واشنطن تحارب «داعش» بأساليب الإرهابيين في الحرب الدعائية

وحدة خاصة في وزارة الخارجية مسؤولة عن احتواء انتشار آيديولوجية التطرف

الحرب الإعلامية التي يشنها «داعش» استقطبت آلاف المقاتلين الأجانب («الشرق الأوسط»)
الحرب الإعلامية التي يشنها «داعش» استقطبت آلاف المقاتلين الأجانب («الشرق الأوسط»)
TT

واشنطن تحارب «داعش» بأساليب الإرهابيين في الحرب الدعائية

الحرب الإعلامية التي يشنها «داعش» استقطبت آلاف المقاتلين الأجانب («الشرق الأوسط»)
الحرب الإعلامية التي يشنها «داعش» استقطبت آلاف المقاتلين الأجانب («الشرق الأوسط»)

في ظل تزايد عدد المقاتلين المتدفقين على سوريا الصيف الماضي، انتشر مقطع مصور على الإنترنت يتضمن صور قتل، ونبرة استهانة وعداء، في إطار الحرب الدعائية التي يمارسها تنظيم داعش. وكان السطر الافتتاحي لنص وعد بأن الوافدين الجدد سوف يتعلمون «مهارات مفيدة جديدة» هو «اركض ولا تمش إلى أرض (داعش)». وصاحبت تلك الكلمات صور لفظائع ترتكبها الجماعة الإرهابية، مثل إطلاق النار من مسافة قريبة على أسرى يركعون على ركبهم، ورؤوس مقطوعة إلى جانب جثث، وأطراف مدلاة في ميادين عامة. ولم يتم الكشف عن مصدر هذا المقطع المصور إلا في نهايته، وهو وزارة الخارجية الأميركية.
كان «مرحبا في أرض (داعش)» تطورا كبيرا بالنسبة إلى الحكومة الأميركية بعد سنوات من محاولات غير مجدية في منافسة الحرب الدعائية التي يمارسها تنظيم القاعدة وأفرعه المختلفة. وأصبح المقطع المصور ظاهرة انتشرت على نطاق واسع، ووصل عدد مرات مشاهدته على موقع «يوتيوب» إلى 844 ألف مرة، وكذلك أصبح سببا لغضب الطرف المستهدف. مع ذلك أصبح التسجيل، الذي تبلغ مدته دقيقة، مجرد نقطة عابرة في جدل أكبر بشأن المدى الذي ينبغي للولايات المتحدة الوصول إليه في التعامل مع خصمها الذي يتسم بالوحشية على الإنترنت.
وتم تكليف وحدة خاصة في وزارة الخارجية، مسؤولة عن العثور على طرق لاحتواء انتشار آيديولوجية الإسلاميين المسلحين، بمهمة تجميع المقطع المصور. ويحظى مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب بدعم مباشر من الرئيس أوباما، ومساعدة من الاستخبارات المركزية، وفرق من متحدثي العربية، والأردو، والسواحيلية، الذين انتشروا على موقع «تويتر» وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي. وكان المركز مثل «غرفة عمليات في حملة سياسية، حيث تعج بالإعلانات الخاصة بالهجمات وأبحاث معارضة» على حد قول ألبرتو فرناندز، الدبلوماسي الأميركي المخضرم الذي تولى مسؤولية المجموعة. وكان المقطع المصور، الذي يستهدف تنظيم داعش، رمزًا لهذا النهج الخطير، حيث يستخدم الصور المرعبة الخاصة بالعدو من أجل تفنيد فكرة أن المجندين «يذهبون إلى سوريا من أجل الدفاع عن قضية»، ولتوصيل رسالة مفادها أن «ما يحدث أمر قذر لا قيمة له»، على حد قول فرناندز.
مع ذلك في الوقت الذي كان المركز يسعى فيه لتغيير العقول في الخارج، كان يثير الانتباه في واشنطن، حيث أدان خبراء محاولات المركز ووصفوها بالـ«محرجة»، بل ورأوا أنها تعين العدو. كذلك رأى منتقدون في وزارة الخارجية والبيت الأبيض أن استخدام الصور يعد تبنيا مزعجا لكتاب القواعد الخاص بالخصم. ورغم النجاح المبهر لـ«أرض داعش»، لم يستطع حتى المدافعون عن المركز معرفة ما إذا كان المركز قد حقق بالفعل الغرض الأساسي الذي أنشئ من أجله، وهو منع الأفراد من السفر إلى سوريا ليتحولوا إلى مقاتلين، أم لا.
