رصد نشاط لمتشدّدين في مخيم عين الحلوة للفلسطينيين.. والفصائل تتحرّك لمنع أي تدهور محتمل

قياديون ينفون وجود «تنظيمات» ويقرّون بـ«أفراد».. مؤكدين التنسيق مع السلطات اللبنانية

لقطة داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في ضواحي مدينة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
لقطة داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في ضواحي مدينة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

رصد نشاط لمتشدّدين في مخيم عين الحلوة للفلسطينيين.. والفصائل تتحرّك لمنع أي تدهور محتمل

لقطة داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في ضواحي مدينة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
لقطة داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في ضواحي مدينة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

عاد مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في ضواحي مدينة صيدا بجنوب لبنان، إلى دائرة الضوء الأمني مجددًا، مع توتر أمني محدود، ترافق مع تنفيذ اغتيالين خلال أقل من شهر، وسط معلومات عن تزايد حركة مجموعات متشدّدة في المخيم، وقيامها بتدابير أمنية في معقلها في حي الطوارئ بشرق المخيم.
القيادي الفلسطيني العميد محمود عيسى المعروف بـ«اللينو»، أكد أن هناك جهودًا جبارة من الشعب الفلسطيني والفعاليات لصون المخيمات. وتابع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «إننا نسعى من خلال جهود بعيدة عن الإعلام إلى حثّ الفصائل على تحمّل مسؤولياتها، ونضع أيدينا بأيديهم لتجنيب المخيم أي تطوّرات أمنية». وينفي «اللينو»، وهو المسؤول السابق للكفاح المسلح الفلسطيني، أي وجود لمناصري تنظيمي داعش و«جبهة النصرة» في مخيم عين الحلوة، قائلاً إن «هناك بعض المجموعات المشبوهة داخل إطار ما يسمى الشباب المسلم»، مشددًا على أن «هذا الخرق يجب أن يعالج بحكمة عالية من أجل الحفاظ على أمن المخيم».
هذا، وتحدثت معلومات خلال الأسابيع الماضية عن أن حي الطوارئ في المخيم، شهد ظهورًا وتحركات لمتشدّدين، علمًا بأن مسؤولي القرار الفلسطيني في المخيم ينسّقون على نحو مستمر مع السلطات الأمنية اللبنانية.
ومن جانبه، صرّح اللواء منير المَقدَح، قائد المقر العام لحركة فتح في لبنان، لـ«الشرق الأوسط»، بأن وجود المتشددين في المخيم «ليس قائمًا كتنظيمات أو مجموعات منظمة، وقد تجد أشخاصًا يحملون تفكير المتشددين، لكنهم ليسوا منظمين وغير مؤثرين». ولفت إلى أن هناك فصائل إسلامية «تعمل كصمام أمان وتتحمل مسؤولياتها، ونحن لا تسمح لأي شخص أو مجموعة بإدخال المخيمات في أي متاهة، لأن وجهتنا فلسطين وليس الداخل اللبناني أو السوري أو العراقي أو غيره».
في المقابل، طغى الملف الأمني في المخيم على محادثات عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» المسؤول عن ملف الساحة اللبنانية في السلطة الفلسطينية، عزام الأحمد، مع النائب بهية الحريري، أول من أمس، إذ أشار إلى «محاولات أجريت في الأشهر الأخيرة لزجّ مخيم عين الحلوة عبر افتعال أزمات. وتبادلنا مع النائب الحريري الآراء والأفكار حول سبل التنسيق لمحاصرة مثل هذه المحاولات، ووأدها في مهدها قبل أن تنجح في جر المخيم واستخدامه أداةً لتفجير الوضع الأمني في صيدا وفي لبنان عمومًا».
ويقول متابعون إن النشاط الجديد لجماعات متشدّدة في داخل المخيم، يأتي على خلفية تراجع نفوذ حركة فتح، نتيجة صراعات داخلية وتعدّد الولاءات والأجنحة، وهو ما يشير إليه «اللينو» بدعوته «الأخوة» إلى «العودة للمبادئ الأساسية لحركة فتح»، وذلك «لتجنب دمار قد يؤدي إلى إدخال المخيمات في متاهات». وحسب كلامه «إننا لا نقبل بالتراجع تحت أي ظرف من الظروف، لأن الهروب من المسؤوليات هو بحد ذاته جريمة ترتكب بحق الشعب الفلسطيني في المخيمات والشتات». ويضيف: «من هنا كان موقفنا انه لا يجوز لأحد أن يتهرب من مسؤولياته، وإنما على الجميع تحملها لحماية المخيم والحفاظ على أمنه واستقراره».
وراهنًا، يتزعم «اللينو» فصيلاً من ضمن 17 فصيلاً فلسطينيًا في المخيم يشاركون في القوة الأمنية المشتركة، كما يؤكد اللواء المَقدَح، الذي أكد لنا أن جميع الفصائل المندرجة تحت لواء القوة المشتركة «تلتزم بالسقف الأمني للفصائل الفلسطينية، وهذا السقف هو بالاتفاق مع السلطة والأجهزة اللبنانية»، وهو يشدد على أن ذلك «انعكس على الوضع الأمني داخل المخيم، مما يجعله أفضل بكثير مما كان عليه، وذلك من خلال العلاقة المميزة والتنسيق مع السلطة والأجهزة اللبنانية».
ويبدو المَقدَح مطمئنًا إلى أنه «لن تحصل أي مواجهة بين مخيم عين الحلوة والجيش اللبناني، لأن الجيش خط أحمر وكذلك أمن الجوار». ويوضح أن هناك «قوة في المخيم أعلنت رفع الغطاء عن أي شخص يعبث بأمن المخيم والجوار مهما كانت هويته أو حجمه، وعليه من غير المسموح لأي شخص أو مجموعة أن تجر المخيم إلى ما لا تحمد عقباه». ويتابع: «لذلك نحن حريصون على أمن أهلنا، وهذا اتفاق قائم بين كل القوى السياسية»، مشيرًا إلى أن «موقفنا السياسي واضح، بأننا لن نتدخل في الشأن اللبناني وسيبقى الفلسطيني عاملاً إيجابيًا وصمام أمان، وهذه تعليمات الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية، أن نبقى عاملاً إيجابيًا في هذا البلد الشقيق، وأن نحافظ على أمن مخيماتنا والجوار».



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».