آمال أندراوس: متحف «بما» لا يشبه غيره وشمس لبنان تحضر في أعمالي

المهندسة آمال أندراوس خلال لقائها مع إعلاميين
المهندسة آمال أندراوس خلال لقائها مع إعلاميين
TT

آمال أندراوس: متحف «بما» لا يشبه غيره وشمس لبنان تحضر في أعمالي

المهندسة آمال أندراوس خلال لقائها مع إعلاميين
المهندسة آمال أندراوس خلال لقائها مع إعلاميين

منذ نحو الشهر تم وضع حجر الأساس لمتحف «بما» (بيروت للفن الحديث والمعاصر) الواقع على طريق الشام مقابل «المتحف الوطني». ومن المنتظر أن تنتهي أعمال البناء على مشارف عام 2026، فهو يتألف من 6 طوابق، يحمل في شكله الخارجي وأقسامه الداخلية، صيغة معاصرة تحاكي الفنون والثقافة على السواء.
مهندسة هذا المشروع هي اللبنانية آمال أندراوس العميدة السابقة لكلية الهندسة في جامعة كولومبيا في نيويورك، وكانت بذلك أول امرأة تشغل هذا المنصب. تستقر أندراوس في أميركا، حيث تملك شركة هندسية مع زوجها دان وود. وقد نفذت تصاميم هندسية لعدة مشروعات، بينها في بروكلين وبيرو وشيكاغو وغيرها. وحصدت، مؤخراً، في عام 2021 جائزة «آيا» في نيويورك للهندسة المعمارية عن تصميمها لمدرسة «رود أيلاند». خريجة جامعة «هارفارد»، آمال أندراوس، حققت نجاحات عديدة في عالم الهندسة المعمارية منذ عام 2005 حتى اليوم.
وفي لقاء مع أهل الصحافة والإعلام نظمه متحف «بما» في مكاتبه في شارع السراسقة، تحدثت آمال أندراوس عن خصائص هندسة «بما» المتحف الذي «لا يشبه غيره في بيروت» كما تقول.
كان اللافت في العرض البصري الذي قدمته، خلال اللقاء، تمسك آمال أندراوس بإبراز العناصر الطبيعية التي تطغى على هندسة المتحف، وبينها الضوء والأشجار والشتول. رغبت في أن يشعر زائره بأنه في مساحة حرة ودافئة في آن واحد، تشبه أجواء هندسة منزلية. «إنه بيت مشرق يحاكي زائره بحب، وليس متحفاً مغلقاً بجدران صامتة»، هكذا اختصرت أندراوس تصميمها الهندسي لـ«بما» الذي يتضمن مقهى و«بوتيك» خاصين به. كما قسمت غرفه لتحتوي على معهد ومختبر لترميم اللوحات وقسم للتربية والتعليم الفني. أما معارض الرسم وغيره من الفنون التشكيلية فستتوزع على ثلاثة من طوابقه. والطابق السادس والأخير سيكون بمثابة مساحة مفتوحة فيها مطعم وصالة للحفلات والمعارض. وصممت المساحة الخارجية للمتحف كي تتألف من 70 شرفة، تشكل ممرات تلتف حول المبنى وتعد مساحة تضاف إلى الصالات الداخلية. كما ستخصص 4 طوابق منه تحت الأرض موقفاً للسيارات وللمكاتب والمخازن.


