة بإهداء أربع طائرات تدريب مصرية من إنتاج مصنع «72» إلى الجيش السوداني سنة 1956. كما قدم الكتالوغ لمحة عن وثائق أعظم حرب قادتها الدولة المصرية، وهي حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973.



تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

هيثم حسين
هيثم حسين
TT

تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه

هيثم حسين
هيثم حسين

أحلم بسوريا جديدة تُعاد صياغتها على أسس المواطنة الحقيقيّة، حيث ينتمي الفرد إلى الوطن لا إلى طائفة أو عرق أو حزب... أتوق إلى وطنٍ لا يُجرّم فيه الحلم، ولا يُقمع فيه الاختلاف، وطنٍ يكفل لكلّ فرد حقّه في التعلم بلغته الأم، وفي التعبير عن هويّته وثقافته من دون خوف أو وصاية أو إنكار.

أحلم بسوريا تصان فيها الحريات العامّة، حيث يصبح احترام حرّية الرأي والتعبير قانوناً لا شعاراً أجوفَ، وحيث يُحمى المواطن لا أن يُساق إلى السجون أو المنافي لمجرّد مطالبته بحقوقه. سوريا التي أتمنّاها هي التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون، حيث لا تفضيلات ولا محسوبيات، لا فساد ينهش موارد البلاد ولا استبداد يدمّر مستقبلها.

أحلم ببلد يُدار بقوانين عادلة مستمدّة من حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، لا بقرارات فردية تُصادر الحياة برمّتها؛ حيث سيكون لكلّ فرد حقّه في التعلم والعمل والتعبير عن رأيه، وستُحترم لغات السوريّين وثقافاتهم كما تُحترم حياتهم. لن يُضطهد الكرديّ بسبب لغته، ولا أيّاً كان بسبب اختلافه أو رأيه أو معتقده، ولن يُنظر إلى الأقلّيات وكأنّها مُلاحقةٌ في وطنها، لن يكون هناك من فرق بين سوريّ وآخر. سوريا التي أنشدها ستُعيد الاعتبار إلى حقوق الجميع من دون تمييز، بحيث تُعتبر الحقوق واجبات تضمنها الدولة وتحميها.

أحلم أن تكون سوريا ما بعد الاستبداد دولة القانون والمؤسّسات، لا الفوضى والاستئثار بالسلطة. دولة تكفل لمواطنيها حرّية الاختيار وحرّية النقد، وتتيح لهم المشاركة الفاعلة في صنع مستقبلهم. لا أريد أن تُستبدل ديكتاتورية بأخرى، ولا أن يُعاد إنتاج التهميش تحت مسمّيات جديدة. أريد لوطني أن يتخلّص من إرث الديكتاتوريّة والعنف، وأن ينطلق نحو حياة كريمة يعلو فيها صوت الإنسان فوق أصوات السلاح والتناحر.

أحلم بسوريا تتجاوز «ثأراتها» التاريخية، سوريا التي تتصالح مع ماضيها بدل أن تعيد إنتاجه، فلا يكون فيها مَن يتسلّط على قومية أو لغة أو مذهب، سوريا التي تُبنى بالشراكة لا بالإقصاء.

سوريا التي أنشدها هي تلك التي لا تُعامل فيها لغة على أنّها تهديد للدولة، ولا يُعتبر فيها الكردي أو الأرمني أو الآشوري أو أي أحد آخر ضيفاً في أرضه.

لقد حُرمنا لعقود طويلة من التعلّم بلغتنا الكردية، ومن كتابة أحلامنا وهواجسنا بتلك اللغة التي نحملها بصفتها جزءاً من كينونتنا. لا أريد أن يُحرم طفل سوري - أياً كان انتماؤه - من لغته، لا أريد أن يُضطرّ أحد إلى الانكماش على ذاته خوفاً من رقابة السلطة أو وصاية المجتمع.

لا أريد أن تُلغى الذاكرة الكردية أو تُهمّش، بل أن تُعاد إليها قيمتها من دون مِنّةٍ أو مساومة، أن تُعاد اللغة إلى أصحابها الحقيقيِّين، أن تُدرَّس الكردية والعربية والآشورية وغيرها من اللغات في سوريا، وأن تكون كلّ لغة جسراً للمحبّة لا سلاحاً للتمييز.

أحلم بوطن تُرفع فيه المظالم عن كواهل السوريّين، فلا أرى مشرَّدين بين الأنقاض، ولا أسمع أنين أمّهات يبحثن عن جثامين أبنائهنّ المفقودين في كلّ مكان.

أحلم بوطن يتنفّس أبناؤه جميعاً بحرّيَّة، وطن يضمّد جراحه التي خلّفتها أنظمة الاستبداد، ويُفسح مكاناً للكرامة والحرية لتكونا أساسَين صلبَين لعقد اجتماعيّ جديد.

آمل أن تكون سوريا الناهضة من ركام نظام الأسد - الذي أعتبره تنظيماً مافيوياً لا غير - فضاءً يتّسع لاختلافنا. أن نستطيع العيش بوصفنا مواطنين كاملين، لا غرباء في أرضنا.

ولا يخفى على أحد أنّه لا يمكن بناء سوريا جديدة دون مواجهة الماضي بشجاعة وشفافية. العدالة الانتقالية ستكون الخطوة الأولى نحو تضميد جراح السوريين، لا بدّ من محاسبة عادلة لكلّ من ارتكب انتهاكات في حقّ الإنسان والوطن.

في سوريا التي أحلم بها، ستكون الثقافة حرّةً ومستقلة، مسرحاً للحوار والاختلاف، وفسحة لتجسيد التنوع السوريّ بجماله وثرائه. أحلم بروايات ومسلسلات تُحكى بكلّ لغات سوريا، ومعارض فنية تعبّر عن هموم السوريين وأحلامهم، ومسرح يضيء بصدق على المآسي والأمل معاً. الثقافة ستصبح أداة بناءٍ لا هدم، وحافزاً لإعادة اكتشاف الهوية المشتركة.

أحلم بوطن يحترم يحترم المرأة كإنسان وكشريك فعّال في بناء الحاضر والمستقبل، حيث تكون القوانين الضامنة لحقوقها جزءاً أصيلاً من بنية الدولة الجديدة. المرأة السورية التي واجهت الحرب بصبرها وشجاعتها تستحقّ أن تكون في مقدمة صفوف التغيير والنهضة.

أحلم بدولة تُوظّف مواردها لخدمة المواطنين، وتعتمد على طاقات الشباب والكفاءات السورية لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية تعيد الأمل وتكفل حياة كريمة للجميع. أحلم بوطن يعيد احتضان أبنائه المهاجرين المتناثرين في الشتات، ويفتح لهم أبواب المشاركة الفاعلة في إعادة البناء.

سوريا التي أحلم بها هي وطن يليق بتضحيات شعبها، وطن تتجلّى فيه القيم الإنسانية العليا، ويُعاد فيه الاعتبار إلى العدل والحرية والسلام.

كروائيّ تأخذ أحلامي شكل الوطن الذي حُرمت منه، وحُرم معي ملايين من السوريين من أبسط حقوقهم في الوجود، من حرية اللغة، والهوية، والانتماء الذي لم يكن يوماً خياراً، بل قيداً مفروضاً.

قد تبدو أحلامي رومانسيّة وبعيدة المنال، لكنّ الأحلام هي بذور المستقبل، وهي الأسس التي سنبني عليها غدنا المنشود.

هل سيظلّ هذا كلّه حلماً مؤجّلاً؟ ربّما. لكن، على الأقلّ، صار بإمكاننا كسوريّين أن نحلم!

* روائي سوري