مقطوعات تشايكوفسكي تُنعش ميدان الثقافة في الرياض

من عرض «كسارة البندق»
من عرض «كسارة البندق»
TT

مقطوعات تشايكوفسكي تُنعش ميدان الثقافة في الرياض

من عرض «كسارة البندق»
من عرض «كسارة البندق»

شهد ميدان الثقافة بالرياض أول من أمس عروضاً من روائع الموسيقار الروسي تشايكوفسكي، وهو من أبرز الموسيقيين في التاريخ وبطل قصة تطور الموسيقى الروسية الحديثة وتتضمن مؤلفاته الخالدة، سيمفونيات ومؤلفات للأوبرا والباليه وموسيقى الآلات. وقد استضافت الرياض أشهر عرضين للمؤلف الموسيقي، وأقلهما حزناً، هما: «بحيرة البجع» و«كسارة البندق» بمقاعد ممتلئة، لجمهور شغوف بالفن ومتذوق لأرقى الأعمال الكلاسيكية الأصلية ومتلهف لمثل هذه الأعمال دائماً.
وتسرد قصة «بحيرة البجع» التي ألّفها تشايكوفسكي في عام 1875 والمكوّنة من أربعة فصول في حفل كبير أُقيم بمناسبة ذكرى ميلاد الأمير سيجفريد الحادي والعشرين، في حديقة القصر الذي ورثه عن ذويه، وشاركه في احتفاله عدد من الشبان من المناطق المجاورة الذين قَدِموا للاحتفاء به وتهنئته، وفجأة تُعلن آلات «الترومبت» قدوم شخصيّة مهمة لحضور الحفل، وكان هو الأمير الوسيم غير المتعجرف، وقد بدا على وجهه السرور لرؤية رفاقه.
وفي رحلة صيد مع رفاقه بعد الحفل كانت دهشتهم كبيرة عند رؤيتهم لأسراب البجع قد استقرت في البحيرة القريبة منهم، وكان يقود سرب البجع طائر أبيض جميل، بدا للوهلة الأولى كأن البحيرة تلك هي مملكة هذا الطائر. ليجد الأمير بين طيور البجع فتاة في غاية الجمال، بل كانت أجمل فتاة يُشاهدها الأمير في حياته، وقد ظهرت كأنها إحدى البجعات، كان يحيط بوجهها ريش البجع الأبيض الذي التصق بشكلٍ كامل بشعرها. نظرت إليه الفتاة بخوف، لكنه كان يحاول بعث الطمأنينة إلى قلبها، فأشارت إلى القوس الذي كان يحمله على كتفه بهلعٍ وخوفٍ شديد، لكنّ الأمير وعدها بألا يؤذيها لأنه أحبها منذ اللحظة الأولى التي رآها بها. علم الأمير بأنها «ملكة البجع أوديت»، وقد أخبرته بأنّ البحيرة قد تكونت من دموع والدتها التي لم تتوقف عن البكاء بسبب الساحر الشرير (فون روتبارت) الذي نجح في تحويل أوديت إلى ملكة للبجع، وأنها ستبقى على هذا الحال إلى الأبد باستثناء الفترة الواقعة ما بين منتصف الليل إلى طلوع الفجر، إلى أن يأتي رجل يحبها ويقوم بالزواج منها شرط ألا يحب غيرها على الإطلاق. في تلك الأثناء يظهر الشرير فجأة على جانب البحيرة متخفياً تحت قناع البومة، ومدّ مخالبه بإشارة يأمر بها أوديت بالعودة إليه، فأمسك الأمير قوسه وأطلق سهماً على الساحر وقتله، وبهذا بطل سحر الساحر بعد أن نال منه الأمير وفاز بقلب معشوقته أوديت، وتنتهي الحكاية بانتصار الحب على السحر والشر.
أما «كسارة البندق» فتعد أحد أبرز العروض الموسيقية في العالم حيث حققت مكانة مرموقة في كلاسيكيات المسرح العالمي، وهي للكاتب الألماني هوفمان وموسيقى تشايكوفسكي ونص ماريوس بيتيبا، وتجسّد الأغاني والأنماط الموسيقيّة.
وتتناول قصته احتفالاً كبيراً في منزل والد كلارا بمناسبة عيد الميلاد، ويقوم صديق العائلة دروسلماير بتقديم عرض ألعاب سحرية يُمتع بها الصغار والكبار، كما يقوم بإهداء كلارا دمية على شكل كسارة البندق فيشعر أخوها فريتز بالغيرة ويحاول أن ينزعها من يدها فتتحطم الدمية، وتحزن كلارا لذلك، فيصلحها لها دروسلماير وينتهي الحفل ويخلد الجميع للنوم.
تذهب كلارا لرؤية دميتها «كسارة البندق» فترى فجأة وجه دروسلماير ثم تشعر بأن الحجرة بكل محتوياتها تزداد اتساعاً فيتضاعف حجم شجرة الميلاد والهدايا الموجودة إلى جانبها، ويظهر فجأة جيش من الفئران التي تهاجم كلارا وتدور معركة بين الدمى بقيادة كسارة البندق وبين جيش الفئران بقيادة ملكهم تنتهى بفوز الدمى، وتتحول الحجرة إلى غابة جليدية وتتحول معها دمية كسارة البندق إلى أمير شاب ويصطحب كلارا التي أصبحت بدورها فتاة جميلة في رحلة الأحلام ويرقصان بسعادة مع المجموعة.
يظهر دروسلماير متابعاً لرحلة كلارا مع الأمير «كسارة البندق» وهما يركبان قارباً جميلاً مسحوراً في طريقهما إلى مدينة الحلوى التي بها مختلف أنواع الحلوى المحببة للصغار حيث نجد الشوكولاته وتمثلها الرقصة الإسبانية، والبنّ وتمثله الرقصة الشرقية، والشاي وتمثله الرقصة الصينية، والماتروشكا (مجموعة العرائس الروسية) وتمثلها الرقصة الروسية.
ثم يعقب ذلك لحن فالس جميل، وتشارك كلارا والأمير المجموعة في رقصة فالس الزهور ورقصاتها الثنائية، وتدق أجراس الساعة معلنة الصباح ليختفي الأمير وتبذل كلارا جهدها في البحث عنه دون جدوى لتجد أمامها دروسلماير، أما الأمير فقد تحول مرة أخرى إلى دمية كسارة البندق، وفي هذه اللحظة تكتشف كلارا أنها عاشت حلماً جميلاً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».