تغيير الحدود كأمر واقع... أوكرانيا في الميزان

تغيير الحدود كأمر واقع... أوكرانيا في الميزان
TT

تغيير الحدود كأمر واقع... أوكرانيا في الميزان

تغيير الحدود كأمر واقع... أوكرانيا في الميزان

مائة عام على الحرب العالميّة الأولى واتفاقيّة سايكس - بيكو التي غيّرت الحدود وقسّمت المشرق العربيّ. مائة سنة على جائحة الإنفلونزا الإسبانيّة. مائة عام على وعد بلفور، الوعد الذي أسس لإنشاء الكيان الإسرائيليّ.
استمرّت الحرب الأولى وكأن الجائحة لم تكن، وهي التي حصدت أكثر من 50 مليون شخص.
مع سقوط الاتحاد السوفياتي، الذي اعتبر أكبر كارثة جيوسياسيّة حسب الرئيس بوتين، تغيّرت الخارطة وتعدّلت حدود الكثير من الدول، خاصة في محيط روسيا وعلى حسابها.
نتج عن الأحادية الأميركيّة، وغياب الصراع الجيوسياسي بعد سقوط الدبّ الروسي، عمليّة تسريع العولمة إلى درجة لم يسبق لها مثيل.
بعد مائة عام تقريباً من الحرب الأولى، لا تزال السياسة والجيوسياسة تتقدّم على كلّ شيء. الأوليّة لها، هي القوّة المُديرة، هي ترسم والعالم يتبع. لكن المصيبة الكبرى في السياسة أنها دائماً تُخطّط للسيناريو الأسوأ وتأمل أن يحصل السيناريو الممتاز.
ومع الحرب على أوكرانيا يجب تقديم النصائح التالية:
> لكل من قرأ بسقوط العالم الغربي وتراجع أميركا، عليه إعادة حساباته بعد الحرب على أوكرانيا.
> لكلّ من قرأ بعودة الدبّ الروسي إلى الساحة العالميّة ليحجز مكاناً له على طاولة الكبار، عليه الانتظار وإعادة حساباته.
> ولكلّ من بشّر بصعود التنين إلى ريادة العالم، عليه أيضاً أن يتبصّر أكثر في حساباته.
فكم من كتاب قرأنا عن هذه التوقعات، وخاب ظّن الكاتب كما خاب ظّننا نحن. لكن لماذا؟
ببساطة العالم هشّ جدّا. والمتغيّرات فيه لا تُعدّ ولا تُحصى والمعضلة الكبرى أنه لا توجد معادلة، أو نظريّة يمكن استعمالها لتحليل هذه المتغيّرات واستنتاج صورة واضحة لمسار مُحدّد.
إذن، الجيوسياسة اليوم هي التي تضرب العولمة. وهي التي تضرب الاقتصاد العالمي. وهي التي سخّرت الاقتصاد والمال ليكونا وسيلة أساسيّة من وسائل الصراع الكبير.
في عام 1950، ألقى وزير خارجيّة أميركا الراحل دين آتشيسون خطاباً حدّد فيه القوس الدفاعي لأميركا في الشرق الأقصى، والممتد شمالاً من اليابان إلى الفلبين جنوباً، مستثنياً الدفاع عن كوريا الجنوبيّة.
بعد 6 أشهر من الخطاب، غزت كوريا الشمالية الجنوب فكانت الحرب الكوريّة. توقّفت الحرب دون معاهدة سلميّة، وقُسّمت كوريا إلى شمال وجنوب، يفصل بينهما خطّ العرض 38.
في مكان آخر، وقبيل غزو العراق للكويت. اجتمعت السفيرة الأميركيّة أبريل غلاسبي بالرئيس صدّام حسين وقالت له خلال اللقاء: «ليس لدينا رأي في الصراع العربي - العربي، كخلافكم على الحدود مع الكويت». فكان الغزو، وكان التحرير، وكانت مناطق حظر الجو فوق العراق بين شمال وجنوب.
