«عبوات صغيرة» في أسواق دمشق... وغلاء الأسعار «يُجمد» محلات إدلب

محل لبيع الفواكه والخضار في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
محل لبيع الفواكه والخضار في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

«عبوات صغيرة» في أسواق دمشق... وغلاء الأسعار «يُجمد» محلات إدلب

محل لبيع الفواكه والخضار في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
محل لبيع الفواكه والخضار في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)

بدأ تجار في دمشق بعرض «عبوات صغيرة» للالتفاف على ارتفاع الأسعار، فيما «جمّد» الغلاء محلات إدلب في شمال غربي سوريا، وذلك مع قرب حلول شهر رمضان الكريم.
قبيل حلول رمضان بيومين، سارعت «أم عمر» إلى تأمين مستلزمات وجبة إفطار اليوم الأول، خشية ارتفاع الأسعار مع بدء الشهر الفضيل وقالت: «اشتريت كيلو الكوسا بـ2800 ليرة لأنه سيتجاوز الثلاثة آلاف مع بدء الصيام».
توقعات «أم عمر» مبينة على ارتفاعات الأسعار اليومية التي بدأت منذ نحو شهرين، وأيضاً قياساً على مواسم رمضان في السنوات الماضية: «عادةً ترتفع الأسعار في الأسبوع الأخير قبل رمضان وتبلغ ذروتها مع اليوم الأول بسبب الإقبال على الشراء لأن الجميع يهتم بإفطار اليوم الأول».
ولاحظت «الشرق الأوسط» خلال جولة على أسواق دمشق الشعبية تكدس ما يتوفر من البضائع والغذائيات مقابل حركة شراء ضعيفة جداً. بائع ألبان وأجبان في باب الجابية، أكد انخفاض الشراء في محله قياساً إلى العام الماضي بأكثر من 70%.
وفي سوق البذورية، لجأ الكثير من الباعة إلى عرض عبوات صغيرة زنة 200 غرام أو أقل من بعض الأصناف المطلوبة في رمضان مثل قمر الدين والتمور والتمر الهندي والتي تتوفر بكميات وأصناف وجودة أدنى بكثير من السنوات السابقة، وبأسعار مضاعفة، إذ بلغ سعر لفة قمر الدين 400 غرام ألفين ليرة، وكيلو التمر الهندي 13 ألفاً، فيما سعر 400 غرام من التمر تبدأ من 12 ألف ليرة، حسب الصنف.
وقدر رئيس لجنة سوق البزورية في الزبلطاني، محمد نذير السيد حسن، الإقبال على شراء المواد الغذائية بنسبة 5% مقارنةً بالأسبوع السابق لشهر رمضان العام الماضي. وقياساً إلى حركة السوق في الأسبوع الأخير قبل حلول شهر مضان، توقع السيد حسن أنه إذا استمرت الحركة التجارية على وضعها من الجمود أن تكون حال الأسواق أسوأ قبيل العيد.
ودرجت العادة في سوريا خلال سنوات الحرب أن تشهد الأسواق حركة نشطة في الأسبوع الأخير قبل حلول شهر رمضان رغم ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية، إذ تتدفق المساعدات المالية من المغتربين والمهجرين خارج البلاد إلى ذويهم وأقاربهم في الداخل، وحسب الأرقام المتداولة يدخل البلاد كل يوم نحو تسع ملايين دولار مساعدات من الخارج، تتضاعف في مواسم رمضان والأعياد.
وفي شمال غربي سوريا، تجتاح الأسواق موجة غلاء غير مسبوقة في أسعار السلع الغذائية وأهمها اللحوم ومشتقات الحليب والخضار، تزامناً مع قدوم شهر رمضان، والتي تؤثر سلباً على الأطباق الرمضانية، التي دأب السوريون على إعدادها في موائد الإفطار خلال شهر رمضان، في وقت غاب فيه مشهد توزيع المساعدات الخاصة بشهر رمضان كالتمور واللحوم المجانية من بعض المنظمات والجمعيات الإنسانية المحلية، على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، وتراجعاً في حركة الأسواق مقارنةً بالأعوام الماضية.
وقال أبو خالد (58 عاماً)، نازح من ريف حماة الشمالي، ويعيش مع أسرته (8 أفراد)، في مخيم دير حسان شمال إدلب: «رغم أن شهر رمضان بالنسبة لنا كمسلمين هو شهر الطاعة والعبادة والبهجة والسرور، ويحمل عادات وطقوساً جميلة، دأبنا على ممارستها لسنوات طويلة، فإن غلاء أسعار السلع الغذائية مع قدوم شهر رمضان، في الوقت الذي لا نملك فيه فرصة عمل تؤمّن لنا تكاليف نفقات هذا الشهر، دفعنا كنازحين إلى التخلي عن الكثير من العادات وغياب الكثير من المأكولات عن موائد الإفطار».
ويضيف: «عندما يكون سعر أسطوانة الغاز المنزلي 190 ليرة تركية أو ما يعادلها بالدولار الأميركي بنحو 12.63 دولار، وسعر كيلو اللحمة بين 90 و100 ليرة تركية، وكيلو الخضار (البطاطا والبندورة) ما فوق 10 ليرات تركية، ستكتفي الأسر ذات الدخل المحدود بإعداد مائدة إفطار تتناسب مع دخلها اليومي، من خلال تحضير صنف أو اثنين لا أكثر من الطعام، مع فقدان الحلوى والمقبلات».
أم جميل (42 عاماً)، هي أيضاً سيدة نازحة من مدينة معرة النعمان وتعيش وأسرتها في مخيم مشهد روحين بالقرب من الحدود التركية، قالت: «قبل 3 أشهر تسبق شهر رمضان، أعمل على ادّخار بعض المال من الأجر الذي يتقاضاه زوجي في عمله بإحدى المنشآت الإسمنتية في المنطقة، لأشتري ما يلزمنا من بعض الحاجيات الأساسية التي تدخل في صناعة المأكولات الرمضانية كالبهارات والسميد والعرقسوس الجاف والتمر الهندي بأسعار معقولة قبل غلائها في الأسواق، في الوقت ذاته أعمل على توفير بعض المؤن (البرغل والأرز والسمن والزيوت النباتية والتمر) التي نحصل عليها في السلة الشهرية من إحدى المنظمات الإنسانية استعداداً لشهر رمضان، لأوفّر لأسرتي مائدة رمضانية جميلة تعطينا الحد الأدنى بالشعور بشهر رمضان الكريم وطقوسه الجميلة المتعلقة بالطعام والشراب والحلويات المرافقة لها بعد الإفطار واللمة مع الأقارب».
ويقول أبو سامي، صاحب محل لبيع البهارات والتوابل في مدينة إدلب: «لقد تراجعت حركة بيع التوابل والبهارات مع قدوم شهر رمضان هذا العام عن الأعوام الماضية، نظراً لارتفاع أسعارها، بنسبة 40%، وحال ذلك دون قدرة المواطنين ميسوري الحال على شراء كميات كبيرة منها استعداداً لشهر رمضان، بينما غاب عن الأسواق المواطنون من ذوي الدخل المحدود، الأمر الذي شكّل حالة ركود في الأسواق وحركة البيع».
ويعزو سبب الغلاء إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا، كونها المصدر الوحيد لاستيراد السلع إلى مناطق الشمال السوري، إضافةً إلى تراجع قيمة الليرة التركية في الأسواق مقابل الدولار الأميركي، في الوقت الذي لم تتحسن فيه أجور العاملين والموظفين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».