فنان سويسري يمنح فينيسيا أول مساجدها

يربط بين علاقة البندقية التاريخية بالتجار المسلمين وقضايا المهاجرين في أوروبا حاليًا

سياح يتوافدون لزيارة أول مسجد في المدينة القديمة (إ.ب.أ)
سياح يتوافدون لزيارة أول مسجد في المدينة القديمة (إ.ب.أ)
TT

فنان سويسري يمنح فينيسيا أول مساجدها

سياح يتوافدون لزيارة أول مسجد في المدينة القديمة (إ.ب.أ)
سياح يتوافدون لزيارة أول مسجد في المدينة القديمة (إ.ب.أ)

أثار خبر إقامة مسجد في مقر إحدى الكنائس القديمة بالقرب من الحي اليهودي في مدينة فينيسيا (البندقية)، الكثير من الجدل والمشاعر المتضاربة بين المسلمين فيها، وفي المناطق القريبة من المدينة العائمة، وبين السكان والسلطات المحلية. مصدر الجدل كان بسبب عدم سماح السلطات على مر العصور ببناء مسجد في فينيسيا، حيث يكتفي المسلمون هناك بالمركز الإسلامي. السبب الثاني هو أن المسجد هو أيضا مشروع فني يقدمه الفنان السويسري كريستوف بوشيل في جناح دولة آيسلندا ضمن بينالي البندقية. أما ردة فعل السلطات فكانت تحمل الكثير من الاعتراضات والتحذيرات.
محاولة الوصول للكنيسة (المسجد) التي تقع في حي كاناراغيو تأخذ وقتا كبيرا، فالأزقة الصغيرة المتفرعة عبر جسور صغيرة متشابهة ومتشابكة يجعلها أشبه بالمشي داخل متاهة، ولكن رؤية بعض السيدات المسلمات وهن يتحدثن عن مشروع أقامه «رجل غير مسلم للمسلمين» تسترعي انتباهي، ومنها أستدل على المكان الذي أتت منه السيدات. الكنيسة من الخارج تبدو كبقية الكنائس المتفرقة في الجزيرة، الفرق هو أنها كنيسة غير مستخدمة ولم تقم فيها الصلوات منذ أواخر الستينات.
خلف الباب الخشبي يبدأ المشروع الفني. في بهو الكنيسة وضع سجاد على الأرضيات وقبلة للمصلين وإلى جانبها المنبر الخشبي. على الحوائط لوحات مثبتة تحمل عددا من أسماء الله الحسنى وتتدلى من السقف ثريا ضخمة تشبه ثريات المساجد في تركيا. في أحد الأطراف أقيمت سواتر خشبية لتحديد مكان لصلاة النساء. وإلى جانبي الباب الخشبي وضعت أرفف لأحذية النساء وأخرى للرجال، كما وضعت أغطية رأس لمن ترغب من النساء. المكان يمتلئ بالحاضرين، هناك زوار البينالي، وهناك عدد كبير من المسلمين، عائلات اجتمعت في ظل المسجد، يرتدون أجمل الملابس ويتحدثون بسعادة واضحة وبينهم يلهو الأطفال.
في أحد الأركان جلس مجموعة من الرجال يتناولون الطعام. المشهد كله كان يحمل بهجة يوم العيد، فالسعادة والبشاشة على كل وجه. في الجانب حيث وضعت عددا من الميكروفونات أمسكت طفلة بأحدها وبدأت في تلاوة نسب الرسول الكريم، تنتهي ويتعالي التصفيق ويبادر بعض الرجال بالتكبير.
أتسلل خلف السواتر الخشبية حيث تجلس النساء، البعض يتناولن الطعام والبعض الآخر ينشغلن مع أطفالهن. أسأل إحدى السيدات عن مكان إقامتها، تقول إنها أتت من خارج فينيسيا مع عائلتها للصلاة في المسجد، رفيقتها تبدو متوترة ومرتابة من الحديث معي وتبتعد. تعود السيدة للحديث معي وتقول: «الحمد الله نحن سعداء، صلينا وكان إحساسا رائعا»، وتضيف: «أتينا لرؤية المسجد وسنعود مرة أخرى. حضرت أنا وزوجي وأولادي وعدد من أصدقائنا». أشير إلى سعادة الأطفال بالمكان وبلعبهم فيه، فتعلق: «نحاول قدر الإمكان تعويدهم على جو المسجد، نأخذهم للمسجد القريب لنا كل يوم سبت لتكون عادة بالنسبة لهم».
أعود لوسط المسجد، أجد مجموعة من الرجال مرتدية الملابس المغربية التقليدية، أحدهم اسمه عبد الرزاق بن طيب وهو من مدينة فيرونا، وعند سؤاله عن رأيه في المكان، يتحدث والابتسامة تملأ قسماته، يقول: «الحمد لله رب العالمين. هذا يظهر أن هناك تسامحا وتعايشا بين الإيطاليين والمسلمين والمغاربة. وهذا الذي نبحث عنه لأن هناك بعض الناس أساءوا لاسم الإسلام بتوجهاتهم السياسية التي لا تمت للإسلام بصلة. أرى أن منظمي هذا المشروع قاموا بعمل كبير، وأسأل الله تعالى أن يستمر بعد انتهاء فترة البينالي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».
