بينالي البندقية.. الفن بين الماضي والمستقبل

ثيمات متكررة.. جماجم وأسلحة وتلوث بيئي

«بورتريه ساكيبسابانكي» للفنان التركي كوتلوغ اتامان نموذج بديع لاستخدام الفيديو عبر آلاف الصور الصغيرة («الشرق الأوسط»)
«بورتريه ساكيبسابانكي» للفنان التركي كوتلوغ اتامان نموذج بديع لاستخدام الفيديو عبر آلاف الصور الصغيرة («الشرق الأوسط»)
TT

بينالي البندقية.. الفن بين الماضي والمستقبل

«بورتريه ساكيبسابانكي» للفنان التركي كوتلوغ اتامان نموذج بديع لاستخدام الفيديو عبر آلاف الصور الصغيرة («الشرق الأوسط»)
«بورتريه ساكيبسابانكي» للفنان التركي كوتلوغ اتامان نموذج بديع لاستخدام الفيديو عبر آلاف الصور الصغيرة («الشرق الأوسط»)

رغم الازدحام الشديد وتدفق الزوار والمختصين وأصحاب الصالات الفنية وخبراء دور المزادات، بحثا عن النجوم الصاعدة في عالم الفن، وأيضا عن صفقات فنية تقام على الهامش، يبقى هناك الجمهور الذي يبحث عن الفن الذي يمتعه بصريا وفكريا. هل اشتمل بينالي هذا العام على ما يريده المتلقي؟ سؤال مهم وإجابته ستختلف من شخص لآخر، ولكن بالنسبة لي كان الأمر أشبه بالبحث عن المعادن الثمينة في كومات وكومات من القش. بداية كان هناك القليل من الإبداع والكثير من التكرار. هناك تيمات تتكرر من جناح لآخر، الجماجم والأسلحة بكل أشكالها، الأشجار التي اجتزت من الأرض وبدت فروعها متيبسة، كومات من الأنقاض والتراب تتناثر في أنحاء الجناح، أو الحوائط المثقوبة. هناك أيضا تكرار في عدد كبير من العروض لتأثيرات شخصيات، مثل الزعيم لينين وماوتسي تونغ وكارل ماركس الذي يمثل كتابه «رأس المال» جانبا مهما من المعرض الرئيسي «مستقبل كل العالم»، للمنسق أوكوي إنوزور، حيث تُقام قراءة يومية من الكتاب، كما تقدم بعض العروض الفنية المشتقة منه.
يقول إنوزور حول ذلك: أردت أن أقدم شيئا يحمل علاقة مع الحاضر الذي نعيشه، ولهذا اخترت كتاب «رأس المال»، فهو كتاب لم ينجح أحد في قراءته، ولكن الكل إما يقتبس منه أو يكرهه. يبدو الاختيار متوافقا مع الجو السياسي المضطرب الذي يسود العالم.
من الأجنحة التي تجذب الجمهور في الجارديني جناح شركة «سواتش» للساعات، وهي من رعاة البينالي، كان هناك عرض مبدع بعنوان «جنة عدن» للفنانة جوانا فاسكونسيلوس. ندخل خيمة سوداء محكمة الإغلاق لنجد أنفسنا في مساحة مظلمة، بعد لحظات تعتاد العين على الظلام، وتميز ما يشبه المتاهة مصنوعة من الأزهار الملونة المضيئة تتمايل بفعل ريح نسمع صوتها عبر مكبرات للصوت. المرور من ممرات المتاهة يفضي بنا لطرق مسدودة في بعض الأحيان لكن ذلك يبدو ممتعا. الأضواء الدقيقة المثبتة على حواف أوراق الزهور تبرق بوتيرة منتظمة، وألوانها تبعث في النفس انتعاشا. يقول بيان العرض إن الحديقة هي بمثابة «صندوق للكنز».
ورغم أن العرض يهدف بالدرجة الأولى للدعاية لشركة الساعات، فإن ذلك لا ينتقص من جاذبيته. يقول أحد الزوار بعد انتهاء الجولة: «هذه لمسة من الجمال في بينالي يحفل بصور الموت والدمار».
في جناح دولة البرازيل يقدم الفنان أنتونيو مانويل عمله «الاحتلال - الاكتشاف»، أمامنا أكثر من جدار كل منها يحمل لونا صارخا، وفي كل منها ثقب ضخم، يمر من خلاله الزوار لرؤية ما يعرضه الفنان في المساحة التالية، فكرة العبور في حد ذاتها تحمل معها إحساسا بالاكتشاف والمغامرة. في جانب آخر زنزانة حديدية ضخمة على مساحة غرفة بأكملها، لا يمكن رؤية ما بداخلها بوضوح بسبب ستائر من البلاستيك، ولكن الإحساس الذي نخرج به هو الحصار والانحباس، وقد يكون الفنان يقصد الرمز للسجون في البرازيل، ولكن المعنى يتسع لأبعاد أكبر لكل زائر.
