شاشة الناقد

ماديوسا الأسود
ماديوسا الأسود
TT

شاشة الناقد

ماديوسا الأسود
ماديوسا الأسود

ما تسمع كان الريح
إخراج: إسماعيل ويوسف شابي
تونس (2021)
«ثريلر» | عروض: مهرجان روتردام.

على عكس فيلم «تيتانيوم» (Titane) لجوليا دوكورنو الذي خرج بذهبية مهرجان «كان» في السنة الماضية، يحمل «ما تسمع كان الريح» (يحمل بالإنجليزية عنواناً آخر هو Black Medusa) فناً وقيمة بصرية صافيتان عوض نظام الصدمة التي مارسها الفيلم الفرنسي المذكور.
كلاهما، من ناحية أخرى، يدور حول قاتلة متسلسلة. في «تيتان» هي امرأة ترتكب ما تقوم به، بسبب زرع شريحة تيتانيوم في رأسها، بعد حادثة سيارة تسببت بها وهي صغيرة. الآن هي شابّة وتعمل راقصة في نادٍ وتقتل ضحاياها من الرجال والنساء، كلما كان ذلك متاحاً لها. لكن «ما تسمع كان الريح» يبتعد عن هذا التكلّف بأسره، ويوفر لمشاهديه سبباً نفسياً واجتماعياً مهمّاً يدفع بطلته ندى (نور حجري) لارتكاب جرائمها. فيلم دوكورنو ملوّن ومزركش وبعيد عن أن يحمل كياناً فنيّاً. فيلم الأخوان إسماعيل ويوسف شابي بالأبيض والأسود (وهذا وحده قيمة مهمّة) ومصنوع ومُعالج فنياً برقي وبأسلوب جامع لا تشتت فيه.
ندى امرأة شابّة فقدت السمع تؤم المراقص ليلاً، وتخرج مع رجال تقتلهم. أحياناً ما تجد من تقتله من دون دخول تلك المرابع. وفي ليلة معينة (والفيلم مؤلف من تسع ليالٍ) تقتل ثلاثة رجال، اثنان منهم اعتقدا أنهما سيمارسان الجنس معها. الثالث رجل كهل بريء ربما كان في طريقه لصلاة الفجر في المسجد (نسمع صوت الأذان).
في أحد المشاهد تجول ندى، نهاراً، في متحف إغريقي. تتوقف عند رسم لمادوسا بشعرها المنكوش وبتلك الثعابين السامة التي تخرج من رأسها. مادوسا كانت امرأة في الأساطير اليونانية ذات قدرات سحرية. كانت تستطيع تحويل من يحدّق فيها إلى حجر. قام برسيوس (الذي كان فارساً من فرسان الإغريق) بقطع رأسها، وإهدائه إلى مدينة أثينا لردع الأعداء، لأن تلك العيون استمرت في تحويل البشر إلى حجارة. في الفيلم تلامس بين مادوسا وندى، من حيث إن من يرغب في تعاطي الجنس معها سينتهي قتيلاً. في ذلك المشهد، يبدو أنها اكتشفت نفسها وفهمت دوافعها. تقف متسمّرة كما لو أن مادوسا قامت بتحويلها إلى حجر بالفعل.
ليس هناك كثير حكاية في هذا الفيلم. هو فيلم نوار فيه قدر من الاستحياءات والتأثيرات؛ إذ يذكّر بأفلام المجري بيلا تار أسلوباً، ومن حيث إن تار حقق أهم أفلامه بالأبيض والأسود. هو أيضاً فيلم رعب من النوع الذي لا ينشد تجسيد العنف لإشعار مشاهديه بكم هو ماهر في توظيف العنف الجسدي لإثارة القشعريرة. لقطاته الخارجية مؤلفة من كاميرا بعيدة. حين تتحرك لا تقصد أن تجتاز مسافات طويلة بل تعمد إلى ما يكفي من حركة لتأكيد أسلوب عمل موحّد وذكي. داخلياً، هو أمر آخر باستثناء أن الفيلم بمعظم مشاهده داكن التصوير (عماد عيساوي) فوق كونه أيضاً غير ملوّن.