ووضع التأثير السلبي الحكومة الأميركية في موقف مماثل بشكل محبط، حيث اضطرت للبحث مرة أخرى عن استراتيجية لتوصيل الرسائل ربما تؤثر في المسلمين الغاضبين، وتحد من انتشار الحركات المسلحة الإسلامية. إنها مشكلة ثبت أنها أصعب من أي مشكلة أخرى بالنسبة إلى مسؤولي مكافحة الإرهاب. على مدى 14 عاما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، عكفت الولايات المتحدة على إهانة تنظيم القاعدة، وتعقبت أسامة بن لادن، وقتلته، وحمت البلاد من أي هجمات جماعية محتملة. مع ذلك ازدادت آيديولوجية تنظيم القاعدة المسلحة انتشارًا. وتنوعت محاولات الولايات المتحدة السابقة بين برامج دعائية سرية تابعة للاستخبارات المركزية وفيلم من إنتاج «والت ديزني». مع ذلك عرقل فشل تلك العمليات محاولات إعادة التوازن إلى سياسات مكافحة الإرهاب الأميركية، مما أدى إلى اعتماد الحكومة بشكل كبير على الطائرات التي تعمل من دون طيار، والفرق الخاصة، وغيرها من القوى المهلكة.
ومع تبقي عامين من فترة رئاسة أوباما، تحاول إدارته تجربة طريقة أخرى. وتم الاستغناء عن فرناندز (57 عاما)، وتم إخطار الوحدة التي كان يقودها بضرورة التوقف عن تشويه صورة تنظيم داعش. وأنشأت وزارة الخارجية مؤخرًا كيانا جديدا باسم «خلية تنسيق المعلومات»، التي تعتزم إدراج السفارات الأميركية، والقادة العسكريين، والحلفاء الإقليميين، ضمن حملة رسائل عالمية تهدف إلى تشويه سمعة تنظيمات مثل داعش. وقال رشاد حسين، وهو مستشار سابق في البيت الأبيض يبلغ من العمر 36 عاما، وتمت الاستعانة به لقيادة هذه الحملة، إن الخطة هي أن يكون العمل قائما على «المعلومات والشهادات». وسوف يسعى إلى تسليط الضوء على نفاق «داعش»، والتركيز على روايات المنشقين عن التنظيم، وتوثيق خسائره في المعركة دون إعادة نشر الصور الوحشية التي يستخدمها أو مجاراته في نبرته القاسية. وقال حسين: «عندما يتم توضيح الحقائق بشكل مناسب فهي تكون كافية.. وهذا ما أطلبه».
وتولى مهمة إنشاء المركز مسؤولون رفيعو المستوى في وزارة الخارجية، من بينهم دانييل بنجامين، رئيس مكافحة الإرهاب، الذي كان في صفوف الإدارة ممن كانوا يشعرون بالقلق من أن يصبح تركيز البيت الأبيض منصبا على قتل الإرهابيين أكثر من التصدي لمحاولات تجنيد إرهابيين جدد. كذلك بات من ضمن أولويات وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، التي كتبت في مذكرة أنه ينبغي تعديل الوحدة على أساس نموذج «غرفة عمليات» مجهزة لإدارة كل تصريح للخصم والاستجابة سريعا.
مع ذلك، ورغم دعم كلينتون، تمت الإشارة في اجتماع في البيت الأبيض عام 2010 إلى ما تثيره الخطة من خلافات. وأوضح الأمر الذي تم التوقيع عليه قبل يومين من الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر مهمة المركز بشكل عام وأكد دعم أوباما الواضح له.

حملة «المسلمين السعداء»

بدا التمتع بسلطة بمثابة نقطة تحول في وزارة الخارجية بعد سنوات من العجز عن فرض التعاون بين الوزارات المختلفة، وفرصة للتحرر من الطرق التي تمت تجربتها في إطار سلسلة من المبادرات التي لم يحالفها التوفيق. ومن بينها كانت المقاطع المصورة التي أمرت بعملها تشارلوت بيرز، المسؤولة التنفيذية السابقة في مجال الإعلانات في «ماديسون أفينيو» عام 2002، والتي تم تعيينها في منصب دبلوماسي بعد شهر من هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وكانت الحملة التي بلغت تكلفتها 15 مليون دولار وحملت اسم «القيم المشتركة» تظهر مسلمين يعيشون حياة هانئة في الولايات المتحدة، ومن بينهم خباز في ولاية أوهايو، وطبيب في جهاز المطافئ في بروكلين. ودعا ذلك البعض في وزارة الخارجية إلى إطلاق اسم «المسلمين السعداء» على الحملة. وسرعان ما تم إلغاؤها وتركت بيرز الإدارة عام 2003.

* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.