جناح دولة النمسا في المرتين التي دخلته فيهما كان فارغا تماما، أرضية وسقف أسود وجدران بيضاء، هل هذه هي محتويات الجناح؟ الفنان هيمو زوبيرنيغ اختار أن يجرد الجناح من أي موجودات، مفضلا اللعب على تضاد الألوان والفراغ.
في جناح دولة أوروغواي لأول وهلة يبدو أن الجناح خالٍ أيضا، ولكن بالتدقيق نرى رسوما دقيقة بالقلم الرصاص وقصاصات الورق حيث كوّن الفنان ماركو ماغي ما يشبه الخرائط الجوية لمدن العالم، المعرض يحمل عنوان «قصر نظر عالمي».
يقول بيان المعرض إن رسومات ماركو ماغي وأعماله التركيبية «تفك شفرة العالم» وإن «لغته المجردة تشير إلى طريقة إعداد البيانات والمعلومات في عصر العولمة».
جناح دولة فرنسا اختار بدء العرض من خارجه، حيث وضعت شجرتان ضخمتان في الطريق المؤدي للجناح، الشجرتان تحملان جذورهما في كومة ضخمة من التراب، وكأنما تطفوان فوق سطح الأرض، تفقدان الصلة المباشرة مع الأرض بشكل ما. الفنانة سيليست بورزيير موغينو اختارت أن تتطرق لعلاقة الإنسان بالطبيعة عبر الأشجار الضخمة المتنقلة. الجناح يتبنى قضايا البيئة في الوقت الذي يتناول فيه إكسبو ميلانو القائم حاليا موضوع «إطعام الكوكب».
الرسالة البيئية واضحة وعالية من خلال معرض «الحياة - الحيوية»، حيث تقدم المنسقة سوزي الآن تصورا لقضايا البيئة في هذا العصر. المعرض يكاد يكون الأكثر تأثيرا في رسالته وفي عرضه. من خلال أعمال مجموعة من الفنانين من النمسا وباكستان ورومانيا وبريطانيا وسويسرا وأميركا وأذربيجان وأوزبكستان. يتناول المعرض التوازن الدقيق في الخريطة البيئية ودور الإنسان وتأثيره على الطبيعة. التنوع الجغرافي الذي يمثله الفنانون مهم في طرح قضايا البيئة من مكان لآخر، أمامنا أعمال تلخص دور الإنسان في التلوث البيئي وتدمير النظام الطبيعي. يتخطى المعرض اللغات والثقافات، ويتفق على القضية الرئيسية. من الأعمال التي تثير الكثير من التساؤلات تكوين جمالي يماثل إحدى نوافذ كنيسة نوتردام في باريس، ضخم الحجم ودقيق الصنع في آن واحد. بالاقتراب منه نجد أن الوردات التي تكون دائرة متناغمة تتكون من مطفآت السجائر الملونة وبداخل كل منها غطاء لزجاجة مشروبات غازية. التشكيل أكثر من رائع، ولكنه أيضا يطرح أكثر من موضوع وأكثر من تساؤل. في جانب آخر مجسمات لرجال متشابكي الأيدي في دائرة، التشكيل المصنوع من أكياس البلاستيك يبدو مزعجا ومخيفا، الرجال يبدون كالأشباح الطائرة، وفي فيلم وثائقي يعرض لصغار طائر القطرس البحري التي يجلب لهم والدها طعاما نكتشف أنه بقايا لأكياس بلاستيكية، وتكون النتيجة موت الطيور في مشهد موجع. تشير سوزي ألبن إلى أن الطائر الأب لا يعيش قريبا من أماكن التجمعات البشرية ولكن النفايات التي يتركها الإنسان تجد طريقها لأماكن بعيدة، وهو ما نراه أيضا في عرض مجموعة من الصور لأحذية بلاستيكية لفظها البحر على أحد الشواطئ في مقاطعة ويلز، المثير في الأمر أن كلا من تلك الأحذية تنتمي إلى بلد مختلف.
تقول المنسقة إن المعرض يهدف لرفع الوعي بدور الإنسان في تدمير الطبيعة، ولكي لا يكتفي المعرض بعرض المشكلة، فهو أيضا يقيم معملا يحاول من خلاله علماء الوصول لحلول لبعض تلك المشكلات.
من الأعمال البديعة التنفيذ عمل فيديو ضخم للفنان التركي كوتلوغ اتامان بعنوان «بورتريه ساكيبسابانكي». العمل الذي يبدو كقطعة قماش ملونة طائرة عن قرب تظهر آلاف الصور الشخصية الصغيرة لنساء ورجال. العمل تحية للصناعي التركي ساكيب سابانكي، والصور لأناس تأثرت حياتهم به.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».