قرار الرئيس التونسي حل البرلمان يفجر جدلاً سياسياً ودستورياً

عناصر الشرطة تحرس مدخل البرلمان التونسي وسط العاصمة (إ.ب.أ)
عناصر الشرطة تحرس مدخل البرلمان التونسي وسط العاصمة (إ.ب.أ)
TT

قرار الرئيس التونسي حل البرلمان يفجر جدلاً سياسياً ودستورياً

عناصر الشرطة تحرس مدخل البرلمان التونسي وسط العاصمة (إ.ب.أ)
عناصر الشرطة تحرس مدخل البرلمان التونسي وسط العاصمة (إ.ب.أ)

فجر قرار الرئيس التونسي قيس سعيد حل البرلمان المجمد، ليلة أول من أمس، جدلا سياسيا ودستوريا حادا في تونس، وتراوحت ردود الأفعال بين داعم بالكامل لهذه الخطوة، وبين رافض لها، وقدم كل طرف مبرراته القانونية والدستورية والسياسية. وفي غضون ذلك، تسربت أخبار كثيرة حول تنفيذ اعتقالات في صفوف النواب الذين شاركوا في الجلسة البرلمانية الافتراضية أول من أمس، والتي أقرت إلغاء التدابير الاستثنائية التي أقرها رئيس الجمهورية منذ الصيف الماضي.
وجاء هذا القرار الرئاسي بعد يوم واحد من ترؤس راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان، جلسة برلمانية عامة لإلغاء التدابير الاستثنائية، التي تعيش على وقعها تونس منذ نحو ثمانية أشهر. وعلى إثر ذلك، اعتبرت بعض الأطراف السياسية والاجتماعية أن هذه الخطوة قد تمثل «انفراجا جزئيا للأزمة السياسية»، شرط أن تكون متبوعة بإجراءات سياسية أخرى، وفي مقدمتها تحديد موعد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في مدة أقصاها ثلاثة أشهر، أي نهاية شهر يونيو (حزيران) المقبل.
وقالت عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر (معارض)، إن قرار حل البرلمان «يجب أن يقترن بالدعوة إلى إجراء انتخابات سابقة لأوانها. ونحن ننتظر دعوة الناخبين كتابيا للانتخابات البرلمانية، ولا مجال للاستفتاءات واستغلال الفرصة لتنفيذ مشاريع شخصية»، على حد تعبيرها.
من جانبه، قال زهير الحمدي، رئيس حزب التيار الشعبي، إن قرار الرئيس سعيد «أنهى الطبقة السياسية الفاسدة، وهو قرار يرد على من يعبثون بالأمن القومي التونسي».
بدوره، قال سامي الطاهري، المتحدث باسم اتحاد الشغل (نقابة العمال) إن قرار حل البرلمان «كان ضروريا وإن كان متأخرا»، معتبرا أن البرلمان المجمد «كان في عداد الأموات وإكرام الميت دفنه» على حد قوله.
فيما قال الغنوشي، رئيس حركة النهضة، إن حزبه «يرفض قرار الرئيس التونسي حل البرلمان»، مبرزا أن وحدة التحقيق في مكافحة الإرهاب استدعت ما لا يقل عن 20 نائبا شاركوا في جلسة البرلمان عبر الإنترنت أول من أمس.
ومن المنتظر أن تدافع الأطراف المعارضة على موقفها بمختلف الوسائل السلمية والقانونية، بعد تأكيد الرئيس سعيد إقصاء كل من حاول «الانقلاب» على الانتخابات المقبلة. في إشارة إلى حركة النهضة ومؤيديها. وقال بهذا الخصوص: «لن يعود للانتخابات من حاول الانقلاب، ومن يحاول العبث بمؤسسات الدولة»، في إشارة أيضاً إلى كل النواب الذين شاركوا في الجلسة الافتراضية، التي عقدها نواب البرلمان المعلقة اختصاصاته، وهو ما سيطرح إشكالا قانونيا جديدا.
كما ينتظر أن تضغط الأطراف المعارضة في اتجاه تحديد موعد للانتخابات البرلمانية قبل الموعد، الذي حدده الرئيس سعيد في17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تنفيذا للدستور التونسي.
في سياق ذلك، عبر حزب التيار الديمقراطي عن رفضه حل البرلمان، معتبرا أن ذلك «يمثل خرقا آخر للدستور ولاستعمال القضاء والقوات الحاملة للسلاح لترهيب النواب المشاركين في الجلسة العامة». وأعلن عن شروعه في تشكيل لجنة دفاع، تتبنى قضية النواب بكل الوسائل، في حال تعرضوا للملاحقة القضائية، وجدد دعمه لـ«حوار وطني هادئ وعقلاني حول خارطة طريق تحترم الشرعية الدستورية، وتفضي إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، وفق قانون انتخابي يضمن أخلقة المشهد السياسي وعقلنته».
وبخصوص قرار حل البرلمان، استنادا إلى الفصل 72 من الدستور التونسي، ومدى مطابقته للقانون، قال الصغير الزكراوي، أستاذ القانون العام، إنه لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يؤسس قرار حل البرلمان على أحكام الفصل 72 من الدستور لأنه تم تعليقه، وتم فقط الإبقاء على الباب الأول والثاني الذي يخص الحقوق والحريات».
وتابع الزكراوي مستدركا: «لكن هذا القرار يعتبر صائبا لعدة اعتبارات سياسية واجتماعية، وإن كان الدستور لا يبرره»، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، قال بسام الحمدي، المحلل السياسي التونسي، إن تبرير سعيد قرار حل البرلمان بكونه يسعى إلى الحفاظ على أمن الدولة، وكذلك اتهام النواب المشاركين في الجلسة العامة البرلمانية الافتراضية بمحاولة الانقلاب، يفسر توجسه من إمكانية مضي البرلمان المجمدة أعماله في التصويت على قرارات أخرى، ترتقي إلى سحب الثقة من الحكومة التي تترأسها نجلاء بودن، وتشكيل حكومة أخرى موازية لها يمنحها الثقة، وربما التصويت على سحب الثقة من الرئيس ذاته، وذلك في محاكاة للسيناريو الليبي، الذي تشكلت فيه حكومتان وسلطتان تشريعيتان، وهو ما استعجل اتخاذ القرار بحل البرلمان وقطع الطريق أمام السيناريوهات السياسية المحتملة، حسب رأيه.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».