عندما تقابل المصمم الشاب محمد بن شلال، أول ما سيلفت نظرك إليه شكله، صوته ونظراته الحالمة. كلها تذكر بالراحل إيف سان لوران. يذهب بك خيالك للاعتقاد بأنه سيكون متأثراً به بشكل أو بآخر، لكن تتفاجأ أن أسلوبه، بدراميته الفنية، واعتماده على الأحجام الكبيرة والطيات وفنون الأوريغامي أقرب إلى أسلوب جون غاليانو، مصمم دار «ديور» السابق منه إلى أي مصمم آخر. يوضح أنه معجب بالكثير من مصممي القرن العشرين: «أعد هؤلاء المبدعين بمثابة مؤلفين موسيقيين حقيقيين، بينما تكمن قوة أو مهارة المصممين الجدد في إعادة توزيع ما ألفه هؤلاء بإيقاعات عصرية ومعاصرة».
قد لا يرى بن شلال نفسه كمؤلف لكنه حتماً تميز عن أبناء جيله وربما يكون أكثرهم حظاً إذا كان عدد الجوائز هو مقياس النجاح والقبول. ففي كل فعالية يشارك فيها يحصل على تقدير ما. أسلوبه الدرامي والمطعم بالفنية كان ولا يزال مكمن قوته والمغناطيس الذي جذب إليه مصوري الموضة العالميين والنجمات على حد سواء. فهي تصاميم تنجح دائماً في لفت الانتباه وخلق صور أيقونية، سواء كانت لابستها في سن الصبا أو تعدت التسعين كما أكدت صور آيريس أبفيل، التي ظهرت كفتاة غلاف بتصاميمه بمناسبة احتفالها بميلادها الـ100. لا ينكر بن شلال أن الحظ كان له دور في سطوع نجمه، لكنه يضيف أنه رغم هندسية الأحجام وملامح الفانتازيا التي توحي بها فإنها «تخفي بين طياتها لمسات واقعية جداً». كما أن جرأتها لا تعتمد على كشف المفاتن بقدر ما تعتمد على فنية في التفاصيل باستعماله فنون الأوريغامي كثيراً. لحسن حظ محمد بن شلال أنه لم ير من الجائحة سوى وجهها الإيجابي. فقد عاش عامين حافلين بالنجاحات، تلقى خلالهما جوائز مهمة كما حصل على تغطيات إعلامية عالمية لا تقدر بثمن. يقول بنظرة فلسفية: «أعتقد أن الأسماء تحدد مساراتنا أحياناً، فأنا مثل شلال لا يقف ساكناً مهما كانت الظروف. عندما كان العالم يتغير كنت أنا أيضاً أتحرك وأخضع لتغييرات على الكثير من المستويات، وكان العمل لساعات طويلة منقذاً لي خلال الجائحة». أما بالنسبة للجوائز التي تلقاها في الفترة الأخيرة، فهي بالنسبة إليه ولأي مصمم شاب مكسب لا يستهان به، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة التي يمر بها العالم، لكنه يضيف معلقاً أن النجاح والاستمرارية يعتمدان أولاً وأخيراً على مدى شغف المصمم ورغبته في العطاء «لأن هذا الشغف هو الأكسجين الذي يتنفسه والبنزين الذي يحركه ويدفعه لمقاومة الصعاب والتحديات. ثم تأتي الجوائز لتعزز هذه الفكرة وتؤكدها».
لا يؤمن محمد بن شلال بالحلول الوسط ولا بالتخفيف من جرعة الخطوط الهندسية - حتى عندما تكون الخطوط بسيطة فإنه يرتقي بها إلى مستوى فني بإضافة تفاصيل مبتكرة
ترجع أصول محمد إلى المغرب، لكنه ولد وشب في هولندا. ليست له ذكريات كثيرة عن مسقط رأس والديه، لكن ما لديه من ذكريات قليلة لا تفارقه كما يقول: «فهي لا تزال متوهجة في مخيلتي، مثل صندوق قديم في بيت جدي، دفعني الفضول إلى فتحه لأكتشف بداخله مجموعة من الأقمشة المتنوعة شدتني بألوانها وتداخل خيوطها الذهبية». يتذكر كيف بدأ بتقطيعها وتحويلها إلى أشياء أخرى. كان حب الجدة أكبر من أن تغضب منه أو تؤنبه. بالعكس كانت تظهر انبهارها بما ابتكره وتكرر على مسامع الجميع أنه موهوب. كبر الطفل وكبرت معه هذه العادة. عندما لا يجد أقمشة جديدة، كان يعمد إلى تفكيك ملابسه مبرراً الأمر لوالديه بأنه كان يريد أن يفهم كيف تم تفصيلها. ما كان يشفع له عندهما أنه كان ينجح في حياكتها من جديد، وبمهارة. كان من الطبيعي أن يتوجه إلى دراسة فنون التصميم في معهد الموضة والحرف اليدوية بأمستردام، مسقط رأسه. عند سؤاله عما إذا كان إحساسه مغربياً أم أوروبياً وهو يرسم تصاميمه؟ يجيب: «كيف يمكنني أن أفرق ين قلبي وروحي وبين الطبع والتطبع؟ لا يمكن التجرد من الاثنين، فهما متشابكان في اللاوعي. لقد درست فن التصميم في أمستردام حيث تعلمت تقنياته وأصوله لكن عندما أبدأ في التصميم فإن هناك قوة فطرية أخرى تتحكم بلحظات الإبداع وربما هذا ما يجعل أسلوبي خاصاً... يشبهني».
في عام 2015 أطلق محمد بن شلال ماركته في خطوة رآها البعض شجاعة، لكنه لا يوافق على هذا الوصف قائلاً: «لم أكن شجاعاً بقدر ما كنت حالماً. كان سلاحي بيت شعر لجلال الرومي يقول فيه: لا تتلفت غرباً أو شرقاً، اجعل الشمس هدفك. عندما قرأته شعرت بقوة جارفة تدفعني لتكسير كل الحواجز وأي شيء يمكن أن يقف في وجه طموحاتي». من هذا المنظور كان حلمه بأن تصل تصاميمه إلى كل نساء أنحاء العالم وأن تلمس أيضاً كل عاشق للجمال والفن - وهو ما تحقق له مؤخراً. فبعد أن أثار اهتماماً عالمياً في مجال تخصصه الـ«هوت كوتور»، حصل على فرصة العمر عندما توسع إلى خط الأزياء الجاهزة وفتح له موقع «نيت أبورتيه» أبوابه على مصراعيها. كانت هذه نقلة مهمة في مسيرته، لأنها أوصلت إبداعاته إلى شرائح واسعة لا تتاح لها عادةً فرصة اقتناء أزياء من خط الـ«هوت كوتور». والأهم أنها تميزت بالاستدامة. وهو مفهوم رافقه دائماً، حسب قوله، لأن الأزياء الراقية تقوم أساساً على هذا المفهوم، كونها إما تتوارث جيلاً بعد جيل مع تغيير بعض تفاصيلها أو مقاساتها، وإما تتم إعارتها في المناسبات الكبيرة. ربما تطور الأمر مؤخراً باستعمال أقمشة أعيد تدويرها من دون التنازل عن الأناقة والترف. فهما الآن مترابطان بخيوط متينة.