ترى هل قصد الفيلم توفير مضمون يَطال الوضع التونسي على نحو أو آخر؟ هل هو عن مرحلة سياسية من تلك المراحل التي توالت على تونس في السنوات العشر الأخيرة؟ أم هو تعليق على وضع المرأة كضحية رجال ينتشون باغتصاب النساء وبتأكيد علوّ شأنهم ذكورياً واجتماعياً في الزمن الحاضر؟
كلا التفسيرين معقول ومقبول. ما هو مؤكد أن المخرجين اختارا تغييب التفاصيل والمسببات والوقوف إلى جانب تلك المرأة التي تنتقم لما قد تكون تعرضت له من قبل. لا نعرف كيف فقدت السمع، ولا نعرف شيئاً عن ماضيها، ما يحوّلها مباشرة إلى حالة وليس إلى بحث درامي حولها. ما شغل بالهما تأليف عمل تشكيلي في اختيارات مخرجيه من اللقطات والأجواء تزيّنه موسيقى من المؤثرات المناسبة وضعها بنجاح عمر علولو.
The Lost City
إخراج: آرون وأدام ني
الولايات المتحدة (2022)
مغامرات | عروض: تجارية
تستطيع صنع ما يشبه تماماً هذا الفيلم. ها هي الطريقة وهي بسيطة: تأتي بقارورة مياه فارغة. املأها بمقادير محدودة من المواقف الكوميدية والمفارقات التشويقية من حركة ومغامرات ورش فوقها بعض الرومانسية ثم أغلق الزجاجة وخضّها جيداً. الناتج مثل طعم شراب الصودا الذي تشتريه عادة من صالة السينما قبل دخول أفلام مثل «المدينة المفقودة».
إنه عن مؤلفة اسمها لوريتا (ساندرا بولوك) تكتب حكايات رومانسية في قالب من المغامرات، وآخر رواية لها تدور في بلد لاتيني حيث يحاول بطلها ألان الوصول إلى تابوت مدفون في منطقة من الغابات النائية. مفتاح الأحداث هو ما الذي سيحدث لو أن مليونيراً جشعاً اسمه أبيغال (دانيال رادكليف) آمن بأن الراوية تتحدث عن تابوت فعلي فيه كنز من الذهب، وأنها تعرف تماماً أين هو، ولذلك (يا للخيال) سيختطفها ويحط بها في تلك الأدغال، وفي نيّته قتلها حال نبشها التابوت. ينضم إليها في هذه المغامرة غير المتوقعة بطل رواياتها ألان (شانينغ تاتوم)، والاثنان يتحوّلان إلى مهرّجين مثاليين مهما كانت المخاطر والصعوبات. لاحقاً سيتدخل مغامر آخر غير متوقع اسمه جاك (براد بت) ليساعدها في رحلتها وينقذها من الخطر المحدق و(بالمرّة) يتنافس وألان على التقرّب منها.
لو صدّقنا ما نراه بالشكل السقيم المعروض فنحن سذّج. طالبو الترفيه المعلوك ذاته بأي ثمن. لو لم نصدّق، فنحن في الفيلم الخطأ أساساً.
على ذلك، هناك بعض القيمة التي تهبط إلى عقر الزجاجة. ليست فيتامينات أو من نوع المعادن، بل شيء من رحيق سينما الغابات التي بدأت بأفلام «طارزان» و«كينغ كونغ» واستمرت في سعيها لتكوين نوع خاص بها مع أفلام، مثل «إنديانا جونز وغزاة تابوت العهد المفقود» (1981) و«جوهرة النيل» (1985). هي التركيبة ذاتها تستنسخ نفسها بنجاح تجاري، على أمل أن يُباع لاحقاً على حلقات.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».