في عام 2022، وقبيل غزو روسيا لأوكرانيا، صرّح - لمّح - الرئيس بايدن خلال مؤتمر صحافي بالتالي: «قد تختلف أميركا مع الحلفاء على كيفيّة الردّ إذا ما قامت روسيا بتوغّل - Incursion - محدود داخل أوكرانيا». فسّر هذا التصريح على أنه الضوء الأخضر لروسيا للقيام بتوغّل محدود داخل أوكرانيا.
لم يعرف بايدن مدى هوس بوتين باسترداد أوكرانيا إلى حضن روسيا الكبرى، كونها تُعتبر «روسيا الصغرى» في الذاكرة الجماعيّة الروسية.
وبعد شهر على الحرب، تعثّر الجيش الروسي بشكل أثار حيرة المُحلّلين العسكريين. فهل هو هذا الجيش الذي سيخدم الإمبراطوريّة وهو عاجز عن إخضاع جيش من التصنيف الثالث في العالم؟ وما هي مقّومات هذه الإمبراطوريّة إلى جانب ثروات الطاقة؟ وهل يمكن لاقتصاد يوازي الاقتصاد الإيطالي بدخله القوميّ، أن يدّعي الريادة والمساواة مع القوى العظمى، كأميركا والصين؟ فكيف تحوّلت الحرب من حرب خاطفة إلى حرب مدن؟ وهل الحرب متجّهة إلى مأزق - Stalemate - تتحوّل فيه أوكرانيا إلى عدّة مقاطعات، مقسّمة إلى مناطق بين شمال، جنوب - شرق وغرب؟
ثلث الـ44 مليون نسمة في أوكرانيا يسكنون المدن. هناك 490 مدينة. أغلبهم في المنطقة الشرقيّة، أي شرق نهر الدنيبر الذي ينبع من روسيا، ويصبّ في البحر الأسود ويُقسّم أوكرانيا إلى شرق وغرب.
كلّ المعارك تدور في أهم المدن الشرقيّة: تشيرنهيف، وسومي، وخاركيف، وإقليم دونباس، وماريوبول، هذا عدا العاصمة التي تقع على ضفّتي نهر الدنيبر.
بعد أن أعلن الجيش الروسي نجاح المرحلة الأولى – مع تحفّظ من جانبنا - بدأ المرحلة الثانية التي تهدف إلى تحرير كلّ إقليم دونباس.
ستبدأ التحضيرات من قبل الفريقين، والمعركة ستكون حتماً معركة قطع خطوط الإمدادات اللوجيستيّة. لكن ما يُميّز إقليم دونباس عن الداخل الأوكراني، هو أنه على تماس مباشر مع الحدود الروسيّة. كما أن أرضيّة المعركة للانفصاليين هي تقريباً جاهزة. وهذا أمر يُهيّن العمل اللوجيستي للانفصاليين، بعكس الجيش الأوكراني.
وإذا كان التركيز الروسي سيكون على دونباس، فإن صورة المعركة حول باقي المدن ستكون معركة قصف عن بُعد واستنزاف.
لذلك حذّر مدير الاستخبارات الأوكرانيّة حول نيّة روسيا تقسيم أوكرانيا على غرار كوريا. فما المقصود بذلك؟
إذا نظرنا إلى الخريطة العسكريّة - ربطا. تتمثّل العقدة الأساسيّة للجيش الروسي في السيطرة على مدينة ماريوبول. وإذا حصل هذا الأمر، فإن الجسر البري الروسي الممتد من خيرسون إلى إقليم دونباس سيكتمل. وإذا اكتمل، سيصبح بمقدور القوات الروسيّة تطويق القوات الأوكرانيّة التي تحارب في دونباس من الغرب - الخلفيّة - لتقطع عنها كلّ خطوط التموين واللوجيستيّة. وهكذا سيسقط الإقليم، وقد يفرض بوتين التقسيم القسريّ - De Facto - على أوكرانيا لكن بدل شمال - جنوب في كوريا، سيكون شرق - غرب في أوكرانيا.
لكن المعضلة الكبرى ستبقى في باقي المدن. فهل سيعتبر بوتين تحرير دونباس نصراً، ويذهب إلى التفاوض؟ وماذا لو رفض الآخر؟
على كلّ، المعركة طويلة وللحديث تتمّة.


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».