متحف «بما» المتوقع أن ينجز مبناه في عام 2026

ويلاحظ في هندسات أندراوس التي صممتها لمعالم معروفة في دول مختلفة إضافة إلى متحف «بما» ركونها دائماً إلى عنصر الضوء، فهي تخصص مساحات مفتوحة كي يخرق جمود الإسمنت، كما تغلف تصاميمها بنبض الحياة، بحيث تصورها وكأن المكان يستقبل زواره بابتسامة عريضة. وتعلق أندراوس في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بالفعل تصاميمي متأثرة بجذوري اللبنانية، وبإشراقة الشمس في بلدي. جميع ذكرياتي في لبنان وبمنزلي العائلي، وكذلك تلك الخاصة بوالدي المهندس أيضاً، أثرت بشكل أو بآخر في تصاميمي الهندسية ولا سيما في متحف بما». وتتابع: «وأنا أنجز رسالتي الجامعية بحثت كثيراً عن بيروت، تاريخها وخصائصها، فحفرت في ذهني، وهي حاضرة معي دائماً في تصاميمي».
وتؤكد أندراوس أن علاقتها ببيروت ترتكز على الضوء أولاً. «إنه الوسيط الدائم بين الباحات الخارجية والداخلية في مدينتي. فيها الضوء ناعم وفيه صفاء، في نهاية النهار وعند الصباح. بينما الضوء في أميركا وأوروبا مصدره التكنولوجيا. هنا العمارة هي التي تعدل الضوء ونشعر بدفء يغمرنا من خلالها، إضافة إلى دفء العلاقات الإنسانية. تزودني بيروت بنبض الحياة الذي تتميز به، وهو ما يبني هذا التواصل الأساسي بيني وبينها، كل ذلك يحضر في عملي وأنا على اتصال دائم معه، خصوصاً في متحف بما».
تعرض آمال أندراوس أقسام متحف «بما» ويطبعها شغف المهنة. وبأسلوبها الهادئ توصل المعلومة بتأنٍ وهي تحكي عن تفاصيله كما الأم التي تصف جمال ولدها. فكيف تترجم مشاعرها في العمارة وفي النسب والأحجام المحسوبة بالأرقام والسنتيمترات؟ ترد: «أن تكون مهندساً، لهو أمر جميل جداً، لأنك تعمل في مهنة إبداع. ولكن في المقابل تحمل الكثير من القسوة. وكلما تقدمنا في السن وكبرت تجاربنا، يصبح بمقدورنا ترجمة هذه المشاعر بشكل أفضل وعلى أرض الواقع».
ترى أن مهنة الهندسة تعتمد على الاطلاع الدائم والبحث يومياً، وكأن صاحبها في حالة درس مستمرة. «لذلك أحب التعليم لأنه يضعني على تماسٍ مع الجديد. صحيح أننا نرسم وننجز المجسمات، ولكن عند تقديم العمل يجب أن نبرز أهميته وتفاصيله بأسلوب مختلف، كي يستوعبه الطرف الآخر. أحضر لمتحف بما منذ 4 سنوات وقد تطورنا كثيراً في تصوراتنا له. صحيح أن المجسم يبقى قطعة جامدة، ولكن تزويده بالحياة يجعل الأمر مختلفاً. لذلك نشعر ونحن نتفرج على (بما) ونتمعن بهندسته، أنه بمثابة حياة تدعونا للتواصل معها».
تضمن هذا اللقاء نبذة سريعة عن اللوحات التي سيحتويها متحف «بما» والتي تتألف من نحو 600 قطعة فنية تحكي تاريخ لبنان منذ أيام الأمير فخر الدين حتى اليوم. وتشير جوليانا خلف التي تشرف مع زميلتها تالين بوياديان على الناحية العلمية للوحات المتحف، بأن «بما» استطاع ترميم نحو 600 لوحة من أصل 2400 وهو مجموع اللوحات التشكيلية التي منحتها له وزارة الثقافة اللبنانية. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «نعرض من خلال هذه اللوحات رسومات بريشة نحو 500 من الفنانين اللبنانيين الرائدين منذ القرن التاسع عشر، أمثال الراحلين سيزار الجميل ومصطفى فروخ وداود قرم. وهؤلاء وغيرهم سنوزع لوحاتهم التي هي كناية عن بورتريهات لرجال لبنان أمثال الأمير المعني فخر الدين ويوسف بك كرم».
أما اللوحات التي نصنفها ضمن عصر النهضة، فتمثل شخصيات لبنانية أمثال رشيد الدحداح وبطرس كرامي، إضافة إلى أدباء وشعراء وغيرهم، وتمتد من 1840 حتى 1880».
ومن الأقسام الأخرى التي ستتوزع ضمنها هذه اللوحات: الانتداب الفرنسي والاستقلال، وحقبة الحرب اللبنانية وما بعدها، وصولاً إلى عام 2021.
منذ نحو عام، تم تأليف لجنة خاصة بلوحات المعرض، اطلعت على أبحاثها آمال أندراوس كي تساعدها في عملية هندسة المتحف من الداخل. وتشرف على مجموع هذه اللوحات كيرسن خليفة، مع فريق يتولى مهمات مختلفة كالتخمين والتقييم والأمور التقنية والدراسية. وتعلق خلف: «نحن بصدد تأليف لجنة ثانية، بعيد إحرازنا تقدماً ملموساً، تكون مهمتها التنسيق من أجل تحديد موضوعات لوحات جديدة من هذه المجموعة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».