يشير بن طيب إلى أنه عضو في فرقة موشحات دينية ستقوم بغناء الأناشيد والمدائح الإسلامية في المسجد. أترك بن طيب ليستعد للفقرة التالية من الموشحات والمدائح النبوية وألمح شخصا أجنبي الهيئة يجلس مع الآكلين، يتحدث العربية ويرتدي الجلباب الأبيض، هو إبراهيم أغنارسون رئيس رابطة المسلمين في آيسلندا، الذي يقول إنه قام بالتعاون مع مسؤولي الجناح بإعداد المسجد، ويراه «أجمل مسجد في أوروبا». ويشير إلى أن المسلمين في آيسلندا وعددهم 1200 في طريقهم للحصول على أول مسجد لهم بعد محاولات على مدى 14 عاما.
مصطفى الدعنوني مسؤول جمعية إسلامية يتحدث إلينا حول دوره كممثل لإحدى الجمعيات الإسلامية: «كلما سمعنا عن مسجد أسرعنا لتقديم العون والمساعدة، وهذا ما حدث هنا، حيث عرضنا المساعدة على منظمي العرض»، ويشير إلى أن عددا من الجمعيات الإسلامية الأهلية يشارك أيضا. أسأله: «هل ترى إقامة المسجد كمشروع فني أم مكان للعبادة؟»، يقول: «هو مشروع فني بالأساس، لكن بالنسبة لنا كمسلمين هناك فرصة لتطبيق الديانة. حتى شكل المسجد حرصنا على أن يحمل لمسات جمالية ليرتبط أكثر بفكرة المشروع، وعلى مر الأيام المقبلة سيكون هناك لقاءات فنية، وسيكون المكان مفتوحا للكل، فهو مركز ثقافي في المقام الأول». وحول ردة فعل الزوار يقول: «أرى في عيون المسلمين الفرحة، وأرى تجاوبا من غير المسلمين. وهو شيء جيد فمدينة فينيسيا أعطتنا مثالا على وجود التعايش بين الديانات، ونحن كعرب نقول: إذا امتدت لنا يد بالخير ننتظر الفرصة لرد ذلك الخير وأكثر منه. ولنثبت للحكومة وللشعب الإيطالي أننا أمة سلام وحب وحضارة واحترام».
ورغم كل تلك المشاعر الإيجابية من المسلمين الفرحين بوجود أول مسجد في فينيسيا، حتى ولو كان مؤقتا، ويحمل صفة «مشروع فني». خارج المسجد كانت الأمور مختلفة، فالجناح الآيسلندي واجهته اعتراضات كثيرة من السلطات في فينيسيا ومن إدارة البينالي. وحتى أمس كان البوليس الإيطالي يحذر من صعوبة المحافظة على الأمن إذا ما حدثت أي مشكلات، خصوصا أن المساحة خارج المسجد ضيقة ويحدها ممر مائي وجسر صغير.
أما الفنان، فقال إن فكرة المسجد تنطلق من العلاقات التاريخية بين فينيسيا والتجار المسلمين، كما تخدم الفكرة أيضا قضايا اجتماعية وسياسية حول المهاجرين في أوروبا. وتتواءم الفكرة تماما مع علاقة العرب مع مدينة البندقية قديما عبر التجارة وتشهد مباني المدينة على تلك الصلات؛ ففي أعلى كاتدرائية القديس سان ماركو نرى اللوحات التي تصور التجار المسلمين، ويضيف بوشيل أن البندقية شهدت طباعة أول نسخة من القرآن في القرن الـ16. اللافت أن المسجد مقام بالقرب من الحي اليهودي «غيتو»، الذي شهد عزل السكان اليهود للمدينة بموجب قانون صدر في عام 1516، والتضييق على شعائرهم، وهو الأمر الذي طبق على التجار المسلمين وقتها، حيث حصر وجودهم في قصر «فونداكو ديل توركي» الذي كان مقرا للتجار الأتراك، وبه أقيمت غرفة للصلاة، وليست مسجدا، في عام 1621.
وأشار بوشيل إلى أن المشروع ليس فقط للمسلمين، فكل من يريد الزيارة يستطيع الدخول. وتعاون بوشيل مع جمعيات المسلمين في آيسلندا وفينيسيا، ويهدف لجعل المسجد مكانا لزيارة المسلمين من فينيسيا وما حولها، وأيضا مركزا لجذب السياح المسلمين الذين يفدون لزيارة المدينة. وسيكون المسجد مركز لأنشطة ثقافية وتعليمية لسكان المدينة وزوارها.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.